تطبيع إماراتي إسرائيلي بمبررات اقتصادية.. هل هناك عوائد منتظرة؟
لم تكد تمضي سويعات قليلة على إعلان الإمارات وإسرائيل عن اتفاق تم برعاية أميركية لتطبيع العلاقات بينهما وتبادل السفراء، حتى جرى التوقيع في أبو ظبي على أول اتفاق تجاري بين الجانبين، ما حدا بمراقبين إلى القول إن اتفاق التطبيع جاء ليتوج مسيرة من التقارب الخفي بين الطرفين على مدى السنوات الأخيرة الماضية.
فقد وقّعت شركة "أبيكس الوطنية للاستثمار" (Apex) الإماراتية على اتفاق مع مجموعة "تيرا" (Tera) الإسرائيلية للتعاون في مجال الأبحاث لمكافحة فيروس كورونا المستجد "كوفيد-19″، بما في ذلك إنتاج جهاز للاختبار.
وفي مؤشر آخر على تسارع الوتيرة، أُعلن عن البدء في تشغيل خدمة الاتصالات الهاتفية المباشرة بين الإمارات وإسرائيل، حيث تمكن صحفيو وكالة أسوشيتدبرس في القدس ودبي من إجراء اتصالات مباشرة بينهم من الهواتف الأرضية والخلوية.
هذه الخطوة لحقها قيام الإمارات برفع الحجب عن مواقع إلكترونية إسرائيلية كانت قد حجبتها السلطات الإماراتية سابقا، بينها صحيفتا "ذي تايمز أوف إسرائيل" (The Times of Israel) و"جيروزاليم بوست" (The Jerusalem Post) ، وموقع "واي نت" (Ynet).
يأتي هذا بينما أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أن حكومته تعمل على السماح بتسيير رحلات جوية مباشرة من تل أبيب إلى دبي وأبو ظبي عبر الأجواء السعودية.
ووفقا لنتنياهو، فإن ذلك من شأنه أن يغيّر وجه الاقتصاد الإسرائيلي، متوقعا "حجما هائلا من الاستثمارات والسياحة من الطرفين"، مشيرا إلى أن "الإماراتيين معنيون جدا بالقيام باستثمارات ضخمة في إسرائيل".
مبرر اقتصادي
يتضمن اتفاق تطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات نقاطا عدة، لكن أهمها بنوده الاقتصادية التي تتمثل في الاستثمار المباشر للإمارات في إسرائيل، وتوقيع اتفاقيات ثنائية تتعلق بقطاعات السياحة والأمن والاتصالات والتكنولوجيا، إلى جانب الاستثمار في قطاعات الطاقة والمياه والرعاية الصحية والثقافة والبيئة.
ويصف رئيس مركز المدار للدراسات السياسية في الكويت الدكتور صالح المطيري توقيع الاتفاق الخاص بفيروس كورونا بين الشركتين الإماراتية والإسرائيلية في اليوم التالي للإعلان عن تطبيع العلاقات بين الجانبين إلى جانب التنسيق السريع العلمي والثقافي والجوي بأنه ينم عن علاقات قديمة بين الطرفين وليست وليدة اللحظة.
ويؤكد المطيري -في حديثه للجزيرة نت- أن إسرائيل ستكون المستفيد الأكبر اقتصاديا من هذا التطبيع وضخ الأموال الإماراتية، إذ إنها تتذيل قوائم تصنيف منظمة الاقتصاد الأوروبية الإسرائيلية.
ويقول المطيري إن 64% من الاقتصاد الإسرائيلي يعتمد على الخدمات، كإدارة العقارات والفنادق والسياحة، وشركات العلاقات العامة، والخدمات الاستشارية والأمنية، لكن المطيري عاد ليؤكد أن أهم ما تتميز به إسرائيل هو صناعة التكنولوجيا فائقة الدقة والسلاح.
