بعد عودة حركة الطيران بالأردن.. هل تنجو البتراء من مصير مدينة الأشباح؟

مع عودة الرحلات الجوية الخارجية المنتظمة في الأردن مجددا، يأمل قطاع السياحة -المتضرر الأكبر نتيجة لتداعيات انتشار فيروس كورونا المستجد- أن يعود له الزخم بعد تأثر حركة النقل الجوي في العالم والأردن.
وابتداء من الثلاثاء الماضي تقرر عودة الرحلات الجوية المنتظمة من جديد، بعد تعليق جميع الرحلات الجوية من الأردن وإليه، ابتداء من الثلاثاء مارس/آذار 2020، وحتى إشعار آخر، باستثناء حركة الشحن التجاري.
وعلى رأس القطاع السياحي المتضرر تأتي درة الأردن السياحية، مدينة البتراء الأثرية التي غادرها آخر سائح بتاريخ 16 مارس/آذار الماضي، وتحولت منذ ذلك الحين إلى مدينة أشباح تخلو من السياح كما تخلو من الموظفين، والأدلاء، والمرشدين السياحيين، والعاملين في القطاع بشكل لم تشهده المدينة منذ اكتشافها منتصف القرن الماضي.
وأصبحت البتراء منذ ذلك الوقت مدينة مهجورة، وأصبح حوالي 200 مرشد سياحي و 1500 من البدو، بما في ذلك الخيول والحمير والجمال العاملة في الموقع الأثري، من سكان بلدة وادي موسى، عاطلين عن العمل.
قبل أن تضرب جائحة كوفيد-19 العالم، كانت البتراء المكان الأكثر جاذبية للسياح في الأردن. كما أنها من أهم الوجهات السياحية في العالم، وهي المدينة التي احتفلت بالزائر المليون لأول مرة في تاريخ السياحة الأردنية، في نوفمبر/تشرين الثاني 2019.
ولطالما شوهد الآلاف من الزوار يوميا، وهم يتجولون في الموقع التاريخي الجميل لاستكشاف الخزنة، وهو مبنى رائع عمره 2000 عام، وممر السيق الضيق (المدخل الرئيسي للبترا) وكذلك المكان المرتفع الذي يسمى المذبح.

