الكويت ومواجهة عجز الموازنة.. هل يصلح "صندوق الأجيال" ما أفسده كورونا؟
شكّل فيروس كورونا ضربة قوية لاقتصادات جميع الدول تقريبا، وذلك بالنظر إلى إجراءات الإغلاق التي اتخذتها مختلف البلدان بسبب التخوف من تفشي الفيروس، والتي طالت معظم القطاعات.
وفي الكويت -التي لم تكن استثناء بين الدول- جاء التهاوي في أسعار النفط ليفاقم الضغط على الاقتصاد رغم الملاءة المالية القوية التي يتمتع به البلد الخليجي، والتي ربما ستساعده على امتصاص الأزمة وتجاوزها بشكل أسرع من غيره، لكنها لن تجعله بعيدا عن اتخاذ إجراءات قاسية لعبور المرحلة بأمان، بحسب خبراء ومختصين.
ومنذ بداية أزمة كورونا أعلنت الحكومة الكويتية عن خطة للتقشف والتوقف عن الإنفاق السخي إلا على القطاع الصحي، وذلك في ظل توقعات بأن تخلّف الأسعار الحالية للنفط عجزا تاريخيا لم تشهده البلاد من قبل.
وتمثلت أولى خطوات الحكومة الكويتية في تعديل ميزانية الوزارات والإدارات الحكومية للسنة المالية الجارية 2020/ 2021 بزيادة مبلغ 500 مليون دينار كويتي (نحو 1.62 مليار دولار)، لتغطية الاحتياجات الطارئة اللازمة لمواجهة فيروس كورونا.
وفي ظل هذا التفاقم المحتمل للعجز في الميزانية تقف الحكومة أمام خيارات عدة.
فقد نقلت صحف كويتية عن مصدر حكومي قوله إن حكومة البلاد تنوي إعداد مشروع قانون وتقديمه إلى مجلس الأمة لوقف استقطاع حصة "صندوق احتياطي الأجيال القادمة"، وهي خطوة ينتظر منها أن توفر أكثر من مليار دينار (نحو 3.25 مليارات دولار) في السنة المالية الحالية وحدها.
وتستقطع الكويت حاليا بحكم القانون ما لا يقل عن 10% سنويا من إيراداتها لصالح الصندوق الذي تديره الهيئة العامة للاستثمار.
شر لا بد منه
هذه الأنباء التي لم تؤكدها حتى الآن الحكومة أو تنفها تباينت بشأنها آراء الخبراء الاقتصاديين والمختصين، فبينما رأى بعضهم أن الخطوة "شر لا بد منه" مع إلزام الحكومة بسداد تلك المستحقات عندما تتحسن الظروف عبر آخرون عن رفضهم لها، ووصفوها بأنها كالمستجير من الرمضاء بالنار.
ورأى وزير التخطيط الكويتي السابق علي الموسى أن هذه الخطوة منطقية بل وحتمية في ظل عدم وجود غطاء مالي، متسائلا "من أين ستأتي الحكومة بأموال لضخها في صندوق الأجيال في ظل العجز المتواصل منذ سنوات، وأسعار النفط المنخفضة للغاية؟".
وأشار الموسى في حديثه للجزيرة نت إلى أن التحويل للصندوق كان منطقيا وقت أن كانت الموازنة تحقق فوائض مالية، وذلك من أجل الاستثمار والادخار لمصلحة الأجيال المقبلة، أما الآن فالإيرادات لم تعد كافية للاستمرار في هذا الإجراء، وخطأ الحكومة سيكون فادحا إذا اقترضت أموالا لضخها في صندوق الأجيال، وفقا لتعبيره.
كما يرى الموسى أن الحكومة الكويتية لا يمكنها التقشف أو الاقتصاد في ظل أزمة كورونا، مبينا أنها اكتفت بالتوقف عن ضخ الأموال في صندوق الأجيال دون المساس بموجوداته.
لكنه لم يُخفِ مآخذ سجلها على الحكومة، ومنها ما وصفه بالهدر المالي الذي يجب أن يتوقف، فضلا عن الفساد الذي يجب أن يعالج عبر حركة إصلاح اقتصادية ومالية، حتى تتمكن البلاد من عبور هذه الأزمة، وإلا فإن العواقب ستكون وخيمة على حد قوله.
تقديرات الصندوق
وتقدر موجودات صندوق احتياطي الأجيال القادمة السيادي بنحو 490 مليار دولار يديرها عبر استثمارات طويلة الأجل في أصول مختلفة تتراوح بين الأسهم والسندات والملكيات الخاصة والعقارات والبنى التحتية.
