"مستر روبوت" معلم إلكتروني في غزة لمساعدة الطلبة على التركيز والتفاعل
غزة- لمس مدرس العلوم الهندسية حسن الرزي تطورا لدى طلبته في "مدرسة البسمة الحديثة" بغزة، من حيث التفاعل والتحصيل الدراسي، بعد ابتكاره "روبوتا" يشاركه التدريس، في مبادرة فريدة هي الأولى على مستوى المدارس الفلسطينية.
"مستر روبوت" هو الاسم الذي أطلقه الرزي واثنان من زملائه وشركائه في الفكرة على ابتكارهم الآلي التفاعلي، ولاقى صدى واسعا.
ويقول الرزي -للجزيرة نت- إنه يتطلع إلى تطويره وربطه بالذكاء الاصطناعي، ويأمل أن يأتي اليوم الذي يجد فيه الروبوت طريقه نحو المدارس الفلسطينية كافة، لتعميم الفائدة.
الفكرة
كان الهدف الأول للرزي ورفاقه من وراء ابتكار الروبوت هو تسهيل العملية التعليمية على طلبة المدرسة الحديثة التي تأسست في عام 2019، لتواجه بعد شهور قليلة من افتتاحها عدم استقرار في العملية التعليمية بسبب إجراءات الطوارئ بفعل جائحة كورونا.
وقال الرزي (26 عاما)، إن الروبوت هو "ابتكار حديث وطريقة غير معهودة في المدارس الفلسطينية، وكان وجوده في الحصص الدراسية منذ اللحظة الأولى مصدر سعادة للطلبة، وحقق الهدف المرجو منه".
وتعرض طلبة قطاع غزة خلال العامين الماضيين لصدمات نفسية، ناجمة عن ظروف طارئة متعلقة بالواقع الصحي وإغلاق المدارس وعدم انتظار المسيرة التعليمية سواء بسبب جائحة كورونا، أو بفعل الحرب الإسرائيلية الأخيرة في مايو/أيار الماضي، وبحسب الرزي فإن هذا الواقع المؤلم أدى إلى ترك بعض الطلبة لمقاعد الدراسة، وتراجع مستوى التحصيل الدراسي لشريحة من الطلبة.
هذا الواقع المؤلم كان دافعا للرزي ورفاقه للبحث عن وسيلة إبداعية لمساعدة الطلبة على استعادة قدراتهم التعليمية، واستئناف نشاطهم وتفاعلهم والتخلص من الآثار النفسية السلبية، التي ظهرت عليهم إثر العودة لمقاعد الدراسة بعد شهور من الانقطاع الطويل والمتكرر والاعتماد على نظام التعليم عن بعد عبر الإنترنت.
نجاح رغم المعوقات
لم تكن مهمة صناعة الروبوت سهلة، وتخللتها صعوبات ومعوقات عدة، بسبب شح كثير من المواد والقطع الإلكترونية في غزة، جراء القيود التي تفرضها إسرائيل وتمنع بموجبها أصنافا كثيرة من السلع والبضائع من دخول غزة.
وبالاعتماد على منهجية "الصواب والخطأ"، وبتكرار التجارب، وصل الرزي وشركاؤه إلى هذا النموذج من الروبوت، الذي يتم التحكم به بواسطة "ريموت كونترول"، وتغذيته بالبيانات والمعلومات، التي يتفاعل بها مع الطلبة باللغة العربية الفصحى، ويقول الرزي "إن تغذية الروبوت ببيانات نصية ومعلومات ينطقها باللغة العربية الفصحى تهدف إلى تعزيز لغتنا الجميلة في نفوس الطلبة، وهو أمر مهم، إلى جانب أهمية تنمية قدراتهم العلمية".
واستغرقت عملية صناعة الروبوت نحو شهرين، اضطر مبتكروه إلى استخدام بدائل كثيرة وتجربتها، لتخطي عقبة عدم توفر الكثير من المستلزمات الإلكترونية، فضلا عن عدم توفر مرجعيات علمية في هذا المجال في غزة.
ورغم أن الطريق كان شاقا، فإن التجربة كانت "ممتعة ومثمرة" بحسب وصف الرزي، الذي يتطلع وشركاؤه إلى تطوير الروبوت، وتزويده بآلية الذكاء الاصطناعي، ليكون أكثر قدرة على الرد تلقائيا من دون الحاجة إلى إدخال بيانات نصية وصوتية مسبقا.
منهجية إبداعية
ويقر عبد الرحمن عوض، أحد مبتكري الروبوت واستشاري منهجية (STEM) في المدرسة، وهي منهجية تقوم على دمج التكنولوجيا في العملية التعليمية، بأن حلم تطوير الروبوت ليس سهلا، ويتطلب احتياجات كثيرة سواء مادية أو معرفية، لا تتوفر في غزة المحاصرة.
عوض (26 عاما) يحمل شهادة هندسة الميكاترونيك، ويقول -للجزيرة نت- إن المدرسة لم تكتف بالمنهاج الوزاري فقط، وإنما أضافت 4 مواد أخرى من إعداد مدرسيها تضمن علوم الحاسوب والبرمجيات و"علمني كيف أفكر" والعلوم الهندسية، واعتمدت التدريس بطريقة إبداعية، عن طريق دمج العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات في نظام التعليم، الأمر الذي كان أحد دوافع العمل على ابتكار الروبوت، لكي يكون مساندا للعملية التعليمية، خصوصا في مادة العلوم الهندسية، التي تعتمد على تحفيز الطلبة، وتشجيعهم على التفكير الإبداعي.
ولم يمر شهر على ابتكار الروبوت، الذي أصبح شريكا أساسيا للمدرسين، ويشاركهم إجراء محادثات مع الطلبة في الصفوف من الأول وحتى الرابع، ويتم نقله من فصل إلى آخر، وفقا لعوض، الذي يأمل في صناعة نماذج كثيرة وأكثر تطورا في المستقبل القريب.
وبفضل هذا الابتكار أصبحت المدرسة بحسب وصف عوض "قبلة ومزارا" للصحفيين والمهتمين، وحتى الطلبة أصبحوا أكثر انتباها وتفاعلا مع المدرس.
تفاعل وانضباط
وكانت الطفلة لمار جرادة (9 أعوام) من بين الطلبة الذين ظهرت عليهم إيجابيات إشراك الروبوت في الحصة الدراسية، من حيث زيادة تفاعلهم مع الدرس، وقالت -للجزيرة نت- "كثير سعيدة بمستر روبوت، إنه يتحدث اللغة العربية بشكل جميل وكأنه إنسان حقيقي".
وقاطع الروبوت حديث لمار، قائلاً: "أحسنت"، ليرسم الابتسامة على وجوه الطلبة، ويثير تصفيقهم الحار. وقالت أسيل الهبيل زميلة لمار في الصف الرابع: "تعجبني طريقة نطقه للكلمات، وتفاعله معنا في الصف".
وأضافت أنها أصبحت أكثر حرصا على مراجعة دروسها، والاستعداد جيدا في المنزل، كي تكون قادرة على التفاعل في الحصة الدراسية بالمدرسة، وتتلقى التهنئة والتشجيع من "مستر روبوت"، برده على المتفاعلين مع المدرس: "أحسنت.. إجابة صحيحة".