فاجعة طنجة.. ما حجم قطاع الاقتصاد الموازي بالمغرب؟ وما الحلول لتنظيمه؟

يدر دخلا لفئات واسعة ويوفر فرص عمل لمئات الآلاف من المغاربة، لكنه يبقى خارج رقابة القانون

حادث طنجة راح ضحيته 28 شخصا (الفرنسية)

نجت إحدى العاملات من الموت "غرقا" أو "صعقا بالكهرباء" في ردهات وحدة صناعية للنسيج في مدينة طنجة (أقصى شمال المغرب) بأعجوبة، لكنها فقدت بناتها الأربع دفعة واحدة.

شقيقات أربع ضمن 28 وفاة خلفتها فاجعة طنجة الاثنين 8 فبراير/شباط الجاري، حين غمرت مياه الأمطار قبو إحدى الفيلات بحي سكني، قال بلاغ رسمي إنه وحدة صناعية "سرية" غير مرخصة.

هذا الحادث المأساوي الذي راح ضحيته 28 شخصا، تفاعلت معه مختلف الهيئات النقابية والحزبية والمدنية والحكومية، فضلا عن غضب عارم في وسائط التواصل الاجتماعي التي رفض الناشطون فيها كون المنشأة الصناعية سرية، واستنكروا بشدة ما وصفوه بتستر أو غض الطرف عن وحدات الإنتاج التي تعمل خارج دائرة الضوء.

وانتقل الجدل إلى البرلمان المغربي، وبالإضافة إلى التنديدات الواسعة والمطالب بتحقيق العدالة ومحاسبة المسؤولين عن الحادث، اعتبرت فرق برلمانية ضحايا الفاجعة "ضحايا لقمة العيش في القطاع غير المهيكل".

وأعادت الفاجعة للواجهة ظاهرة المصانع غير المرخصة، ووضع وحدات الإنتاج التي تشتغل خارج دورة القانون والدورة الاقتصادية، وما يرتبط بها من ضياع للحقوق الخاصة والعامة. وسلطت الضوء على القطاع غير المهيكل، أو ما يسمى الاقتصاد الموازي أو اقتصاد الظل والاقتصاد الأسود.

وقبل أيام فقط من حادث طنجة، كان المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي قد وصف الخسائر التي يتكبدها المغرب اقتصاديا واجتماعيا جراء الوفيات الناجمة عن حوادث الشغل بـ"المهولة"، حيث تتسبب بنحو ألفي وفاة سنويا.

وقال المجلس إن عدد المقاولات (الشركات) التي تمتثل لإجراءات الحماية الصحية والسلامة، لا يتجاوز 17%.

قطاع متشابك

ووصف الخبير والباحث الاقتصادي رشيد أوراز -في حديث مع الجزيرة نت- القطاع غير المهيكل في المغرب بالقطاع الضخم، وقال إن فيه مصالح متشابكة ومعقدة، ويدر دخلا معيشيا لفئات واسعة .

وكان مسح سابق للمندوبية السامية للتخطيط قد قدّر عدد العاملين في القطاع غير المهيكل بحوالي 2.5 مليون عامل.

وكانت دراسة بحثية نشرها بنك المغرب (البنك المركزي) حول "قياس وتطور الاقتصاد غير المهيكل بالمغرب"، قد أفادت بأن هذا الاقتصاد انخفض إلى مستوى أقل من 30% نسبة إلى الناتج الداخلي الخام خلال الفترة ما بين 2009 و2018، بينما كان عند 40% تقريبا في فترة سابقة، بحسب المصدر ذاته.

من جهته، اعتبر الاتحاد العام لمقاولات المغرب (نقابة مهنية لأرباب الأعمال) أن الأزمة الاقتصادية الحالية المرتبطة بفيروس كورونا المستجد، كشفت أن "القطاع غير المهيكل يُمثل أكثر من 50% من الاقتصاد الوطني".

وقد مكّنت التعويضات المالية التي منحتها الدولة خلال الأشهر الماضية للأسر المشتغلة في القطاع غير المهيكل، من الوقوف على حجم هذه الظاهرة، حيث بلغ عدد الأسر المستفيدة منها أكثر من 4 ملايين أُسرة.

جهود للإدماج

وفي الوقت الذي أعلنت فيه السلطات عن فتح بحث قضائي للكشف عن ظروف وحيثيات حادث طنجة، يُتوقع أن تطلق حملة واسعة ضد المصانع غير المرخصة.

في هذا السياق، يرى الباحث في المعهد المغربي لتحليل السياسات رشيد أوراز -في حديثه مع الجزيرة نت- أن التصدي للوحدات غير المهيكلة "ليس حلا". وفي توقع أولي، قال أوراز إن حادث طنجة لن يغير من واقع الاقتصاد غير المهيكل كثيرا.

ويعد تنظيم القطاع غير المهيكل ومحاصرته عبر إدماجه في دورة الاقتصاد، رهانا أساسيا أمام الدولة عبر البحث عن آليات وبدائل.

ورغم المجهودات والإستراتيجيات التي تم تنفيذها منذ بداية سنوات 2000 بهدف تحسين البيئة المؤسسية والاقتصادية والمالية، والتي ساهمت في تقليص حجم الاقتصاد غير المهيكل -بحسب بحث بنك المغرب- فإن استمرار الأنشطة غير المهيكلة يستلزم إصلاحات هيكلية إضافية.

وجاء في دراسة البنك المركزي أنه "يتعين أن تتضمن إستراتيجية هيكلة القطاع إصلاحات متكاملة تعالج تعقيدات وخصوصيات عدم الهيكلة في كل قطاع على حدة".

مدخل للإصلاح

ويعتبر رشيد أوراز أن القضاء على القطاع غير المهيكل في المغرب صعب وغير ممكن في الوقت الحالي، ويرى أن التقليل من حجمه يتطلب رؤوس أموال كبيرة وإصلاحا إداريا ومؤسسيا، فضلا عما يقرب من 20 إلى 30 سنة، عبر مبادرات وصيغ قانونية للإدماج.

ويقول إن الإصلاح يجب أن يشمل تطوير النسيج الاقتصادي الصناعي والتجاري، وتطوير ديناميته.

ويعتقد أن المدخل لتمكين القطاع الموازي من إدماج وحداته تلقائيا في الدورة الاقتصادية، وانخراطه في الدينامية التصديرية، يمرّ عبر بوابة "تحسين المعروض العقاري، وعقلنة الضريبة، وإصلاح الإدارة".

يشار إلى أن جزءا كبيرا من القطاع غير المهيكل في المغرب يعتبر قطاعا اجتماعيا معيشيا، ومعظم العمال الذين يكسبون رزقهم اليومي منه من دون معايير عمل قانونية، لم يختاروه طوعا، بل شكل فرصة عمل لهم في غياب فرص "رسمية" وقانونية.