بعد جفاف السدود.. العجز المائي يطارد القطاعات الاقتصادية بالأردن

مخزون المياه الحي في السدود الأردنية بات يشكل أقل من 5%، والمياه المتوفرة تكفي لمليوني شخص في بلد يضم أكثر من 11 مليون إنسان

مزروعات جفت على جانبي سد الوالة. الجزيرة . من جولة سابقة على سد الوالة
جفاف السدود الأردنية أهلك مئات الدونمات من المحاصيل الزراعية ومئات الأطنان من الثروة السمكية (الجزيرة)

السلط- على أبواب مصنع لإنتاج مواد التنظيف والمعقمات في مدينة السلط غربي العاصمة الأردنية عمّان يدخل صهريج محمل بالمياه لتفريغ حمولته في خزانات المعمل، بعدما انقطعت المياه المزودة للمصنع من قبل سلطة المياه.

انقطاع رافق المصنع منذ 8 أشهر، حتى باتت فاتورة المياه تشكل عبئا إضافيا على فاتورة مستلزمات الإنتاج، فشح المياه الحكومية، أدى إلى ارتفاع أسعار صهاريج المياه المعبأة من الآبار الجوفية ذات الملكيات الخاصة، وفق صناعيين.

ويتجادل مدير مصنع المنظفات سالم العبادي (45 عاما) مع سائق الصهريج على أسعار المياه، "فقد زادت فاتورة المياه لعدة أضعاف بسبب رفع أثمان المياه"، يقول العبادي للجزيرة نت.

ويضيف "كنا نستهلك شهريا نحو 500 دينار (700 دولار) مياه، لكن مع تناقص كميات المياه المزودة من السلطة، بتنا نعتمد على الصهاريج، مما ضاعف فاتورة المياه إلى 1.5 ألف دينار (2.1 ألف دولار) شهريا، وللأسف لا حلول لهذه المشكلة".

ويوما بعد يوم تتعمق أزمة الأردن المائية وتتعرض سدود المملكة للجفاف واحدا تلو الآخر، حتى وصل الجفاف لـ11 سدا من أصل 14 قائمة بالمملكة، مدفوعة بتأخر هطول الأمطار وتراجع كمياتها خلال العام الماضي، وبات شبح الجفاف يطارد القطاعات الاقتصادية خاصة الزراعية والصناعية منها.

جفاف السدود

القطاع الصناعي قد يكون أفضل حالا من القطاع الزراعي المعتمد على مياه السدود في ري المزروعات، إلا أن جفاف السدود أهلك مئات الدونمات من المحاصيل الزراعية ومئات الأطنان من الثروة السمكية، وحال دون تمكن المزارعين في مناطق الأغوار الوسطى ووادي الموجب والوالة من زراعة أراضيهم، وفق مزارعين ومستثمرين.

فبعدما حرث المزارع خالد الجعارات (43 عاما) أرضه استعدادا لزراعة الموسم الشتوي، توقف عن الزراعة بسبب شح المياه.

يقول للجزيرة نت "تكبدت خسائر بأكثر من 10 آلاف دينار (14 ألف دولار) خلال الموسم الصيفي بسبب شح المياه، وللأسف الموسم الشتوي لا يبشر بخير، لذلك سأضطر لترك الأرض والبحث عن عمل آخر".

ووفق خبراء، فإن مخزون المياه الحي في السدود الأردنية بات يشكل أقل من 5%، والمياه المتوفرة تكفي لمليوني شخص في بلد يضم أكثر من 11 مليون إنسان، وهناك تخوفات من جفاف ثاني أكبر السدود الأردنية -سد الملك طلال- بعد جفاف 11 سدا كان آخرها سد وادي الموجب الذي يحتوي على 30 مليون متر مكعب من مياه الأمطار.

القادم أصعب

مشكلة شح المياه في الأردن قديمة جديدة، يدخل في أسبابها حالة التغير المناخي وما يرافقها من تراجع لهطول الأمطار وارتفاع لنسب التبخر، وزيادة عدد السكان، وارتفاع الطلب على المياه وغيرها، في بلد يعتبر ثاني أفقر بلدان العالم بالمياه، وتصل حصة الفرد السنوية من المياه 100 متر مكعب، وهي أقل بكثير من حصة الفرد عالميا والبالغة 500 متر مكعب.

ومما يفاقم مشكلة شح المياه بالأردن، الاعتداء المتكرر على شبكات المياه بالسرقة، والتي تستنزف أكثر من 12 مليون متر مكعب سنويا من كميات المياه التي يتم ضخها عبر الشبكات، وفق مصادر رسمية، إضافة إلى مشكلة الفاقد بسبب اهتراء شبكات المياه، تصل ما نسبته 45% وفي بعض المحافظات 75%.

