الاقتراض أنقذ المصريين.. السيسي يشيد بالديون وخبراء الاقتصاد يفندون

مقطع السيسي من نشرتكم
السيسي أشاد بسياسة الاقتراض التي تتبعها حكومته ودورها بانتشال البلاد من الركود والانهيار (الجزيرة)

بعد أيام من تصريحات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، المثيرة للجدل، بشأن "نعمة" الاقتراض وفضله على ازدهار البلاد وتطورها، وأن الديون، غير المسبوقة في تاريخ مصر، عند مستوى آمن، هرول البنك المركزي ووزير المالية لمباركة تلك التصريحات والتأكيد على صحتها.

أثار ذلك تساؤلات حول تورط البنك المركزي ووزير المالية في مجاملة السيسي بعد حديثه عن الديون والاقتراض بكل أريحية واطمئنان، وإرجاع الفضل للديون في إحداث نقلة نوعية في تطور الاقتصاد الذي لولاه كانت "تراجعت الدولة وعانى المواطنون".

المركزي لم ينتظر طويلا، إذ بادر بإصدار بيان أعلن فيه عن تراجع الديون على أساس فصلي، بنسبة طفيفة، لأول مرة منذ 4 سنوات، وبلغت 111.3 مليار دولار في مارس/آذار الماضي بدلا من 112.7 مليارا في ديسمبر/كانون الأول 2019.

وأضاف البيان أن إجمالي ما سددته مصر من ديون وفوائد ديون خلال الأشهر الستة، من أكتوبر/تشرين الأول 2019 وحتى نهاية مارس/آذار 2020، بلغ نحو 10.8 مليارات دولار، إلا أن الدين الخارجي قفز بنسبة 4.78% على أساس سنوي، خلال الربع الثالث من السنة المالية الماضية 2019/2020 المنتهي في مارس/آذار الماضي، إلى 111.3 مليارا.

لكنه لم يتضمن أكثر من 20 مليارا اقترضتها حكومة السيسي منذ أبريل/نيسان الماضي وحتى اليوم، وهو ذات الشهر الذي شهد تراجع الاحتياطي النقدي بقيمة 8.5 مليارات إلى 37.03 مليار دولار نهاية أبريل/ نيسان، مقابل 45.5 مليارا نهاية فبراير/شباط.

نعمة الاقتراض

وخلال افتتاح عدد من المشروعات بالإسكندرية، نهاية الشهر الماضي، هوًن السيسي من حجم الديون، بل وذهب إلى أبعد من ذلك، إذ أشاد بسياسة الاقتراض التي تتبعها حكومته، ودورها في انتشال البلاد من الركود والانهيار.

وقال في مداخلة "أمامنا خيار من اثنين لنعمل أو منعملش، لو معملناش كده (الاقتراض) يعني الدولة هتتراجع وشعبها بيعاني وهيبقى الرقم المطلوب بعد كده أكبر بكتير من اللي احنا بنعمله، والبدائل هي اننا بنقوم بالاقتراض بأرقام ميسرة".

وأضاف "فيه كلام كتير بيتقال على الدين العام والخارجى، وبالتالى محتاجين اننا نوضح للناس أن إحنا منقدرش نتوقف عن ده، مع الوضع فى الاعتبار نقطة مهمة وهي أن قياسات الدين وإن كانت عالية ولكن جهدنا كدولة فى ضبط هذا الدين وزيادة حجم الناتج القومي هيخليه داخل الحدود الآمنة".

وواصل السيسي موجها حديثه لوزير المالية محمد معيط "أتكلم في النقطة دى بتاع الدين لان فيه كلام مش عاوزين نسيب الناس فى مصر بيأثر سلبا على فهمهم.. احنا يا نبني بلد يا نتوقف".

وسارع وزير المالية في ذات اليوم إلى التواصل مع وسائل الإعلام وأسهب في الحديث، عبر الفضائيات المختلفة، عن نظرية السيسي الاقتصادية الجديدة في معالجة المشكلات الاقتصادية ومدى نجاعتها، ودورها في تغيير بوصلة الاقتصاد، وإقامة المشروعات القومية العملاقة.

وأكد أن الديون في الحدود الآمنة وتحت السيطرة، ولا تشكل أي مخاطر على قدرة مصر في السداد، وأن الاقتراض هو لإقامة مشروعات عملاقة، بحسب حديث الوزير.

