ضرائب على صناع المحتوى الرقمي بمصر.. كيف تطبقها الدولة بعدالة؟

جدل في مصر بعد فرض ضرائب على صناع المحتوي من اليوتيوبرز والبلوغرز
جدل واسع في مصر بعد فرض ضرائب على صناع المحتوى من اليوتيوبرز والبلوغرز (غيتي)

القاهرةـ قطعت مصلحة الضرائب المصرية مؤخرا الجدل المثار حول كيفية المعالجة الضريبية لضريبة صناع المحتوى بتحديد الشرائح الخاضعة للضريبة والأخرى المعفاة.

وجاءت الشرائح الضريبية التي أعلنتها مصلحة الضرائب على صافي الدخل السنوي (الإيرادات ـ المصروفات) لمن يقوم بممارسة نشاط التجارة الإلكترونية، أو صُناع المحتوى (البلوغرز – اليوتيوبرز)، من ألف إلى 15 ألف جنيه سنويا معفى تماما "أقل من ألف دولار"، وتتصاعد حتى تصل لربع الربح لمن يزيد دخله على 400 ألف جنيه (نحو 26 ألف دولار) سنويا.

وأكدت المصلحة أن هذه الضرائب تُحسب وفقا لنسبة الضريبة التصاعدية الواردة بقانون ضريبة الدخل 91 لسنة 2005 وتعديلاته.

وكان مدونون وصناع محتوى قد أبدوا اعتراضا على غموض الضريبة، مبدين دهشتهم من القرار "المفاجئ" الذي بدا لهم غير مدروس، وصدر قبل أيام، إذ توجه بعضهم فور الإعلان عن القرار إلى مصلحة الضرائب التابعين لها، غير أنهم لم يتلقوا ردا شافيا.

وإزاء الحيرة التي انتابت صناع محتوى ومدونين، بثت مصلحة الضرائب فيديو على قناتها على يوتيوب وصفحتها الرسمية على تويتر وفيسبوك تشرح فيه المطلوب من صناع المحتوى والمدونين.

وبحسب كبير الباحثين ـفي المكتب الفني لرئيس المصلحةـ طلعت عبدالسلام، فإن المدونين وصناع المحتوى باتوا خاضعين للقواعد المنظمة لضرائب التجارة الإلكترونية، وهي تنقسم لنوعين من الضرائب، ضريبة الدخل وضريبة القيمة المضافة.

وشرح عبدالسلام في الفيديو الذي  بثته المصلحة طرق تسوية المدونين وصناع المحتوى لأوضاعهم، موضحا أن الضرائب ستوقع على الربح فقط، لا على مجمل الدخل.

وتحدث صناع محتوى في فيديوهات بثوها على قنواتهم عن "مبالغة هائلة" لدى المصلحة في تقدير دخول اليوتيوبرز، مؤكدين أن عددا محدودا هو من يزيد دخله على نصف مليون جنيه سنويا.

وأعرب هؤلاء عن الخشية من مثل هذه التقديرات "الجزافية" ـوهي طريقة معمول بها عرفا بين المصلحة وأصحاب الأنشطةـ مؤكدين أن المشكلة فيها هي صعوبة إثبات المدخولات، للتفاوت الشديد في تقدير يوتيوب لعوائد المحتوى وفقا لعوامل عدة، منها مدة المشاهدة وبلد المشاهدة.

مشاهدات ودولارات

وفي مداخلة بإحدى الفضائيات لمالكي قناة حمدي ووفاء على يوتيوب، أوضح حمدي جابر للإعلامي عمرو أديب، أن حساب دخول يوتيوب مسألة معقدة ولا يمكن تقديرها بسهولة، وهي مسألة يحسبها يوتيوب دون توضيح ولا مراجعة مع أصحاب القنوات.

وتداول مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي تقديرات تصل لنحو 4.4 ملايين دولار سنويا دخلا لقناة حمدي ووفاء، باعتبارها ثالث قنوات اليوتيوب المصرية ربحا، بينما تحتل قناة محمود الجمل صدارة الأرباح من اليوتيوب بمبلغ يصل لـ9.6 ملايين دولار سنويا، فيما تأتي قناة ندى وأحمد ثانية بـ9 ملايين دولار، بحسب مغردين.

ويرجح صحة مثل هذه التقديرات نمط المعيشة الفاخر الذي تحول إليه هؤلاء المدونون عقب انتشار فيديوهاتهم الاجتماعية التي تتناول تفاصيل حياتهم اليومية، باقتناء مساكن جديدة شبيهة بقصور ملحق بها حمامات سباحة وحدائق واسعة، كما يظهر في الفيديوهات، فضلا عن سيارات حديثة فارهة.

وينفي حمدي صحة هذه الأرقام في مداخلته السابقة، مؤكدا أنها مُبالغ فيها جدا، ويكشف عن مفاجأة تتعلق بأن قناته تديرها شركة خاصة تحاسب يوتيوب وتعطيه مبالغ محددة مقابل المحتوى الذي يقدمه.

