الاتصالات الإسرائيلية.. تهديد إستراتيجي واجتياح تقني للمناطق الفلسطينية

فلسطين تشتكي العمل غير القانوني لشركات الاتصالات الإسرائيلية داخل الضفة الغربية.

الشركات الإسرائيلية متقدمة تقنيا على نظيرتها الفسطينية وتعمل بلا رسوم أو رخصة ولا تدفع ضرائب للسلطة الفلسطينية (الفرنسية)

يُشكل قرار إسرائيل توسيع تغطية شبكة هواتفها الخلوية، لتشمل معظم أراضي الضفة الغربية، ضربة لشركات الاتصالات الفلسطينية، ربما تهدد وجودها، وفق خبراء.

ووفق شخصيات فلسطينية على علاقة بقطاع الاتصالات، فإن توسيع سلطات الاحتلال شبكات الاتصالات داخل المناطق المحتلة يجري في وقت تُحرَم فيه الشبكات الفلسطينية من تطوير قدراتها.

وما زال الفلسطينيون في قطاع غزة يستخدمون الجيل الثاني من خدمات الاتصالات، في حين تحوّل فلسطينيو الضفة الغربية عام 2018 إلى خدمات الجيل الثالث، وتُمنع الشركات الموجودة من تطوير خدماتها والانتقال إلى الجيلين الرابع والخامس.

وتعمل في أراضي السلطة الفلسطينية المحتلة شركتان للهواتف الخلوية هما "جوّال"، و"أوريدو" (Ooredoo)، وشركة واحدة للهواتف الأرضية هي "شركة الاتصالات الفلسطينية".

توسع إسرائيلي

والأحد 14 فبراير/شباط قرر بيني غانتس، وزير الدفاع والاتصالات الإسرائيلي، السماح لشركات الاتصالات الخلوية الإسرائيلية بتوسيع تغطيتها لشبكة الجيل الرابع، لتشمل 95% من الضفة الغربية المحتلة، بدلا من 75% حاليا.

وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي منح وزير الاتصالات الإسرائيلي السابق، يوعاز هندل، شركة الاتصالات الأرضية "بيزك" (pezeq) ترخيصا بالعمل الكامل في الضفة الغربية.

وحسب تقديرات أخيرة لمنظمات معنية بملف الاستيطان، يزيد عدد المستوطنين بالضفة الغربية على 470 ألف مستوطن، تتذرع سلطات الاحتلال بخدمتهم لتوسيع شبكتها، ولا تشمل هذه المعطيات أكثر من 220 ألف مستوطن في المستوطنات المقامة على أراضي مدينة القدس الشرقية.

وتشتكي فلسطين منذ سنوات العمل غير القانوني لشركات الاتصال الخلوية الإسرائيلية داخل الضفة الغربية، فهو يلحق خسائر فادحة بقطاع الاتصالات الفلسطيني.

ويستخدم كثير من الفلسطينيين في الضفة شبكات الاتصالات الإسرائيلية الخلوية نظرا لتطورها، لكن السلطة الفلسطينية تمنع تداول شرائحها وتلاحق من يتاجر بها.

ووفق معطيات وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الفلسطينية حتى أكتوبر/تشرين الأول 2020، فإن إسرائيل تنشر 560 برجا للاتصالات في الضفة الغربية، أغلبها في المنطقة المصنفة (ج) وفق اتفاقية أوسلو (1995)، المقدرة بنحو 61% من مساحة الضفة، وتخضع لسيطرة إسرائيلية كاملة.

وتنظم اتفاقية أوسلو، الموقعة بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، قطاع الاتصالات، لكنها تشترط موافقة إسرائيل على أي خطوات أو اتفاقيات في ما يتعلق بقطاع الاتصالات الفلسطيني، كما أعطت إسرائيل حق إدارة الطيف الترددي.

ولا تتوفر معطيات حديثة عن عدد الفلسطينيين الذين يستخدمون شبكات الاتصالات الإسرائيلية، وحجم الخسائر الفلسطينية نتيجة غزو الشركات الإسرائيلية، لكن بيانات نشرها البنك الدولي قبل أعوام قدّرتها بنحو مليار و100 مليون دولار.

وعام 2018 كشفت وثيقة رسمية، حصلت عليها الأناضول، عن وجود 8 شبكات اتصال إسرائيلية تعمل بطريقة غير قانونية في الأراضي الفلسطينية.

وتوقعت الوثيقة -التي وزعت على هامش مؤتمر "أكسبوتك فلسطين 2018"- أن يبلغ عدد مستخدمي الشرائح الإسرائيلية (من الفلسطينيين) مليون مستخدم عام 2020، وقدّرت حينئذ ما يدفعه مستخدمو هذه الشرائح للشركات الإسرائيلية سنويا بنحو 100 مليون دولار.