كارثة
يعد محمد النوافلة، صاحب شركة سياحة تعمل في البتراء، أن ما حدث منذ الجائحة بمثابة كارثة، ويقول لوكالة الأنباء الألمانية "كان عدد السائحين يرتفع أو ينخفض في الماضي، وفقا لمختلف الأوضاع التي كانت تحدث في منطقة الشرق الأوسط. أما الآن فلا يوجد سياح على الإطلاق في 45 فندقا في البتراء، وغرفها البالغ عددها 3000، إن هذا لم يحدث من قبل على الإطلاق".
وتقول السلطات إن حوالي 80% من سكان البتراء البالغ عددهم نحو 38 ألف نسمة يعتمدون بشكل مباشر أو غير مباشر على السياحة كمصدر رئيسي للدخل.
وفيما استمرت المطارات والمنافذ البرية والبحرية بالعمل طيلة الفترة السابقة من أجل تأمين عودة عشرات الآلاف من المواطنين العالقين في الخارج، والذين بلغ عددهم بحسب وزارة الخارجية 35 ألفا و308 أشخاص حتى تاريخ 23 أغسطس/آب الماضي، لم يغير ذلك من حال المدينة الخاوية على عروشها، فالعائدون أُمِّنوا ليكونوا مع عائلاتهم لا أكثر.
وأغلقت العشرات من الفنادق المنتشرة حول البتراء ومدينة وادي موسى القريبة، وأوقفت العديد من موظفيها عن العمل، واستمرت في دفع نصف الأجور لمن أبقتهم على كوادرها إلى حين تغير الحال والعودة للعمل من جديد.
يقول مدير أحد الفنادق، إنه إذا استمرت الأزمة فإنهم سوف يغلقون الفندق، ويضيف "نعد أنفسنا في غضون أيام لإغلاق الفندق وإبلاغ الجميع للذهاب إلى منازلهم".
سياحة داخلية
عندما أوقفت السلطات الأردنية الرحلات الجوية الدولية، وأغلقت المطارات في مارس/آذار الماضي، لم يكن لدى أحد أي فكرة عما إذا كان الموقع السياحي لن يفتح على الإطلاق في عام 2020 ، إذ إنه بسبب تفشي فيروس كورونا لم يعد السياح يصلون للمكان، كما أن الغموض كان سائدا حول مستقبل العمل لكافة العاملين في القطاع السياحي في البتراء شأنهم شأن باقي رفقائهم في مواقع سياحية أخرى، إلا أن خصوصية البتراء لم تسمح يوما للعاملين فيها أن تكون لهم نشاطات خارج الموقع التابع للمدينة التاريخية والأثرية المدرجة على لائحة التراث العالمي لليونيسكو.
وفي محاولة منها للمساعدة في الحفاظ على حركة السياحة، دعمت الحكومة الأردنية برنامجا يجذب السكان المحليين للسفر إلى وجهات سياحية مختلفة داخل الأردن، وعلى رأسها البتراء كوجهة سياحية جاذبة، حيث تغطي الحكومة 40% من الجولات للأردنيين و20% للمقيمين الأجانب.
لكن حتى مع هذه الإجراءات الحكومية لمساعدة القطاع ، لم يستطع السياح الأردنيون المحليون المنهكون ماديا أصلا من تبعات جائحة كورونا، إنفاق الكثير من المال كما اعتاد أن يفعل الزوار الأجانب في المدينة القديمة، والتي توفر فقط زيارة للموقع القديم خلال النهار دون القدرة على توفير أي نوع آخر من الترفيه للعائلات أو الأسواق الجاذبة خلال الليل أو النهار، وهو ما يحتاجه السائح المحلي أكثر من الأجنبي.
ولم تتوقف هيئة البتراء عن تعقيم الموقع الأثري في محاولة لجذب السياحة المحلية، والقيام بالحد من الأضرار التي لحقت بصناعة السياحة في البتراء، والتي تساهم في الاقتصاد الأردني بحوالي 12% إلى 14% من الناتج المحلي الإجمالي، إلا أن ذلك لم يغير شيئا من الحال البائس طوال 6 شهور مضت.

وأعلن الأردن الأسبوع الماضي أنه بموازاة فتح المنافذ الجوية والبرية والبحرية، فإنه سيستقبل المسافرين تبعا لتصنيف الوضع الوبائي للدول التي سيأتون منها، موزعين على قوائم خضراء، وصفراء، وحمراء ، بحيث تكون الدول الخضراء الأقل خطرا، أما الحمراء فهي الأشد خطورة.
وذكر وزير النقل خال سيف أن عملية تسيير الرحلات الجوية المنتظمة من الأردن وإليه، لن تتم إلا بموافقة تلك الدول التي صنفها الأردن ضمن المستويات الثلاثة، مشيرا إلى وجود دول مطاراتها مغلقة حتى الآن، ودول قد لا ترغب باستقبال رعايا من دول أخرى.
غرامة وإجراءات
يتعين على القادمين إلى الأردن من جميع الدول تعبئة نموذج البيانات الصحية، قبل 24 ساعة من الوصول، إضافة إلى نموذج التعهد بالالتزام بالتعليمات، وأيضا معلومات عن مكان وجودهم الأساسي أثناء المكوث في الأردن.
ويدفع المسافر ثمن فحص الكشف عن الفيروس إلكترونيا عبر موقع "فيزيت جوردان"، وذلك لجميع الدول على اختلاف تصنيفاتها.
وعلى المسافر أن يثبت عند وصوله المطار أنه أمضى آخر 14 يوما في تلك الدولة التي قدم منها.
وسيفرض على المسافر غرامة تصل إلى 10 آلاف دينار (14.1 ألف دولار) في حال إدلائه بمعلومات مغلوطة أو غير دقيقة، وفق وزير النقل.
وتهدف الحكومة من التصنيف إلى تحديد الإجراءات التي يجب أن يتبعها المسافر القادم إلى الأردن، تبعا لتصنيف الدولة التي جاء منها.