فيسبوك في تدهور بطيء وهو أضعف مما كنا نظن

إحدى الطرق الممكنة لقراءة "ملفات فيسبوك" (Facebook Files)، وهي سلسلة ممتازة من التقارير الصادرة عن صحيفة "وول ستريت جورنال" (The Wall Street Journal) استنادًا إلى بحث داخلي مسرب من شركة فيسبوك، هي قراءتها باعتبارها رواية تدور حول قوة ما عارمة، لا يمكن وقفها، وهي تسحق المجتمع أثناء توجهها إلى المصرف.
حيث كشفت السلسلة عن أدلة دامغة على أن فيسبوك لديه نظام عدالة يكيل بمكيالين، وأنه يعلم أن "إنستغرام" (Instagram) كان يفاقم من مشكلات الفتيات المتعلقة بنظرتهن لأجسادهن، وأن لديه مشكلة معلومات مضللة كذلك عن اللقاحات أكبر مما سمح به، من بين مشكلات أخرى. وقد يكون من السهولة بمكان فهم أن فيسبوك يتمتع بقوة مرعبة، ولا يمكن السيطرة عليه إلا بتدخل حكومي صارم.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsشركات ناشئة تتيح للزبائن “اشتراكات” السيارات بدلا من شرائها
شركات ناشئة تتبنى تطبيقات لتعليم أطفالك التصرفات المالية
حكومات وشركات عملاقة تتسابق لتمويل شركات ناشئة حول العالم
ولكن هناك طريقة أخرى لقراءة هذه السلسلة، وهو التأويل الذي كان يتردد صداه داخل رأسي مع نشر كل تقرير جديد.
وهو أن فيسبوك في أزمة!
ليست أزمة مالية، ولا أزمة قانونية، ولا حتى أزمة صراخ أعضاء مجلس الشيوخ في وجه مارك زوكربيرغ. إن ما أتحدث عنه هو نوع من التدهور البطيء والمستمر الذي يمكن لأي شخص رأى عن قرب شركة تحتضر أن يتعرف عليه. إنها سحابة من الفزع الوجودي الذي يخيم على منظمة قد ولت أفضل أيامها بالفعل، وهو ما يؤثر على كل أولوية إدارية لها وعلى كل قرار إنتاجي ويقود إلى محاولات تزداد يأسًا لإيجاد مخرج. هذا النوع من التدهور ليس بالضرورة بالإمكان رؤيته من الخارج، لكن المطلعين يرون منه 100 علامة صغيرة ومقلقة كل يوم. مثل حيل النمو المعادية للمستخدم، والتغييرات المحمومة، وجنون الارتياب على المستوى التنفيذي، والاستنزاف التدريجي للموظفين الموهوبين.
لقد أصبح من المألوف بين منتقدي فيسبوك التأكيد على حجم الشركة وهيمنتها في الوقت الذي يهاجمون فيه أخطاءها. ففي جلسة استماع لمجلس الشيوخ يوم الخميس الماضي، استجوب المشرعون أنتيجون ديفيس، رئيس قطاع السلامة العالمي في فيسبوك، بأسئلة حول التصميم الذي يسبب الإدمان للمنتج وتأثيره على المليارات من المستخدمين. كانت العديد من الأسئلة الموجهة إلى ديفيس عدائية، ولكن مثل معظم جلسات الاستماع لشركات التقنية الكبرى، كان هناك نوع غريب من الاحترام في الأجواء، إذ بدا أعضاء المجلس كما لو كانوا يسألون: أيها الوحش غودزيلا، هلا توقفت من فضلك عن دهس طوكيو؟
ولكن إذا أثبتت هذه الوثائق المسربة أي شيء، فهو شعور فيسبوك عن نفسه بأنه ليس غودزيلا، حيث تكشف الوثائق التي تمت مشاركتها مع الوول ستريت جورنال بواسطة فرانسيس هوغن، وهي مديرة منتجات سابقة في الشركة، عن أن فيسبوك قلقة من فقدانها القوة والتأثير، لا اكتسابهما، إذ يثبت بحث الشركة أن العديد من منتجاتها لا تنمو بشكل تلقائي. لكن بدلا من ذلك، تبذل الشركة مجهودات جبارة بشكل متزايد للعمل على تحسين صورتها، ولمنع المستخدمين من التخلي عن تطبيقاتها لصالح بدائل أكثر إقناعًا.
إن ما أتحدث عنه هو نوع من التدهور البطيء والمستمر الذي يمكن لأي شخص رأى عن قرب شركة تحتضر أن يتعرف عليه. إنها سحابة من الفزع الوجودي الذي يخيم على منظمة قد ولت أفضل أيامها بالفعل.
وهناك طريقة جيدة للتفكير في مشاكل شركة فيسبوك، وهي أنها تظهر في شكلين أساسيين: هي المشكلات الناجمة عن وجود عدد كبير جدا من المستخدمين، ثم المشكلات الناجمة عن وجود عدد قليل جدا من المستخدمين الذين ترغب فيهم الشركة: وهم الشباب الأميركيون، صانعو الثقافة، وموجهو التيارات، الذين يطمح المعلنون في الوصول إليهم.

