أردوغان يفتح تحقيقا في احتمالات تلاعب بالليرة.. ما تداعيات هذا القرار؟

قال أردوغان الاثنين الماضي إنه لن يؤيد مطلقا رفع أسعار الفائدة، وإنه لن يتراجع أبدا عن ذلك.

المفوضية الأوروبية رفعت سقف توقعاتها لنمو الاقتصاد التركي عام 2021 من 5.2% إلى 9% (شترستوك)

أنقرة– بعدما هبطت الليرة التركية بشدة إلى مستويات قياسية منخفضة أمام الدولار في الأسبوع الماضي، أمر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بفتح تحقيق في تلاعب محتمل بالعملة، فما تداعيات هذه الخطوة على تركيا وعملتها الوطنية؟

وذكرت وكالة الأناضول أن أردوغان كلف مجلس الرقابة الحكومي، وهو جهاز تدقيق يرفع تقاريره إلى الرئاسة، بتحديد المؤسسات التي اشترت كميات كبيرة من العملات الأجنبية وتحديد ما إذا كان قد حدث أي تلاعب.

وكانت الليرة التركية قد تراجعت إلى مستويات قياسية منخفضة، الأسبوع الماضي، بعد أن تعهد أردوغان بالالتزام بسياسة خفض أسعار الفائدة.

في حين فقدت العملة التركية نحو 45% من قيمتها هذا العام، وسجلت نحو نصف تلك الخسائر في الأسبوعين الماضيين.

في السياق ذاته، نوّه الرئيس التركي، الجمعة 26 نوفمبر/تشرين الثاني، بأن هدف حكومته هو الوقوف مع مستقبل المواطنين الأتراك وعملهم ولقمة عيشهم، قائلا إن "قيمة الفوائد ستنخفض، لن ندع الفوائد تسحق شعبنا ومزارعينا".

كما لفت أردوغان، في كلمة ألقاها بحفل افتتاح 96 مشروعا في ولاية إزمير (غربي البلاد)، إلى أن بلاده أقدمت على "خطوات قطعت الطريق أمام المكايد التي كانت تُنصب للدول النامية، بزيادة التضخم عن طريق رفع الفائدة".

والاثنين الماضي قال أردوغان إنه لن يؤيد مطلقا رفع أسعار الفائدة، وإنه "لن يتراجع أبدا عن ذلك".

 

سد الثغرات

وفي السياق، ذكر الباحث المتخصص بالاقتصاد التركي الدكتور أحمد مصبح أن خطوة أردوغان بالتحقيق هي محاولة منه لسد الثغرات الموجودة في ما يتعلق بسهولة عملية بيع الليرة، الأمر الذي يمكن به التصدي لمثل هذه الهجمات في المستقبل.

وقال مصبح للجزيرة نت "يمكن بهذا التحقيق الوقوف بصورة دقيقة على مصدر وأهداف هذه العمليات البيعية لليرة خاصة أنها تتم في وقت واحد وضمن حملة ممنهجة، ومن ثم مصارحة الشعب في هذا الموضوع، لا سيما في ظل اشتعال وتيرة الحرب الاقتصادية على تركيا".

ويتوقع الباحث الاقتصادي انعكاس التحقيق إيجابا على الليرة لكن بشكل محدود من خلال الإجراءات الوقائية الممكن اتخاذها في هذا السياق، وحسب نتائج التحقيق.

وقد انخفضت الليرة إلى 13.45 مقابل الدولار، بما يعادل 15%، في عمليات بيع تاريخية يوم الثلاثاء 23 نوفمبر/تشرين الثاني، قبل أن تنتعش لاحقا بعض الشيء.

بدوره، ذكر أستاذ الاقتصاد والتمويل في جامعة "أرتوكلو" متين إيرول، للجزيرة نت، أن المضاربات وسحب الليرة إلى ملعب السياسة، قبل الاستحقاقات الانتخابية، هي السبب المباشر في قرار أردوغان بفتح تحقيق، خاصة بعد تراجع سعر الصرف والاشتغال على مخاوف الأسواق بعد تخفيض سعر الفائدة والتوقعات باستمرار التخفيض.

 لوبي الفائدة

ورجّح أيرول ألا تقتصر المضاربة على من وصفهم بالأدوات المحلية، بل ثمة مضاربة وانسحابات لأموال خارجية أيضا، بهدف منع تركيا من الاستقلال بقرارها الاقتصادي وإبقائها مرهونة للوبي الفائدة المرتفعة والدول الكبرى.

وأضاف "المضاربون سيتكبّدون خسائر في حال أثبت التحقيق علاقتهم بتدهور الليرة، كما أن الليرة ستنتعش وستستقر بعد استيعاب السوق صدمات تخفيض سعر الفائدة، وستظهر النتائج الاقتصادية والمؤشرات المرتفعة، خاصة في قطاعي الإنتاج والصادرات".

