هل تخطط تونس لبيع مؤسساتها وخفض الأجور لتعبئة مواردها؟
تونس تواجه أزمة حكومية كبيرة بسبب صعوبة تمويل موازنتها هذا العام
تواجه تونس ضائقة كبرى بسبب صعوبة تعبئة الموارد الكافية لتمويل موازنتها هذا العام، في وقت طرح فيه وزير الاقتصاد والمالية مسألة التفويت (الخصخصة) في مؤسسات عمومية، وهو خط أحمر بالنسبة لأكبر نقابة عمالية "اتحاد الشغل".
وتحتاج تونس سنة 2021 لموارد تناهز 19 مليار دينار (7 مليارات دولار) موزعة بين تمويل خارجي بحوالي 13 مليار دينار (4.8 مليارات دولار) وتمويل داخلي من البنوك التونسية بنحو 5.6 مليارات دينار (مليارا دولار).
اقرأ أيضا
list of 4 itemsبالأرقام.. ماذا قدمت الدول العربية لرفع عبء الديون عن المواطنين والشركات في أزمة كورونا؟
مؤسسات أفلست وإيرادات توقفت بسبب كورونا.. الجزيرة نت ترصد الأوضاع المالية للصحافة الورقية بالعالم العربي
هل أصبحت تونس على سكة الإفلاس بسبب التجاذبات وأزمة كورونا؟
لكن الخبير الاقتصادي عز الدين سعيدان يقول إن هناك "مأزقا" في حصول تونس على قروض خارجية لأسباب عديدة، أبرزها تراجع تصنيفها الائتماني 8 مرات منذ سنة 2011، وبروز أزمة ثقة جلية مع صندوق النقد الدولي.
مصداقية مهتزة
لم تتقدم تونس إلى حد الآن -وفق مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد- بطلب رسمي للحصول على تمويل جديد، ويرجع الخبير الاقتصادي سعيدان ذلك إلى "اهتزاز صورتها" بسبب عدم التزامها سابقا بتعهداتها.
ففي 2013 طلبت تونس قرضا من صندوق النقد بقيمة 1.7 مليار دولار، لكن الصندوق رفض منحها القسط الأخير بقيمة 245 مليون دولار، بسبب عدم التزامها ببرنامج إصلاحات اقتصادية تعهدت الحكومة التونسية بتطبيقه.
وفي 2016 أعادت تونس تقديم طلب إلى صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بقيمة 2.9 مليار دولار، لكنها لم تلتزم مرة أخرى بتطبيق برنامج الإصلاحات الذي قدمته الحكومة، مما أفقدها مصداقيتها، وفق سعيدان.
عدم التزام تونس بإصلاح المؤسسات العمومية المفلسة وعدم الضغط على الأجور المتضخمة هذا العام وتوجيه القروض الخارجية نحو سداد الأجور ونفقات التسيير بدلا من الاستثمار شكّل معضلة حقيقية للحكومة.
صعوبة التمويل
جميع هذه الأسباب -يقول عز الدين سعيدان للجزيرة نت- جعلت العلاقة بين تونس وصندوق النقد الدولي متوترة، بل ستضع عراقيل كثيرة أمام إمكانية لجوء تونس للأسواق المالية العالمية بسبب صورتها المهتزة.
وحتى لجوء تونس للاقتراض من البنوك التونسية بالعملة الصعبة عبر ودائع زبائنها بنحو 300 مليون دولار لن يحل مشكلة تمويل موازنتها، وهي التي تستعد هذا العام لدفع 16 مليار دينار (6 مليارات دولار) كديون خارجية.
أما بالنسبة إلى تصريح وزير المالية بفتح النقاش بشأن مسألة التفويت في مؤسسات عمومية وخفض ساعات عمل الموظفين مقابل خفض أجورهم فهي لا تعدو أن تكون سوى تصريحات عابرة، وفق سعيدان.
ولا توجد -حسب سعيدان- أي خطوة ملموسة للمضي في هذا الاتجاه، معتبرا أن الحل الأمثل يكمن في إصلاح المؤسسات العمومية المفلسة بسبب عدم سعي الحكومات لإنقاذها وإعادة هيكلتها منذ 10 سنوات على الثورة.
خط أحمر
يعتبر الخوض في مسألة بيع المؤسسات العمومية أو المس بأجور الموظفين خطا أحمر لدى الاتحاد العام التونسي للشغل، حيث يقول الأمين العام المساعد في الاتحاد سامي الطاهري للجزيرة نت إن التفويت "لن يمر".
واستغرب من عدم سعي الحكومة لتعبئة موارد عبر مكافحة التهرب الضريبي والتهريب ومحاربة الفساد وإدماج السوق السوداء في الاقتصاد المنظم مقابل تفكيرها في التفويت في مؤسسات عمومية بدل إنقاذها.
وكان رئيس لجنة المالية والتخطيط والتنمية بالبرلمان هيطل مكي كشف مؤخرا أن الحكومة تسعى لإحداث وكالة للتفويت في المؤسسات العمومية تنفيذا لما وصفها بتعليمات صندوق النقد وبعض اللوبيات الاقتصادية.
وقال الطاهري إن تجربة التفويت في المؤسسات العمومية للقطاع الخاص تسببت سابقا في اندثار عدد منها، مشيرا إلى أن الحل يكمن في إعادة هيكلتها لتكون رافعة للاقتصاد.
موضوع للنقاش
بدوره، ألمح وزير الاقتصاد والمالية علي الكعلي في تصريح إعلامي إلى دراسة الحكومة لخفض ساعات عمل الموظفين مقابل خفض نفقات أجورهم، والتفكير في التفويت في مؤسسات عمومية، قبل أن يعدل في تصريحه.
وقبل أيام، أكد الكعلي في جلسة استماع مع لجنة المالية والتخطيط والتنمية بالبرلمان أن صلاحياته لا تمكنه من التفويت في حصص الدولة داخل المؤسسات العمومية، مشيرا إلى أنه طرح الموضوع للنقاش العام للتفكير فيه.
وأقر الوزير بوجود مصاعب كبرى في المالية العمومية بسبب تراجع مداخيل الدولة مقابل ارتفاع نفقاتها، خاصة جراء تضخم كتلة الأجور بنحو 20 مليار دينار (7.4 مليارات دولار)، أي 16.6% من الناتج الإجمالي.
وأكد أن تونس ستتجه للاقتراض من السوق الخارجية لتمويل الموازنة البالغة 53 مليار دينار (19.7 مليار دولار)، وهو توجه سيكون باهظا على المديونية وعلى مستوى المس بالقرار السيادي لتونس، وفق مراقبين.
وتشهد تونس توترا اجتماعيا واحتقانا سياسيا، حيث تكررت الاحتجاجات الشعبية في الشوارع مؤخرا رفضا لتوجهات الحكومة الحالية، في ظل ارتفاع البطالة وغياب التنمية وتكرر الاعتداءات الأمنية، مما ينبئ بتعمق الأزمة.