ويرى أن المبرر الاقتصادي دائما ما يكون المظلة التي تستخدم من قبل كثير من الدول العربية للتطبيع مع إسرائيل، عاقدا مقارنة مع كثير من الدول الأوروبية التي طالما رفضت استقبال الفاكهة والخضار والمنتجات الزراعية التي تأتيها من المستوطنات، وذلك على الرغم من قرب تلك الدول من إسرائيل.
ويؤكد المطيري أن المردود الاقتصادي لن يكون ذا جدوى كبيرة للإمارات، وذلك لاعتبارات عدة أهمها أن إسرائيل بلد معروف بأنه ذو مخاطر عالية، وأنه غير مستقر سياسيا بدليل الصراع الحزبي المستمر الذي يحول دون تشكيل الحكومات.
ويضيف "هذا إلى جانب أن إسرائيل التي طالما تباهت بديمقراطيتها وشفافيتها، اتُّهم أغلب رؤسائها المتعاقبين بفضائح فساد مالية وإدارية وجنائية كبيرة، وهو ما يدعو إلى التساؤل بخصوص محفزات الاستثمار فيها؟!".
دواعٍ سياسية
تساؤل آخر طرحه المحلل المالي والاقتصادي ميثم الشخص، عن مآرب الإمارات كدولة غنية من إسرائيل ذات الاقتصاد غير القوي، والتي تعتمد على الدعم الأميركي.
ومن وجهة نظر الشخص ـفي حديثه للجزيرة نت- فإن الاستفادة ستكون سياسية وليست اقتصادية، فالتبادل التجاري لن يكون كبيرا، مضيفا أن ما جاء في البنود الاقتصادية من الاتفاق هي لتجميله فقط.
ويرى أن إسرائيل ستدخل إلى العالم العربي ودول الخليج من أوسع الأبواب عبر معرض "إكسبو 2020" العالمي الذي سيقام في أكتوبر/تشرين الأول المقبل بدبي.
وتوقع ألا يسير التطبيع بالسلاسة التي يريدها مسوّقوه، إذ سيصطدم برفض شعبي سيتجلى في التفاصيل، فعلى سبيل المثال لن يُقبل الناس على شراء المنتجات الإسرائيلية سواء كانت زراعية أو صناعية، حتى وإن كان دخولها جاء بناء على ضوء أخضر من القيادة السياسية، وبلا شك فإن القبول الشعبي لمثل هذه المنتجات قد يستغرق سنوات.
تبادل تجاري
من جانبه، اعتبر المحلل المالي والاقتصادي محمد رمضان أن إسرائيل تشغل مركزا متقدما في التقنيات والأمن المعلوماتي والطاقة الشمسية، إلى جانب تصنيع الأسلحة والمعدات العسكرية، لذلك فإن هذه المجالات ستحتل الجزء الأكبر من التبادل التجاري بين البلدين.
ويرى رمضان أن ثمة مزايا يمكن أن تتحقق اقتصاديا بين الطرفين، من بينها السياحة، ولا سيما في ظل تطلع دبي إلى تثبيت مركزها كوجهة سياحية عالمية.
ولفت رمضان -في حديث للجزيرة نت- إلى أن الميزان التجاري لجميع دول المنطقة المرتبطة بعلاقات مع إسرائيل كمصر والأردن وتركيا كان يميل لصالحها أكثر من إسرائيل.
فبحسب بيانات البنك الدولي لعام 2018، استوردت إسرائيل من مصر بما قيمته 545 مليون دولار، في حين استوردت مصر من إسرائيل بما يقارب 112 مليون دولار. أما الأردن فقد صدر لإسرائيل بنحو 79.6 مليون دولار، في حين استورد من إسرائيل بنحو 71.5 مليون دولار.
وكذلك كانت تركيا هي المستفيد الأكبر من التبادل التجاري مع إسرائيل، حيث صدرت بما يقارب 6.2 مليارات دولار، في حين استوردت منها بنحو 1.9 مليار دولار.