في حين ذكر الخبير الاقتصادي عبد الحافظ الصاوي للجزيرة نت أن خطوة التحقيق في تلاعب محتمل جاءت بسبب حصول مضاربات عنيفة على سعر الصرف، فقد كان هناك مستفيدون أتراك وأجانب من عملية المضاربات.

ويعتقد الصاوي بوجود فئة وظّفت المضاربة سياسيا في إحراج أردوغان وحزب العدالة والتنمية الحاكم من أجل إظهارهم فاشلين في إدارة الملف الاقتصادي، فالأمر استلزم الإقدام على خطوة التحقيق بحيث تمارس الرقابة على الحسابات التي تتضخم داخل الجهاز المصرفي، وكذلك العمليات غير الرسمية في شركات الصرافة أو العمليات الكبيرة في بورصة النقود.

ولفت إلى أنه من شأن إنجاز مجلس الرقابة القائم على التحقيق لمهمته في مدة قصيرة أن يؤدي إلى تحسن جيد في الليرة، لكن إذا لم ينتج عن التحقيق وجود متلاعبين فلن يكون لخطوة التحقيق تأثير على العملة التي تحتاج إلى حزمة من الإجراءات وليس إلى إجراء واحد.

حرب الاستقلال الاقتصادي

كان أردوغان قد أكد الاثنين 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 أن بلاده ستخرج منتصرة من حرب "الاستقلال الاقتصادي" التي تخوضها في المرحلة الحالية، موضحا أنه لن يسمح بزيادات مفرطة في الأسعار.

أردوغان شدد قائلا، في خطاب ألقاه عقب اجتماع للحكومة التركية بالمجمع الرئاسي في العاصمة أنقرة، "لن نسمح للانتهازيين الذين يرفعون أسعار السلع بشكل مفرط بذريعة ارتفاع سعر الصرف، وسنواصل الكفاح ضد هؤلاء"، منوّها إلى أن هناك مناورات تُحاك بشأن سعر الصرف وأسعار الفائدة.

من جهته، أرجع رئيس فرع حزب "العدالة والتنمية" في إسطنبول، عثمان نوري كاباك تبه، تراجع سعر صرف الليرة، رغم وجود مؤشرات على نمو الاقتصاد التركي بمعدل كبير وتراجع معدل البطالة وزيادة الصادرات، إلى مضاربات الدوائر المالية العالمية ضد تركيا وتداعيات جائحة كورونا على العالم بأسره.

تجدر الإشارة إلى أن المفوضية الأوروبية رفعت سقف توقعاتها لنمو الاقتصاد التركي عام 2021 من 5.2% إلى 9%.

جاء ذلك في تقرير نشرته المفوضية، قبل أسبوع، عن توقعات النمو الاقتصادي الأوروبي لخريف 2021.

كما كشفت بيانات رسمية صادرة عن هيئة الإحصاء التركية عن تراجع نسبة البطالة 0.4 نقطة في الربع الثالث من العام الجاري، وذلك مقارنة بالربع الثاني من العام نفسه.

وأظهرت بيانات حديثة أن الاقتصاد التركي  حقق نموا بنسبة 7.4% في الربع الثالث من العام الجاري، مقارنة بالفترة نفسها من 2020.

قطاع مصرفي يواجه تقلبات السوق

من جهته، أكد محافظ البنك المركزي التركي، شهاب قوجه أوغلو، أن القطاع المصرفي قادر على التغلب على تقلبات السوق، وأعلن أنه ناقش التخفيضات الأخيرة في أسعار الفائدة مع ممثلين عن البنوك في اجتماع بعد انخفاض الليرة التركية إلى مستويات قياسية.

وبعد اجتماع مع مصرفيين كبار وممثلين عن هيئة التنظيم والرقابة المصرفية، قال المحافظ إن المشاركين أجروا تقييمات عامة للتطورات الاقتصادية، وأشار إلى أن القطاع المصرفي "قوي للغاية".

وقالت جمعية البنوك التركية، في بيان، إن الاجتماع ناقش التطورات العالمية والمحلية والأسواق وتطورات القطاع المصرفي، ووصف الاجتماع بأنه "كان مفيدا للغاية".

وذكر ممثلو هيئة التنظيم والرقابة المصرفية في الاجتماع أن الهيئة ستدرس اتخاذ تدابير، مثل تحديد نسبة كفاية رأس المال في البلاد وفقا للاحتياجات القطاعية، والبقاء على توافق مع المعايير الدولية.

وأظهرت بيانات المركزي التركي قدرة تحمل المصارف التجارية التركية للصدمات، كاشفة أنّ البنوك التجارية في البلاد في وضع صحي جيد ولديها سيولة كافية لمقاومة أزمة الليرة. وحسب محللين، فإنّ هذا العامل خفف الضغوط على أردوغان.

المصدر : الجزيرة