خبراء اقتصاد فندوا تلك المزاعم وأكدوا، في تصريحات للجزيرة نت، أن الادعاء بأن الديون آمنة، بالقياس إلى الناتج القومي الإجمالي، غير دقيق، لأن الناتج القومي الإجمالي غير حقيقي من جهة، كما أنه لا يأخذ في الاعتبار عامل التضخم الذي يرفع الناتج القومي الإجمالي.

تدليس الأرقام

ووفق أستاذ التمويل والاقتصاد، أشرف دوابة، فإنه لا توجد دولة في العالم تبني تنميتها على الاقتراض الخارجي والداخلي لأنه نهاية المطاف سوف تستنزف خدمة الدين أي خطة تنموية قبل أن تبدأ حتى عملية التنمية، مشيرا إلى أن "القروض يمكن استخدامها كعامل مساعد في هذا الصدد، مع تحفظي على الاقتراض بشكل عام".

واستهجن -في تصريح للجزيرة نت- بيانات المركزي الجديدة ذات المحتوى القديم، قائلا "بيانات البنك المركزي لا تحترم معايير الشفافية والإفصاح والنزاهة، وإن كانت بياناته صحيحة، لماذا لم يفصح عن حجم الديون منذ أبريل/نيسان الماضي، تجاوزت 20 مليار دولار وفق بعض التقديرات، آخرها اقتراض ملياري دولار عبر تمويل تقليدي إسلامي، فكيف تنخفض الديون؟".

وأكد دوابة أن مصر تعاني من وجود مؤسسات أخرى مثل الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، والأجهزة الرقابية الأخرى، إلى جانب المركزي، فهي لا تلتزم بالشفافية فيما تصدره من مؤشرات وأرقام لا تعبر عن الواقع، ولذلك فأي حديث عن تراجع الدين أو وجوده في المنطقة الآمنة غير دقيق ولا يعول عليه.

ومن جانبه فند محمود وهبة رجل الأعمال المصري الأميركي، والخبير الاقتصادي، مزاعم السيسي وحكومته والمسؤولين وتقارير بعض المؤسسات المالية، مؤكدا أن "الديون غير آمنة، حتى وفق الجهات المقرضة مثل صندوق النقد الدولي".

وكتب في منشور له على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك "يا سيسي، الديون غير آمنة حسب تقرير صدر من صندوق النقد الدولي، السيسي زعم أن الديون آمن، ولكنه يعرف أن العكس صحيح، وإذا كان لا يعرف فيمكنه قراءة التقرير المرفق الذي صدر من صندوق النقد".

 

 

تدوير القروض

علق الدكتور حسام الشاذلي أستاذ إدارة التغيير والتخطيط الإستراتيجي الزائر بجامعة كامبردج، بالقول "لم يكذب السيسي عندما قال إن الديون مفتاح الاقتصاد المصري، فقد تم تأسيس المنظومة الاقتصادية المصرية في عهده على مفهوم تدوير القروض وتأجيل الاستحقاقات، والإذعان الكامل لشروط المؤسسات الدولية المقرضة".

وأضاف للجزيرة نت: ولا عجب في كون البنك المركزي يحاول دعم تلك التصريحات الهلامية بالتلاعب في تقارير الديون وحجمها، في منظومة السيسي الدكتاتورية تعزف جميع المؤسسات وخاصة المالية منها لحن الفساد وغياب الشفافية من أجل أن تصفق للسيسي حتى في ظل انتشار الفقر وخروج الشركات وهروب المستثمرين، وفشل برامج الإصلاح المزعومة واحدا بعد الآخر.

ووصف الخبير الاقتصادي منظومة السيسي الافتراضية بأنها نموذج اقتصاد اللصوص، حيث تسمح أموال القروض المتوالية بسيطرة قطاعات معينة على الاقتصاد المصري، وعلى رأسها المؤسسة العسكرية، وتؤصل لانتشار الفساد المؤسسي مع غياب أي دور رقابي حقيقي للبرلمان أو المؤسسات الرقابية، وهي هيكلية كارثية تفتح أبوابا عديدة لسيطرة رؤوس الأموال الأجنبية على مقدرات البلاد.

المصدر : الجزيرة