هل تكون تسلا الجديدة؟ مستثمرون يراهنون بقوة على شركة ناشئة للشاحنات الكهربائية
من الصعب تخيل أن تنجح شركة في مجاراة الصعود الصاروخي لتسلا، ولكن إذا كانت هنالك شركة ناشئة للسيارات الكهربائية بإمكانها أن تحلم بأن تكون تسلا الجديدة، فإنها بالتأكيد شركة ريفيان.
هذه الشركة التي تأسست في 2009 تستعد لإنتاج شاحنات نقل خفيفة كهربائية وسيارات رياضية متعددة الأغراض (إس يو في). ويفترض أن يكون كلا النموذجين على الطريق بحلول الصيف المقبل، وسيتم تصنيعهما في منشأة كانت سابقا تابعة لميتسوبيشي في ولاية إلينوي. وتقوم ريفيان أيضا بتطوير شاحنات كهربائية للتوصيل لصالح أمازون.
ولكن ما يميز ريفيان هو التشكيلة المذهلة من المستثمرين الذين حصلت عليهم؛ إذ إن أمازون ليست مجرد زبون لديها، بل قامت بوضع الكثير من المال في ريفيان. ومن الداعمين الآخرين أيضا هنالك بلاكروك وفيداليتي، وتي رو برايس وفورد موتور التي تخطط لإنتاج عربة تعتمد على تكنولوجيا ريفيان.
وقد تم يوم الثلاثاء الكشف عن آخر عملية ضخ لرأس المال، حيث قالت ريفيان إنها جمعت 2.65 مليار دولار من مجموعة على رأسها صناديق وحسابات تديرها مجموعة إدارة الأصول "تي رو برايس". ومن المستثمرين الآخرين هنالك أيضا فيديليتي للاستثمارات وصندوق أمازون للمناخ. هذه الجولة الاستثمارية ترفع قيمة الشركة إلى 27 مليار دولار، وتجعل مجموع الاستثمارات فيها منذ بداية 2019 يصل إلى 8 مليارات دولار.
ويقول جوزيف فاث مدير المحفظات الاستثمارية في تي رو برايس، في بيان؛ "لقد كنا ننتظر بفارغ الصبر حلول العام 2021، الذي سيحمل معه الابتهاج بشروع ريفيان في تقديم منتجاتها جوهرية التغيير للزبائن".
غير أن توفير هذه التمويلات الضخمة ليست بالضرورة ضمانا للنجاح، إذ إن إنتاج سيارة جديدة من الصفر هو عمل جبار بالنسبة للشركات العريقة، فما بالك بشركة ناشئة.
وفي حوار صحفي، قال روبرت جي سكارنج، مؤسس ريفيان ومديرها التنفيذي "إن عملية تصنيع شيء مثل هذا بعيدة كل البعد عن البساطة. إنها أوركسترا معقدة، وهنالك عدة آلاف من القطع التي تأتي من المئات من المزودين. إنها بالتأكيد عملية أكثر تعقيدا مما يعتقده الناس، وأكثر تعقيدا حتى مما كنت أظنه".
وتأمل ريفيان تحقيق الاستفادة المالية من الفرصة نفسها التي حددتها تسلا وطورها، وهي عملية كهربة قطاع المواصلات. وبالنسبة لأغلب مديري شركات السيارات، لم يعد هناك شك كبير في أن العالم يسير نحو هذا الانتقال. فخلال السنوات الخمس الماضية قفزت تسلا من إنتاج 50 ألف سيارة سنويا إلى 10 أضعاف هذا الرقم خلال العام الماضي. كما تقوم جنرال موتورز وفورد وفولسفاغن وشركات أخرى باستثمار مليارات الدولارات لتطوير سيارات وشاحنات كهربائية سوف تحل في النهاية محل النماذج التي تعمل بالوقود الأحفوري.
ويقول سكارنج "خلال حياتي سوف ننتقل من عالم تكون فيه العربات الكهربائية جزءا صغيرا من السوق إلى أن تمثل هذه العربات 100% من السوق. وبعض اللاعبين الحاليين سيتمكنون من النجاح في هذا الانتقال، إلا أنه سوف يخلق أيضا فرصا لشركات جديدة لدخول المجال نفسه".
هنالك توجه آخر كبير بدأ يعيد تشكيل قطاع تصنيع وسائل النقل، وهو السيارات ذاتية القيادة. فوحدة كروز، التابعة لجنرال موتورز والتي تعمل على تطوير هذا النوع، أعلنت في يناير/كانون الثاني الماضي أنها جمعت ملياري دولار من مايكروسوفت وجنرال موتورز وهوندا ومستثمرين آخرين. وتعمل ريفيان وتسلا أيضا على تكنولوجيا القيادة الآلية.
ريفيان تختلف عن تسلا في العديد من النواحي؛ إذ إن تسلا حتى الآن حققت نموها من خلال سيارات صالون رياضية، وهو نوع السيارات الذي بدأ يفقد رواجه لدى الزبائن. وتنوي تسلا الشروع هذا العام في إنتاج شاحنات تسمى "سايبر ترك" ذات مميزات مستقبلية وتصميم غير مألوف مدبب الزوايا. إلا أنها لم تبدأ تركيز جهودها على الشاحنات وسيارات "إس يو في" التي تشكل 75% من سوق عربات نقل الأفراد في الولايات المتحدة.