الاحتلال يسمح بإدخال خدمة الجيل الثالث للاتصالات بالضفة
الشركات الفلسطينية تعمل بخدمات الجيل الثالث ومُنعت من تطوير خدماتها والانتقال إلى الجيلين الرابع والخامس (الجزيرة)

تقويض جهود الرباعية الدولية

يقول إسحق سدر، وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الفلسطيني، إن القرار الإسرائيلي يخالف القوانين الدولية والتجارية منها، وليس فقط تلك التي تنظم موضوع الاتصالات والترددات.

وأضاف سدر -في حوار مع وكالة الأناضول- أن إسرائيل تمنع الفلسطينيين من تطوير قطاع الاتصالات، وتحرمهم من الترددات اللازمة لتشغيل الجيلين الرابع والخامس، وتابع أن الترددات كأي مورد طبيعي آخر هي حق للشعب الفلسطيني، تكفله المواثيق والمعاهدات الدولية والقرارات الأممية.

وأشار إلى تقديم شكاوى بخصوص القرار الإسرائيلي لجهات دولية أبرزها الاتحاد الدولي للاتصالات، ومكتب اللجنة الرباعية الدولية (تضم واشنطن وموسكو والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي)، وأكد أن التحرك الفلسطيني باتجاه المحاكم الدولية لمقاضاة إسرائيل على تصرفاتها قد بدأ.

وكشف الوزير عن أن القرار الإسرائيلي جاء لقطع الطريق على جهود تقوم بها اللجنة الرباعية الدولية، لتحديد احتياجات السوق الفلسطينية من الترددات.

وقال إن شركة محايدة كلفتها الرباعية الدولية، أنهت في مايو/أيار الماضي دراستها عن الترددات اللازمة لتشغيل الجيلين الرابع والخامس، وقدمتها للجهات الدولية.

وأضاف أن التحرك الإسرائيلي يهدف إلى إشغال الترددات، وقطع الطريق على محاولات تخصيص الترددات المطلوبة للفلسطينيين بزعم أنها مشغولة، ومن ثمّ وأد جهود الرباعية الدولية.

تهديد إستراتيجي

من جهته، يرى عمار العكر الرئيس التنفيذي لمجموعة الاتصالات الفلسطينية التي تضم شركة "جوّال" للاتصالات الخلوية، في القرار الإسرائيلي تهديدا إستراتيجيا، واجتياحا تقنيا للمناطق الفلسطينية.

وأضاف -في حديثه للأناضول- أن العمل جارٍ مع السلطة الفلسطينية والشركات الخاصة، في المحافل الدولية للضغط على إسرائيل، كي يتاح للشركات الفلسطينية أن تكون على مستوى المنافسة من الناحية التقنية مع الشركات الإسرائيلية.

ويلفت إلى أن المنافسة الإسرائيلية ليست جديدة، فدائما الشركات الإسرائيلية متقدمة تقنيا، وتعمل بلا رسوم أو رخصة، ولا تدفع ضرائب للسلطة الفلسطينية، بل تتلقى تحفيزات من الحكومة الإسرائيلية كي تعمل بالضفة، وأشار إلى وجود توجه نحو محاربة القرار الإسرائيلي في المحافل الدولية.

وقال إن القطاع الخاص، بالتعاون مع وزارة البريد والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، نشر بيانا صحفيا عن إجراءات الاحتلال الأخيرة في وسائل إعلام أميركية.

ويتطلع العكر إلى تدخل الإدارة الأميركية الجديدة لثني إسرائيل عن قرارها من جهة، والمساعدة على حصول الفلسطينيين على الترددات الخاصة بالجيلين الرابع والخامس، من جهة ثانية.

وأوضح أن إدارة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، التي كان الرئيس الحالي جو بايدن جزءا منها، هي التي ساعدت على حصول الفلسطينيين على خدمات الجيل الثالث (فقط بالضفة الغربية دون قطاع غزة)، ويعوّل عليها في تطوير قدرات الشبكات الفلسطينية.

قدرة الشركات الفلسطينية على المنافسة مع الشركات الإسرائيلية محدودة جدا نظرا لمحدودية قدراتها والقيود الإسرائيلية (الفرنسية)

قدرة محدودة على المنافسة

من جهته يقول إبراهيم جفال، رئيس مجلس إدارة اتحاد شركات أنظمة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الفلسطينية "بيتا"، إن قدرة الشركات الفلسطينية على المنافسة مع الشركات الإسرائيلية محدودة جدا نظرا لمحدودية قدراتها والقيود الإسرائيلية.

وتوقع الخبير الفلسطيني تراجع مبيعات الشركات الفلسطينية وربما تسريح موظفين، وتراجع دفع الضرائب للحكومة، وتبعات اقتصادية أخرى، في حال نفذت إسرائيل خطتها، وتحوّل المستخدم الفلسطيني إلى شبكاتها.

وأضاف أن عشرات الملايين ستخسرها الشركات الفلسطينية سنويا، وربما نشهد انهيار هذه الشركات نظرا لقدرتها الضعيفة على المنافسة.

وتفيد معطيات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني بأن نسبة الأسر الفلسطينية التي لديها هاتف ذكي تبلغ 97.3%.

المصدر : وكالة الأناضول