ريادة الدولار لم تعد مضمونة.. هل تحدد العملات الرقمية مستقبل أميركا؟
تحتاج الولايات المتحدة للتحرك على وجه السرعة، من أجل الحفاظ على أسبقيتها في سباق ترميز البنية التحتية المالية.
ويقول الكاتب جاي كلايتون في هذا التقرير الذي نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" (Wall Street Journal) الأميركية إن البتكوين وبقية الأصول المرمزة (تسمى كذلك لأن ملكيتها موثقة برمز رقمي فريد من نوعه مسجل على دفاتر في البلوك تشين) تجاوزت قيمتها أخيرا 3 تريليونات دولار.
ويضيف الكاتب أن السباق الآن يدور في نطاق ترميز كل أشكال الأصول المالية، وهذا يشمل الملكية والحقوق والالتزامات، في مجال البلوك تشين الذي بات متفوقا تفوقا واضحا على البنية التحتية المالية التقليدية.
فهنالك مليارات الدولارات من الأصول المرمزة التي يتم تداولها يوميا في الأسواق وعلى مدار الساعة، وهذه العملة المشفرة الناشئة هي فقط الجزء البارز من ثورة التكنولوجيا المالية والمعلوماتية، إذ إن هنالك جزءا آخر لا يحظى بانتباه كبير، يتمثل في شبكة مترابطة من تقنيات الدفع والائتمان والأوراق المالية التي تتجاوز قيمتها مئات تريليونات الدولارات، والجميع تقريبا يستخدم هذه الأسواق ويعتمد عليها، وهي الآن باتت جاهزة لتشهد تغييرات جذرية.
وبينما بات تداول الأوراق المالية والتحويلات المالية الأخرى يحدث على نحو فوري، فإن العديد من العمليات الأخرى لا تزال تسير بسرعة السلحفاة، في إطار منظومة تشريعية وعملياتية لم تتطور منذ عقود.
فالرهن العقاري على سبيل المثال لا يتم إلا بالمرور عبر عدد من المراحل والإجراءات، وقد يستغرق الأمر أياما أو أسابيع. ولكن من خلال الترميز فإن جزءا كبيرا من هذه العملية المرهقة والمعقدة يمكن اختصاره مع الحصول على بيانات أدق وحماية أقوى.
ويرى الكاتب أن النظام المالي الحالي يحتاج إلى العديد من التحسينات، وذلك بهدف توفير مليارات الدولارات التي تذهب سنويا في معاملات غير ضرورية، وكذلك لتوفير خيارات أكثر وأفضل للمستهلك.
ويضيف الكاتب أن ترميز العملات السيادية والأوراق المالية والقروض والعقارات وكل عمليات الدفع والائتمان هي فرصة تتاح مرة واحدة في العمر للمستثمرين والمسؤولين الأذكياء، كما تمثل في الوقت نفسه تهديدا وجوديا لمصالح من لا يتمتعون بالذكاء والاستشراف.
وبخصوص دور الحكومات وسط هذه التغييرات، يرى الكاتب أن الدور التعديلي يبقى ضروريا لأسواق المال من أجل ضمان الاستقرار والتشجيع على تشكل رأس المال، ومنع الأنشطة غير الشرعية، وحماية المستهلكين.
ريادة الدولار الأميركي لم تعد مضمونة في وجه التغيرات التكنولوجية الكبيرة.
ولكن هناك المزيد الذي يجب على الحكومة الأميركية القيام به، فعلى المجددين أن يحصلوا على ضمانات بأنهم عند التزامهم بالقيود والقوانين التي تفرضها الدولة ستتاح لهم الحرية الكاملة للبحث عن الفرص والمكاسب في السوق، فعلى الحكومة أن تبذل جهدا لتسهيل اعتماد التكنولوجيا في عمليات الدفع والتمويل بالدولار الأميركي، وهذا الأمر يرقى إلى كونه مسألة أمن قومي واستقرار مالي لواشنطن.
وتعدّ الولايات المتحدة أهم سوق للمال في العالم، وترتبط بها نظريا كل الأسواق الأخرى في جميع أنحاء العالم. وعند وجودها، فإن عملة رقمية صادرة عن البنك المركزي، أو ما يسمى "الدولار الرقمي"، هي فقط الشجرة التي تخفي الغابة، ومن ثم يجب على المشرعين الماليين، بالتنسيق مع القطاع الخاص، التركيز أيضا على الغابة.
ذلك أن ريادة الدولار واستقراره مسألة حيوية لنمو الاقتصاد العالمي وتحقيق الأمن القومي والاستقرار المالي في الولايات المتحدة، ولكن ريادة الدولار الأميركي لم تعد مضمونة في وجه التغيرات التكنولوجية الكبيرة.
والصين تنظر إلى هذه النقلة التكنولوجية على أنها فرصة لها، ليس فقط لتحقيق الفاعلية العملياتية لاقتصادها، بل أيضا لتوسيع نفوذ عملتها (اليوان) في مجالات الدفع والإقراض. وتشرف السلطات الصينية على تنفيذ عمليات الرقمنة والترميز، وهو ما يسمح لها بمزيد من الرقابة والسيطرة على أسواق المال.
لا يوجد أي شك في أن القيادة الصينية تخطط لتوسيع هذه الممارسات لتشمل التجارة الدولية، وذلك من أجل بسط نفوذها على اقتصاد العالم.
ولا يوجد أي شك في أن القيادة الصينية تخطط لتوسيع هذه الممارسات لتشمل التجارة الدولية، وذلك من أجل بسط نفوذها على اقتصاد العالم. ومن ثم يجب على الولايات المتحدة أن تفهم أن السباق من أجل عملة الاحتياط قد انطلق فعليا، ولا خيار أمامها إلا الفوز.
ويوضح الكاتب أن التوقيت بات عاملا مهما في هذا السباق، إذ يجب على الولايات المتحدة أن تفرض نفسها كطرف يحدد المعايير في أي نقلة تكنولوجية، وهو دور يحدد مرة واحدة، ومن ثم إما أن تحصل عليه أو تفقده إلى الأبد. وعند النجاح في وضع المعايير التي يعتمدها الجميع، فإنك تضمن فوائد اقتصادية ومالية كبيرة.
ويدعو الكاتب إلى التعاون بين القطاعين العام والخاص، للبحث عن طرق اعتماد الترميز في سوق الخزينة وعمليات التمويل في الولايات المتحدة، لتوفير خدمات جديدة مثل الإتمام الفوري لعمليات التداول والمقاصة والمعاملات.
كما يشير الكاتب إلى أن الولايات المتحدة ستستفيد كثيرا من تحديث المنظومة المالية القائمة حاليا، عوض انتظار ظهور منظومة جديدة، وهو ما سيجلب إليها استثمارات ورأس مال بشري كبير يبحث عن هذا التجديد.
وفي الختام دعا الكاتب إلى أن تسير الولايات المتحدة في طريق ترميز البنية التحتية المالية، وذلك لمواصلة الاضطلاع بالتزامها كضامن للحرية والعدالة في الأسواق، واستقرار المنظومة المالية العالمية، وتحقيق رفاه المستهلكين في كل الدول.