قبل 94 عاما.. حكاية اكتشاف أول حقل نفطي في العراق
يُعد اكتشاف نفط كركوك في شمالي العراق أحد أهم الأحداث التي شهدها البلد مطلع القرن الـ20، حيث أدى ذلك الاكتشاف إلى تغييرات جذرية في المشهد السياسي والاقتصادي والاجتماعي والسكاني.
ويعتبر حقل نفط كركوك الذي اكتشف يوم 14 أكتوبر/تشرين الأول 1927 أقدم حقول العراق، وثاني أكبر حقل نفطي في العالم من حيث القدرة على الإنتاج، وهو خامس أكبر حقل على الصعيد العالمي من حيث الحجم باحتياطي نفط يفوق 10 مليارات برميل من النوعية الجيدة.
اكتشاف النفط
عرف العراقيون النفط منذ القدم، حيث كان البابليون يستخدمون بعض أنواع النفط الأسود في أبنيتهم وشوارعهم، وأغلب أنواع الآبار النفطية كانت قريبة جدا من سطح الأرض، بحسب أستاذة الاقتصاد الدكتورة ماردين محسوم فرج.
اقرأ أيضا
list of 3 itemsشركة صينية في مقدمة المنافسين في مناقصة نفط عراقية
لوك أويل تبيع حصتها و”بي بي” ترغب بالانسحاب.. لماذا يتدهور المناخ الاستثماري في العراق؟
وتضيف للجزيرة نت أن استخراجه تجاريا بدأ منذ بداية القرن الـ20، عندما قامت شركة النفط العراقية التركية باستخراجه عام 1912.
وتبيّن أن بابا كركر هو حقل نفطي كبير بالقرب من مدينة كركوك، وهناك اختلاف في تسمية هذه المنطقة، لكن الأرجح أنها تعني باللغة الكردية "نار الآله" أو "النار الأزلية"، لوجود شعلة لهب تنبعث من الأرض ولم تنطفئ منذ القدم.
استخراج النفط
الاكتشاف الضخم الذي تحقق بعد تفجير النفط في بئر بابا كركر سنة 1927 أحدث طفرة نوعية في صناعة النفط العراقي، كما تقول ماردين.
وتشير إلى أن بداية الإنتاج التجاري للنفط الخام بكركوك كانت في سنة 1934، وتم تصدير النفط إلى الأسواق العالمية من خلال 4 خطوط ناقلة لنفط كركوك صوب موانئ البحر الأبيض المتوسط.
وتقسم التطور التاريخي للإنتاج في حقول كركوك إلى عدة مراحل، ففي المرحلة الأولى (1934-1945) كان إنتاج النفط في هذا الحقل يشكل 94% من إنتاج الكلي للنفط العراقي.
وتضيف ماردين أن من أهم حقول النفطية في كركوك حقل كركوك الذي اشتمل على 196 بئرا منذ اكتشافه عام 1927، وحقل باي حسن الذي بلغ عدد آباره 35 منذ اكتشافه عام 1953، وحقل جمبور وعدد آباره 16 منذ اكتشافه عام 1954.
نمو اقتصادي وسكاني
وكان اكتشاف نفط كركوك بوابة لتحوّل العراق إلى بلد نفطي، وبدأ تدريجيا الاعتماد بشكل كامل على الإيرادات النفطية بعد معرفة أن العراق يطفو على بحر من النفط، بحسب الخبير الاقتصادي الدكتور همام الشماع.
ويبيّن الشماع للجزيرة نت أن الحكومة العراقية في العهد الملكي (1921-1958) استطاعت أن تتوصل إلى تفاوض مع الشركات النفطية لحصول العراق على تقاسم في إيرادات النفط بنسبة 50%، وتدفقت على العراق موارد مهمة في العهد الملكي استطاع أن يستخدمها بشكل إيجابي جدا من أجل النمو الاقتصادي.
ويوضح أن العراق آنذاك خصص 70% من الإيرادات النفطية للقضايا التنموية، في حين أن النسبة المتبقية كانت لتمويل الموازنة العامة للدولة، وهو ما جعل الحكومة العراقية حينها لا تعتمد على إيرادات النفط في النفقات الجارية، وإنما يعتمد على الإيرادات المتأتية من مصادر مختلفة، وبالتالي سار العراق مسيرة إيجابية من الناحية الاقتصادية.
ويؤكد الخبير الاقتصادي أن المستويات المعيشية في العراق تحسنت بسبب إيرادات النفط واستخدامها في التنمية وخصوصا في البنية التحتية، وهو ما أدى إلى نمو في القطاع الزراعي وتزايد السكان بشكل كبير، حيث إن العادات الاجتماعية في العراق تعتقد أن توفّر الإيرادات يسهل سبل العيش ويسمح بإنجاب عدد كبير من الأطفال، خاصة وأن زيادة الأفراد يُعد قوة للعائلة وللعشيرة.
