"أعيدوا لنا أموالنا".. قصة دين ترفض بريطانيا رده لإيران

الدين المستحق لإيران يتعلق بصفقة أسلحة تعود تفاصيلها لأكثر من أربعة عقود.

إيران تطالب بنحو نصف مليار دولار إضافة إلى الفوائد على المبلغ (غيتي)

لندن– "أعيدوا لنا أموالنا"، عبارة تتردد على لسان أكثر من مسؤول إيراني في كل لقاء مع المسؤولين الإيرانيين، آخر ذلك كان خلال اللقاء الذي جمع الوفدين الدبلوماسيين البريطاني والإيراني في نيويورك على هامش اجتماعات الأمم المتحدة، وأثيرت خلاله ملفات كثيرة، من بينها ضرورة سداد لندن الدين المستحق عليها لصالح الخزينة الإيرانية.

ويتعلق الأمر بصفقة أسلحة تعود لأكثر من 4 عقود، أبرمت في عهد شاه إيران، قبل أن تؤدي الثورة الإسلامية في إيران إلى تجميد هذه الصفقة، لتبقى مئات الملايين من الدولارات موضع نزاع بين طهران ولندن، ورغم وصول النزاع لأعلى المحاكم في المملكة المتحدة وفي أوروبا فإن هذا الخلاف لم يحسم.

أضخم صفقة أسلحة في السبعينيات

كان شاه إيران معجبا بالأسلحة البريطانية والأميركية، وفي سبعينيات القرن الماضي أُبرمت صفقتا أسلحة كانتا الأكبر في ذلك الوقت، بين شركة الخدمات العسكرية الدولية (IMS) التابعة لوزارة الدفاع البريطانية، وما كان يعرف حينها بالجيش الإمبراطوري الفارسي.

وتقضي الصفقة -التي تمت عام 1976- بحصول إيران على 1500 دبابة "تشيفتن" التي كانت حينها من أكثر الدبابات تطورا في العالم، إضافة إلى أكثر من 250 مصفحة تستعمل لسحب الدبابات المعطوبة من أرض المعركة، وتعرف باسم "إيه في آر" (AVR)، وبلغت قيمة الصفقة 800 مليون دولار، دفعتها الحكومة الإيرانية مقدما حتى قبل الحصول على الأسلحة.

إلا أن سقوط نظام الشاه أدى إلى عرقلة الصفقة، بعد قرار المملكة المتحدة حظر تصدير الأسلحة للجمهورية الإسلامية، وكانت لندن سلمت حينها 185 دبابة ومدرعة فقط، وأكثر من ذلك أن الباقي بيع لصدام حسين لاستخدامها في الحرب الإيرانية العراقية.

ماذا قالت المحاكم الأوروبية؟

بدأت المعركة القانونية بين لندن وطهران منذ أكثر من 3 عقود، وعام 2001 أعلنت غرفة التجارة الدولية -ومقرها باريس- أن إيران لها الحق في تسلم ما بقي على ذمة الشركة الدولية للخدمات العسكرية البريطانية من أموال، والبالغ قيمتها نصف مليار دولار.

وبالفعل وافقت الحكومة البريطانية على دفع المبلغ المتفق عليه إلى المحكمة سنة 2002، إلا أن طعنا قدمته المملكة المتحدة أمام المحكمة العليا في هولندا أفضى إلى تقليص المبلغ المتفق عليه ببضعة عشرات الملايين من الدولارات، إلا أنه لم يحقق للمملكة ما كانت تريده من تقليص أكبر للمبلغ.

وبعدها بررت لندن مماطلتها في دفع المبلغ بأن وزارة الدفاع الإيرانية كانت خاضعة لعقوبات من الاتحاد الأوروبي.

وفي 2013، حاول مسؤولون إيرانيون استصدار أمر بتنفيذ حكم المحكمة التجارية الدولية، إلا أن السلطات البريطانية قامت بإلغاء تأشيرات هؤلاء لمنعهم من دخول البلاد.

غرفة التجارة الدولية أعلنت أن إيران لها الحق في الأموال المتبقية من الشركة الدولية للخدمات العسكرية البريطانية (غيتي)

ما الذي تقوله المحاكم البريطانية؟

تطالب إيران بتسلم نحو نصف مليار دولار، إضافة إلى الفوائد على المبلغ، ووصل الأمر للمحكمة العليا البريطانية التي تعد أعلى مراحل التقاضي في المملكة المتحدة وقرارتها غير قابلة للنقض.

وفي أبريل/نيسان الماضي، أُجلت جلسة الاستماع للطرفين، وهي المرة 11 -منذ 2003- التي تؤجل فيها الجلسة بين الخارجية الإيرانية وممثلين عن وزارة الدفاع البريطانية والشركة الدولية للخدمات العسكرية البريطانية، علما أن هذه الشركة تم حلها إلا أنها بقيت كيانا صوريا من أجل متابعة هذه القضية.

لماذا تأخرت القضية في الحل؟

تربط كثير من التقارير الإعلامية بين قضية الديون المستحقة على لندن والمعتقلين لدى إيران من مزدوجي الجنسية (حاملي الجنسية البريطانية)، وأشهرهم الباحثة الإيرانية البريطانية نازانين زاغاري راتكليف، التي ما زالت معتقلة في إيران بتهمة التجسس.

ورغم نفي إيران رسميا وجود أي رابط بين الملفين، وكذلك لندن، فإن كثيرا من التسريبات تتحدث عن مقايضة إيران لإطلاق سراح الباحثة البريطانية، بالإفراج عن الأموال الإيرانية.

كما لا تريد لندن المغامرة بالإقدام على أي خطوة في هذا الباب إلا بعد ظهور الخيط الأبيض من الأسود في ما يتعلق بالمفاوضات النووية الإيرانية الأميركية.

هل هناك حل وشيك للأزمة؟

عام 2017 كشفت صحيفة "إندبندنت" (Independent) البريطانية عن أن الحكومة قررت بالفعل دفع المبلغ المستحق لإيران، قبل أن تتراجع عن القرار.

وحسب الصيغة المقترحة لسداد الديون، فإن لندن تريد وضع هذه الأموال في حساب ائتماني يشرف عليه أمناء مستقلون، لتنضم بذلك لما يقارب مليار دولار من الأصول الإيرانية المجمدة في بريطانيا في انتظار رفع العقوبات على طهران.

ومن غير المعروف حتى الآن ما الأسباب التي تدفع المحكمة العليا لتأجيل جلسات الاستماع خلال كل هذه السنوات، ويرفض الجانب البريطاني، وكذلك الإيراني، التعليق على قرار المحكمة.

المصدر : الجزيرة