غزة.. ورش صناعة الذهب تكافح لاستمرار أنشطتها وسط تحديات الركود

صناعة الذهب تكافح لاستمرار أنشطتها في غزة وسط تحديات الركود وضعف المعدات
سوق الذهب المشهور في غزة بـ"سوق القيسارية" حيث يتم عرض المشغولات للزبائن (الألمانية)

شكل إغلاق معابر قطاع غزة بفعل جائحة فيروس كورونا المستجد حافزا لأصحاب عدد قليل من ورشات صنع الذهب لنفض الغبار عن معداتهم.

ويعمل هؤلاء على موقد ثمين ظاهره نار وفي باطنه الصغير نواة ثروة تسكب في قوالب مختلفة، وعلى عجل تتخذ طريقها لتشكل حسب رغبة صاحبها وحاجة صانعها.

قبل أن يمر وقت طويل تبدأ مجسمات الذهب في التحول إلى لونها المألوف داخل ورشة صغيرة لصنع الذهب استأنفت نشاطها مؤخرا لتدب الحياة في أرجائها.

واعتمد قطاع غزة لسنوات على استيراد المجوهرات الثمينة من الخارج، مما قوض عمل ورشات صنع الذهب التي عانت أصلا من تداعيات الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع منذ عام 2007.

يقول وليد مطير -الذي يدير ورشة لصنع الذهب في غزة- إن أزمة كورونا شكلت منعطفا لهم بعد أن توقفت تقريبا بشكل تام أي عمليات استيراد للمجوهرات من الخارج.

تجاوز العقبات

ويوضح مطير "تواجهنا دائما المصاعب في عملنا، منها الحصول على المعدات اللازمة للعمل، وجلب المواد الخام نتيجة الحصار الإسرائيلي، لكننا نحاول دائما إنعاش عملنا بأي وسيلة متاحة".

وكانت ورشة مطير أغلقت أبوابها لفترات طويلة خلال الأعوام الماضية نتيجة ركود العمل وطغيان استيراد المجوهرات من الخارج، فضلا عن تداعيات التدهور الاقتصادي الذي يعانيه القطاع.

غير أن الحركة بدأت تنشط أكثر داخل ورشة مطير حاليا مع عودة دوران آلات كلها قديمة وبدائية في مفهوم الحرفيين، لكن ما يجري مغامرة يخوضها قليل من الصاغة.

ويقول مطير إنهم يعتمدون في عملهم على الاستفادة من ذهب مستخدم لا من الذهب الخام كون غزة لا تملكه.

وأضاف "توجد أشياء يصعب إنتاجها في غزة، لأنها تدخل في إطار آلات تحظر إسرائيل إدخالها إلى القطاع عبر المعابر".

الحال نفسه يعانيه محمد أبو كويك الذي يدير ورشة لصنع مصوغات ذهبية يعمل فيها 5 صاغة حرفيين.

ويقول أبو كويك إن عملهم في صناعة الذهب هو مصدر رزقهم الوحيد، لكنه يجابه الكثير من التحديات والمصاعب.

وأضاف أن "العديد من الأصناف تحظر السلطات الإسرائيلية إدخالها إلى قطاع غزة رغم حاجتنا الكبيرة لها في عملنا".

وقال "نحاول توفير البديل الموجود لدينا لاستمرار عملنا، وهذا المتوفر بمثابة تحد على صعيدين، الأول يكمن في الاستفادة القصوى من آلات قديمة، والثاني تلبية رغبة الزبائن بأشكال الحلي".

ويتعلق مكمن الصعوبة بالنسبة لتلبية رغبات الزبائن بالنسبة لورش تصنيع الذهب في غزة بمحاكاة ما كان يأتي به التجار من بلدان مختلفة.

ويقول أبو كويك عن ذلك "غالبا نعمل على تقليد صناعة المجوهرات خارج الأراضي الفلسطينية التي تتوفر فيها الإمكانيات اللازمة، ولا سيما المواد الخام".

ويضيف "نحاول منافسة الصناعات المستوردة عبر التركيز على البضاعة الخارجية بما يلائم الذوق المحلي، مع تجهيز متطور يشمل اللون أو الطلاء، ولدينا تطور جيد في ذلك".