تنازع المكونات
ويفيد الكاتب والباحث عبد الكريم الوزان بأن محافظة كركوك يعيش فيها مختلف أطياف ومكونات الشعب العراقي، ففيها العرب والكرد والتركمان وكافة المذاهب والأديان من الشيعة والسنة والمسيح والشبك والصابئة.
ويضيف أنه بحكم امتلاكها ثروة نفطية انعكس ذلك على حياة الرفاهية التي كان يعيشها سكان المحافظة. إلا أن غنى المحافظة بالنفط جعلها محل نزاع بين مكوناتها، فكل قومية تدعي بأن كركوك لها.
ويضيف للجزيرة نت أن كركوك الآن هي محل نزاع ما بين إقليم كردستان والحكومة الاتحادية في بغداد.
واستدرك بالقول إن الحكومة الاتحادية في بغداد هي من يسيطر حاليا على حقول النفط في كركوك.
وعن مدى إسهام اكتشاف النفط في النزاع بين مكونات كركوك، يقول رئيس الجبهة التركمانية حسن توران إن كركوك شهدت اكتشاف أول حقل في العراق، ومنها بدأت أول شحنة تصدير في عهد الاحتلال البريطاني، وبالتالي أصبحت كركوك منطقة جذب اقتصادي للعمالة من مختلف مناطق العراق.
ويضيف للجزيرة نت أن توفر فرص العمل شجّع الهجرة إلى كركوك من مناطق مختلفة في العراق، ولم يكن القصد الأساسي في تلك المرحلة التغيير الديمغرافي، ولكنه أسهم في تغيير واقع المدينة في كركوك وتقليل نسبة التركمان منذ ذلك الوقت.
ويكشف توران أن الكثير من الحقول النفطية التي اكتشفت في حينها كانت أراضي تابعة لعوائل تركمانية، وهناك وثيقة من عائلة النفطجي تشتكي استحواذ شركة النفط العراقية على أراض تعود لعوائل دون تعويض ودون اتباع الخطوات القانونية.
ويتابع القول إنه من جانب آخر عندما أصبح النفط سلعة إستراتيجية، حاولت الأنظمة وخصوصا النظام السابق الإمعان في التغيير الديمغرافي لأهمية كركوك في المعادلة الوطنية العراقية، ولذلك كان النفط نقمة على أبناء كركوك وخاصة التركمان.
وعن الجهات التي تسيطر اليوم على نفط كركوك، يقول توران إن معظم حقول نفط كركوك تحت سيطرة شركة سومو الحكومية باعتبار كركوك ضمن حدود الحكومة الاتحادية، ولكن هناك حقول أخرى تقع خارج سيطرة الشركة ويستغلها إقليم كردستان لأغراض التصدير والاستهلاك الداخلي، معتبرا أن ذلك خطأ كبيرا.
ويعرب توران عن أسفه لعدم تحرك الحكومة العراقية ووزارة النفط، واتخاذ خطوات جدية لمعالجة هذا الموضوع الذي يعتبر هدرا لثروة العراق النفطية.
ويعتقد توران أن التفجيرات والحرائق التي تتعرض لها حقول كركوك بين وقت وآخر، قد تكون متعمدة لتسهيل التهريب، وبعض الحرائق سببها إهمال وزارة النفط لحقول كركوك لعدم تطويرها لحد الآن.
أهمية متزايدة
وتتفاوت التقديرات بشأن كميات النفط التي تحتويها مجمل حقول كركوك، ومن المؤكد وجود 38 مليار برميل من النفط الخام، لكن هناك بعض التقارير تشير إلى وجود ما يقارب 140 مليار برميل من النفط القابل للاستخراج، بحسب أستاذ الاقتصاد المساعد الدكتور أحمد صدام.
ويبيّن للجزيرة نت أنه حتى لو كان احتياطي كركوك 38 مليار برميل كحد أدنى، فهذا يشكل 12% من احتياطي النفط العراقي، ويؤكد أهمية كركوك الاقتصادية، ومن الممكن أن تحقق آفاق استثمارية مستقبلية إذا ما استقر الوضع بعد حل الخلافات على كركوك بين الإقليم والحكومة المركزية.
ويرجح صدام أنه إذا كان هناك انسجام سياسي، فمن الممكن أن تكون هذه المدينة أكثر أهمية اقتصاديا في سبيل استغلال مواردها النفطية والغازية، فإن الغاز المنبعث مع استخراج النفط بحد ذاته يشكل قيمة اقتصادية مضافة.