يضاف إلى ذلك نقص الكميات التي تزود إسرائيل الأردن بها من مياه نهري اليرموك والأردن بحسب اتفاقية السلام الأردنية الإسرائيلية، وتراجع كميات المياه في نهر الأردن، وفق خبراء ومختصين.

مجلس الوزراء الأردني سمح للمزارعين بحفر الآبار الجوفية في منطقة وادي الأردن الممتدة على طول مناطق الأغوار الزراعية (الجزيرة)

الحلول

رسميا، تحمّل وزارة المياه والري مشكلة التغير المناخي العالمي السبب الرئيسي في جفاف السدود وشح المياه بالمملكة، وأثر ذلك على تراجع هطول الأمطار، فضلا عن زيادة عدد السكان وارتفاع الطلب على المياه، وأدى كل ذلك لاستنزاف للمياه الجوفية بنسبة زادت على الـ200%، إضافة لتراجع مخزون المياه السطحية بنحو 20 مترا سنويا من الأحواض المائية.

ويتحدث الناطق الإعلامي لوزارة المياه عمر سلامة عن جملة من الحلول الآنية والمتوسطة والبعيدة المدى ضمن خطة الوزارة الإستراتيجية لإدارة ملف المياه بالمملكة.

أبرز تلك الحلول الآنية -وفق حديث سلامة للجزيرة نت- يتمثل بحفر آبار جديدة لاستخراج المياه الجوفية، وزيادة أعماق آبار قائمة حاليا، وتحلية مياه آبار مالحة في مناطق الأغوار للزراعة والشرب، ومعالجة الفاقد من خلال تغيير الشبكات، ومعالجة الاعتداءات على شبكات المياه.

وخلال الشهرين الأخيرين -الماضي والجاري- تمكنت الوزارة من توفير 1.5 مليون متر مكعب من خلال ضبط الاعتداءات على الشبكات في محافظات المملكة، إضافة لتوفير نحو 200 مليون متر مكعب من مياه الصرف الصحي المعالجة تستخدم على نطاق ضيق في الزراعة.

أما بعيد المدى، فيتضمن خطة وزارة المياه الإستراتيجية لتنفيذ مشروع الناقل الوطني لتحلية مياه البحر الأحمر، عبر إقامة محطات تحلية على خليج العقبة جنوب الأردن لإنتاج 300 مليون متر مكعب، وضخها للعاصمة عمّان ومحافظات المملكة، في حل مستدام لأزمة الأردن المائية، وتتوقع الوزارة أن تصل أولى كميات المياه المحلاة بعد 5 أعوام.

ووقّعت وزارة المياه اتفاقية مع الحكومة الإسرائيلية لشراء كميات إضافية -50 مليون متر مكعب- تضاف لما تشتريه المملكة من إسرائيل بحسب اتفاقية السلام بين البلدين -50 مترا مكعبا- ليصل مجموع الكميات المتفق على شرائها 100 متر مكعب لإنقاذ الوضع المائي في المملكة.

11 سدا جافا

تعتمد السدود الأردنية وتغذية المياه الجوفية بشكل كامل على مياه الأمطار، وخلال العقدين الماضيين مرت الأردن بحالات مماثلة من الجفاف وشح الأمطار، لكنها لم تصل لحد جفاف السدود، وفق مختصين.

وزير المياه الأسبق الخبير بالقطاع المائي حازم الناصر قال للجزيرة نت إن "معظم سدود المملكة جافة، لدينا 14 سدا منها 11 سدا جافا، و3 سدود بها مخزون يقل عن 5%".

ويرى الناصر أن موضوع المياه "ليس على رأس أولويات الحكومة الحالية، ولم يكن من أولويات الحكومة السابقة (حكومة عمر الرزاز)، مما أوصلنا إلى أن مخزون المياه الحي في السدود الأردنية الثلاثة نحو 20 مليون متر مكعب".

ويحذر الناصر من خطورة جفاف سد الملك طلال ثاني أكبر السدود بالمملكة، لأن جفافه يعني كارثة زراعية ستدمر سلة الخضار الأردنية في مناطق الأغوار المعتمدة وبنسبة 75% على مياه السد، سواء الأشجار المثمرة أو المزروعات الحقلية أو النخيل أو مزارع الثروة السمكية هناك.

وكان مجلس الوزراء الأردني وأمام حالة جفاف السدود وشح المياه، سمح للمزارعين بحفر الآبار الجوفية في منطقة وادي الأردن الممتدة على طول مناطق الأغوار الزراعية، وذلك لحماية المزروعات من الجفاف.

المصدر : الجزيرة