تحتوي وثائق فيسبوك على أدلة على وجود الشكلين، فعلى سبيل المثال، نظر أحد أجزاء الملفات في المحاولات الفاشلة للشركة في وقف النشاط الإجرامي وانتهاكات حقوق الإنسان في الدول النامية، وهي مشكلة تفاقمت بسبب عادة فيسبوك في التوسع بالبلدان التي لديها فيها عدد قليل من الموظفين وخبرة محلية محدودة.
لكن يمكن إصلاح هذا النوع من المشكلات، أو على الأقل تحسينه، بالموارد والتركيز الكافيين. أما النوع الثاني من المشكلات، فعندما يتخلى قادة التأثير في الأذواق عن منصاتك بشكل جماعي، فذلك هو الذي يقتلك. ويبدو أنه أكثر ما يقلق المديرين التنفيذيين في فيسبوك.
خذ المقال الثالث في سلسلة الصحيفة، والذي كشف كيف أن قرار فيسبوك لعام 2018 بتغيير خوارزمية صفحة التحديثات الرئيسية (News Feed) للمستخدمين للتأكيد على "التفاعلات الاجتماعية الهادفة" أدى على العكس إلى زيادة الغضب والسخط.
في ذلك الوقت، تم تصوير تغيير الخوارزمية على أنه دفعة نبيلة لإجراء محادثات أكثر صحة. لكن التقارير الداخلية كشفت أنها كانت محاولة لعكس مسار من التراجع استمر لسنوات في تفاعل المستخدمين. كانت الإعجابات والمشاركات والتعليقات على المنصة في انخفاض، كما كان الأمر بالنسبة لمقياس ما يسمى "المنشورات الأصلية". وحاول المسؤولون التنفيذيون عكس ذلك التراجع عن طريق إعادة تنظيم خوارزمية صفحة التحديثات للترويج للمحتوى الذي حصل على الكثير من التعليقات وردود الفعل، والتي تبين أنها تعني، تقريبًا، "المحتوى الذي يجعل الناس غاضبين للغاية".
وقال جو أوزبورن، المتحدث باسم فيسبوك "إن حماية مجتمعنا أكثر أهمية من تعظيم أرباحنا". وأضاف "القول إننا نغض الطرف عن التعليقات يتجاهل هذه الاستثمارات، بما في ذلك 40 ألف شخص يعملون في مجال السلامة والأمن في فيسبوك، واستثمارنا البالغ 13 مليار دولار منذ عام 2016".
من السابق لأوانه جدا إعلان موت فيسبوك، فقد ارتفع سعر سهم الشركة بمعدل 30% تقريبًا في العام الماضي، مدعومًا بعائدات الإعلانات القوية، والارتفاع الحاد في استخدام بعض منتجاتها خلال الوباء. وما يزال فيسبوك ينمو في بلدان خارج الولايات المتحدة، ويمكن أن ينجح هناك حتى لو تعثر محليا في أميركا. وقد استثمرت الشركة بكثافة في مبادرات أحدث، مثل منتجات الواقع المعزز والافتراضي، والتي يمكن أن تغير اتجاه التيار إذا نجحت.
يمكن أن تكون شركة فيسبوك في حالة تدهور، ويكون صحيحًا في الوقت نفسه أن تظل إحدى أكثر الشركات نفوذًا في التاريخ، مع قدرتها على تشكيل السياسة والثقافة في كل أنحاء العالم.
لكن أبحاث فيسبوك تروي قصة واضحة، وهي ليست قصة سعيدة، إذ يتدفق المستخدمون الأصغر سنا إلى سناب شات (Snapchat)، وتيك توك (TikTok)، وينشر المستخدمون الأكبر سنًا "صورا مركبة" ضد اللقاحات، ويتجادلون حول السياسة. وتتقلص بعض منتجات فيسبوك بسرعة، في حين أن بعضها الآخر يجعل مستخدميها غاضبين أو خجلين بشأن أنفسهم.
لا يعني أي من هذا أن فيسبوك ليس قويا، أو أنه لا ينبغي تنظيمه، أو أن أفعاله لا تستوجب التدقيق. يمكن أن تكون شركة فيسبوك في حالة تدهور، ويكون صحيحًا في الوقت نفسه أن تظل إحدى أكثر الشركات نفوذًا في التاريخ، مع قدرتها على تشكيل السياسة والثقافة في كل أنحاء العالم.
لكن لا ينبغي لنا أن نخطئ ونرى حالة التبريرات تلك باعتبارها حالة صحية من أنواع الهوس، أو أن نرتبك ونظن أن تخبطات المنصة اليائسة هي استعراض للقوة. ففي النهاية، مات غودزيلا، وكما تظهر وثائق الشركة المسربة، كذلك سيموت فيسبوك.
© مؤسسة نيويورك تايمز 2021
نقلتها للعربية صفحة "ريادة الجزيرة"