والاعتماد على حساب عدد مشتركي القناة، أمر أيضا مربك، بحسب صناع محتوى، إذ تتفاوت جاذبية كل فيديو على حدة لمشتركي نفس القناة، فيحظى أحد الفيديوهات بقناةٍ مشتركوها بضعة آلاف بمشاهدات مليونية، أو يحظى فيديو بمشاهدات ببضعة آلاف على قناةٍ مشتركوها بالملايين.

وتطمئن مصلحة الضرائب صناع المحتوى والمدونين بأنه سيتم حسابهم بدقة، بعد إنشاء وحدة للتجارة الإلكترونية لمتابعة الصفحات والقنوات على الإنترنت، كما وقع مسؤولوها بروتوكول تعاون مع وزارة الاتصالات لتسهيل ملاحقة المدونين وصناع المحتوى في العالم الافتراضي، وتواصلت المصلحة مع منصات المحتوى العالمية للغرض ذاته.

ومن أمام فرع الضرائب بمدينة 6 أكتوبر (غرب القاهرة)، بث اليوتيوبر محمد عاصم فيديو قال فيه إنه جاء لتوفيق أوضاعه مع الضرائب، غير أنه فوجئ بأن الموظف لا يدرك بعد ما هو مطلوب، رغم الاستقبال الجيد له.

وقال عاصم إنه فهم من المقابلة أن صانع المحتوى عليه الحصول على ما يثبت ممارسة النشاط، وهو في هذه الحالة سجل تجاري، وموافقة أمنية، ومقر لممارسة النشاط، ثم يثبت نفقاته ومصروفاته، لحساب صافي الربح.

وتابع عاصم "لا أدري كيف سأطلب هذه المتطلبات من تلك الجهات وبأي صفة؟ نحن ندخل عملة صعبة للدولة، ورغم ذلك لا أحملها أي عبء باستغلال جزء من الأرض مثلا".

وحينما سأل عن موقفه لو بث من خارج مصر، فقيل له إنه سيكون مطلوبا للضرائب على أي حال!

وطالب اليوتيوبر بآلية موحدة ومحددة للمحاسبة، تراعي طبيعة المواد المقدمة، وأن كل فيديو له طريقة حساب مختلفة من حيث كونه منتجا أصيلا أو يشمل حقوقا لآخرين، وعدد المشاهدين للفيديو، ومدة مشاهدة الإعلان.

ومن المطلوب، حسب صناع محتوى ومدونين، أن تتواصل الضرائب مع غوغل مباشرة للوقوف على المبالغ المحولة بالفعل ويمكنها ساعتها أن تحصلها من المنبع دون الحاجة لإقرارات صناع المحتوى والمدونين، وألا تعتمد المصلحة على التقديرات.

وتباينت ردود فعل رواد التواصل الاجتماعي تجاه فرض ضرائب على صناع المحتوى والمدونين، بين من اعتبرها ضرورة لتحصيل حق البلاد ممن "يتربحون من الهواء بكلام فارغ بتعبير بعضهم"، وبين من اعتبرها نوعا من الجباية غير المستحقة للدولة لأنها لا تقدم لهم خدمات في المقابل.

جدوى قليلة

ويبدأ تطبيق الضريبة من بداية العام الجاري، ويعاقب القانون المتهرب بالحبس مدة تتراوح من 3 إلى 5 سنوات، ورأى الخبير الاقتصادي عبدالنبي عبدالمطلب أن الوقت غير مناسب على الإطلاق لفرض أى نوع جديد من الضرائب حاليا، ووصفه بـ"الخطر"، بسبب جائحة كورونا، التي أفقدت العديدين وظائفهم ومصادر أرزاقهم.

وقال عبدالمطلب للجزيرة نت "نحن نحتاج العكس، نحتاج تشجيع أصحاب المحتوى الهادف على الإنترنت، عبر تشجيع أساتذة الجامعات وأساتذة المدارس لتقديم دروس عبر الإنترنت فى ظل القلق من انتظام الدراسة فى المدارس والجامعات بسبب كورونا، ومجرد الحديث عن فرض مثل هذه الضرائب سيخيف هؤلاء عن تقديم أى دروس أو محاضرات عبر الإنترنت".

وبدلا من تحصيل ضرائب، طالب المتحدث أن تقوم الدولة بتوزيع مساعدات للناس وليس جباية ضرائب جديدة منهم، مشيرا إلى أن صندوق النقد الدولي نفسه، بما هو معروف عنه من تشدد، قرر توزيع أموال على الدول الأعضاء.

وأكد الخبير الاقتصادي صعوبة إيجاد آلية لحساب أرباح اليوتيوبر، ولا سيما فيما يتعلق بالنفقات، فضلا عن أن العائد المتوقع للمصلحة لن يكون بالقيمة التى تستحق أن تخصص لها مصلحة الضرائب فريقا متخصصا.

المصدر : الجزيرة