أما ريفيان من جهة أخرى فهي تركز على إنتاج سيارات "مغامرات" التي يمكن لمالكيها أخذها خارج الطريق، وهي مقاربة تعني أن ريفيان لن تواصل التنافس مباشرة مع تسلا. حيث يقول سكارنج "هنالك اعتقاد بأن هذا سباق يأخذ فيه الفائز كل شيء، ولكن هذا خطأ تماما. إن الزبائن يحتاجون لتوفر طرازات ونكهات متنوعة. إن نجاحنا لا يعني أبدا منع نجاح الآخرين".
وتمثل ريبيكا باك ستير نوعية مشتري السيارات التي تأمل ريفيان جذبها. هذه السيدة التي تعمل في مجال تحديد أماكن التصوير للأفلام وتعيش في مدينة ألباكركي في ولاية نيومكسيكو، مهتمة منذ سنوات بشراء سيارة كهربائية، إلا أنها تحتاج لعربة تكون مرتفعة عن الأرض وذات دفع رباعي، لاستخدامها في المهام التي تتطلب التوغل في الصحراء، ولذلك فهي تقول "هذه المواصفات ليست موجودة في السوق، ومنتجات تسلا لا تناسب احتياجاتي".
ولكن قبل حوالي عام سمعت ريبيكا عن شركة ريفيان للمرة الأولى، وفي اليوم التالي قدمت دفعة مسبقة لشراء سيارة "إس يو في"، إذ إن ريفيان -مثل تسلا- لا تنوي بيع سياراتها عبر وكلاء السيارات. وشاهدت ريبيكا شاحنة "سايبر تراك"، إلا أن ذلك التصميم لم يعجبها، حيث تقول ضاحكة "إن تلك العربة يفوح منها أنها لشخص مزعج".
أما الشاحنات وسيارات "إس يو في"، التي تبيعها ريفيان بسعر يبدأ من 67 ألفا و500 دولار، فهي تبدو تقليدية أكثر كما لو أنها مصممة من شركة لاند روفر.
إن المدير التنفيذي لتسلا إيلون ماسك يمثل قوة تغيير لا يضاهيها أي شيء في قطاع تصنيع السيارات خلال العقود الأخيرة، ربما منذ زمن هنري فورد. فهو قام بدفع شركته نحو أعلى المستويات في البورصة بالتزامن مع جذب جيش من المعجبين. إلا أن ماسك أثار أيضا الجدل، حيث وصف الإجراءات الحكومية للحد من انتشار فيروس كورونا بأنها "إجراءات فاشية". وتسببت تغريداته على تويتر في متاعب قانونية له وللشركة، ومن بينها مع هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية. وقبل فترة ليست طويلة ادعى ماسك أن تسلا سوف يكون لديها مليون سيارة ذاتية القيادة على الطريق في 2020، إلا أن الشركة حتى الآن لم تكشف عن عربة واحدة ذاتية القيادة بالكامل.
أما سكارنج، على العكس من ذلك، فهو مهندس عاشق للكتب، يحمل شهادة دكتوراه من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. وحاول خفض بصمته الكربونية أثناء وجوده في الجامعة عبر التنقل على قدميه وبالدراجة، والاستحمام بالماء البارد وغسل ملابسه بيديه، كما أن حسابه على تويتر يبدو مستأنسا جدا، حتى أن أحدث المنشورات فيه تغريدة حول لون السيارات المفضل لدى أطفاله (وهو الأزرق).
وخلال النصف الثاني من هذا العام، تأمل ريفيان انطلاق إنتاج شاحنات التوصيل لصالح أمازون بأعداد كبيرة. وشرعت أمازون فعليا في اختبار نماذج أولية منها على الطريق. يذكر أن عملاق البيع بالتجزئة هذا جعل هذه الشاحنات جزءا محوريا من إستراتيجيته لخفض الانبعاثات الكربونية، من خلال تقديم طلبية لشراء 10 آلاف شاحنة يتم تسلمها بنهاية 2022.
ويقول المحلل مع شركة "جارتنر" مايكل رامسي إنه متحمس لرؤية إذا كانت ريفيان تستطيع تفادي الأخطاء التي أعاقت تسلا قبل سنوات قليلة سابقة، حينما أسرع ماسك في زيادة إنتاج طراز 3 من سيارة الصالون، وهو ما انتهى به الأمر إلى القول إن ذلك "كان جحيما في عملية الإنتاج".
وقال رامسي "هل ستصبح ريفيان عملاقا في المستقبل ينافس فورد وجي إم؟ لا أعرف. لكنهم لديهم كل تلك الاستثمارات العملاقة. ولهم شريك إستراتيجي وهو فورد، ولديهم عقود مبرمة مع أمازون. ومن بين كل شركات السيارات الكهربائية الناشئة يبدو أن لهم أفضل فرصة للنجاح.
© مؤسسة نيويورك تايمز 2021