صناعة الذهب تكافح لاستمرار أنشطتها في غزة وسط تحديات الركود وضعف المعدات
بريق ورش صناعة الذهب في غزة يخفي وراءه كثيرا من الصعاب أبرزها الآلات القديمة (الألمانية)

إحياء المهنة

وما يتحقق من بريق في ورش صناعة الذهب في غزة يخفي وراءه كثيرا من الصعاب، أبرزها أن الآلات قديمة، مما يجعلها ضارة بالإنتاج بسبب بطء حركتها وأدائها، إضافة إلى ما تسببه من فقدان في كتلة ووزن الذهب المراد تصنيعه، وذلك بما تخلفه من برادة المعدن الثمين بشكل يصعب الاستفادة منه.

ويقول أبو كويك "الوضع الذي نعيشه بالنسبة لما يتوفر لدينا من آلات يعتبر بالنسبة إلينا تكلفة إضافية، فبدل إنتاج من كيلو إلى اثنين ذهب أسبوعيا بهذه الآلات يمكن إنتاج 4 كيلوغرامات في حال توفر معدات حديثة".

وحتى وقت قريب كانت صناعة الذهب محصورة بيد عائلات معدودة في غزة، وظلت أيضا سرا عائليا يحظر البوح به للغرباء.

لكن بما وفره الإنترنت من سهولة في مجال التعلم دون اعتراف بقيود أو حدود بدأ شبان جدد التربع على عرش المهنة.

ويقول فراس -وهو في منتصف الأربعينيات من عمره- "أمضيت حوالي 25 عاما في مهنة صناعة الذهب، ولدي خبرة كبيرة في كل تفاصيلها مكنتني من إنجاز كافة الموديلات".

ويضيف أن "الصبر أهم مواصفات صانع الذهب، فلكي نحصل على سلسلة مرغوبة من الزبائن يلزمها ساعات من التمحيص في تفاصيل دقيقة لا تقبل الخطأ".

ويشير فراس إلى أن متطلبات وتفاصيل العمل تتوزع بين عدد من الحرفيين لإنجازه بالشكل المطلوب بين تقطيع وصيانة وتجهيز نهائي كون أن أي نقصان في المعايير يضعف خطوط التسوق للإنتاج.

تحفيز الحرفيين

وفي سوق تراثي قديم لبيع الذهب في غزة يعتقد أن عمره يتجاوز 600 عام يتم النصف الآخر من حكاية صناعة الذهب في القطاع حيث يتم عرضه للزبائن.

وتظهر آثار سوق الذهب المشهور في غزة باسم "سوق القيسارية" شاهدة على ما آل إليه حال تجاره الذين يحاولون إبقاء أبواب محلاتهم مفتوحة وتجاوز المصاعب الاقتصادية.

وعلى امتداد ممر ضيق في سوق القيسارية -الذي يعرف كذلك باسم البلدة القديمة في غزة- يظهر للعيان لمعان المعروضات من المجوهرات في عشرات المحلات الصغيرة المتراصة على جانبي الطريق.

لكن هذا الطريق يفتقد لزحام المارة الذي عرف به، باستثناء قلة من المتسوقين معظمهم يشترون الذهب في نطاق مستلزمات الزواج، وهم في الأغلب من يحفزون نشاط ورش التصنيع والمتاجر.

من جهته، يقول رئيس الاتحاد الفلسطيني للمعادن الثمينة سعد حاكورة لوكالة الأنباء الألمانية إن الأغلبية العظمى من سكان غزة يقتنون الذهب بغرض الزواج، وهو ما يجعل المبيعات تبقى بالحد الأدنى.

ويوضح حاكورة أن قطاع غزة يشهد منذ سنوات تراجعا كبيرا في المخزون من الذهب ومعدلات البيع بفعل تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للسكان.

ويشير إلى أن أولويات السكان تبدلت على مدار سنوات من الإقبال على الذهب بغرض التخزين إلى بيع مدخراتهم الثمينة للتغلب على أيامهم العصيبة، مضيفا أن احتياطي الذهب في غزة تراجع إلى أقل من 10 أطنان بعد أن كان يتجاوز 22 طنا.

المصدر : وكالة الأنباء الألمانية