من جهته، أكد وزير التجارة والصناعة الكويتي السابق يوسف العلي أن خطوة إيقاف استقطاع حصص الصندوق لها ما لها وعليها ما عليها، فهي ستخفف الضغط على الميزانية، لكن هل هذا هو الإجراء الأنسب في هذا الوقت.
ويوضح العلي في حديث للجزيرة نت أن صندوق الأجيال -الذي أنشئ في عام 1976- جاء ليكون رصيدا للأجيال المقبلة وسندا للدولة، ولا سيما في فترة "ما بعد النفط" بشكل أساسي، لكن الكويت اليوم لم تصل إلى هذه المرحلة أو حتى مرحلة الاحتياج الحقيقي لوقف الاستقطاع الذي عده بمثابة سحب للمبلغ من الصندوق.
واعتبر العلي أن القرار غير حصيف وغير مستحق في هذه المرحلة، مع الأخذ بعين الاعتبار وجود خيارات عدة يمكن للحكومة أن تلجأ إليها ستكون أقل تكلفة، ومن بينها إقرار مجلس الأمة قانون الدين العام الذي دار جدل بسببه.
وأشار إلى وجود ما وصفه بسوء فهم لفكرة القانون نفسه، مما أدى إلى تكوين رأي عام معارض له، مضيفا أن القانون لا يشتمل على استدانة من صندوق النقد الدولي أو البنوك الأجنبية، وبالتالي فهو لن يجعل الكويت دولة مدينة.
وحدد العلي عددا من الخيارات التي يمكن للحكومة اللجوء إليها لتمويل ميزانية الدولة، فهناك الاقتراض الداخلي عبر طرح سندات دين من خلال البنك المركزي أو الاقتراض من البنوك المحلية، هذا فضلا عن استطاعة وزارة المالية أيضا تمويل الميزانية من خلال السندات، وبالتالي لن توجد استدانة دولية أو خارجية.
وأوضح أن الأموال التي لن تحول إلى صندوق الأجيال لن تتحول بالتالي إلى استثمارات، وستظل على حالها كإيرادات نقدية تذهب في أحد أوجه الصرف المختلفة.
خطر تسييل الأصول
ونبه العلي إلى أن الأخطر هو التوجه إلى تسييل الأصول، سواء كانت في صندوق الاحتياطي العام أو احتياطي الأجيال، وهذا إن حدث سيلحق بالبلاد خسارة كبيرة، لأن جميع الأصول تعاني حاليا من انخفاض قيمتها، حيث تجاوزت نسبة الانخفاض 20% منذ بداية العام، وفق قوله.
من جهته، استبعد أستاذ الاقتصاد في جامعة الكويت أنور الشريعان إقدام الحكومة على هذه الخطوة التي وصفها بالخاطئة، مبديا قناعته بأنه ستكون هناك ما وصفها بـ"الأصوات العاقلة" التي سترفض هذا التوجه.
وقال الشريعان في حديث للجزيرة نت إن نسبة 10% التي تُقتطع من إيرادات الدخل لتذهب إلى صندوق الأجيال لن تؤثر على حجم العجز في الميزانية الذي يتجاوز 9 مليارات دينار كويتي (نحو 30 مليار دولار) وقد يصل إلى 15 مليار دينار (حوالي 49 مليار دولار).
ومن وجهة نظر الشريعان، فإن مبلغ 1.2 مليار دينار كويتي (أكثر من 3.8 مليارات دولار) الذي سيذهب إلى الصندوق لا يشكل إلا نسبة بسيطة من العجز، مشددا على أن الوضع الاقتصادي المتين والملاءة المالية للكويت مرتبطان بشكل أساسي بصندوق الأجيال القادمة وقوته وتنوع استثماراته.
وأضاف أنه من باب أولى اقتصاديا أن يجري التوسع في الاستثمارات الكويتية وصندوق الأجيال القادمة، بل وزيادة الاستقطاع إلى 20% في هذا الوقت تحديدا لاقتناص الفرص، حيث انخفضت الأصول وباتت الاستثمارات جاذبة، وبالطبع فإن قلة قليلة من الدول تملك سيولة في هذه المرحلة.
وبينما يرى الشريعان أن الحل المنطقي يكمن في إقرار قانون الدين العام الذي يسمح للحكومة باقتراض مبلغ 20 مليار دينار (ما يعادل 65 مليار دولار) فإنه دعا الحكومة إلى أن يكون الهدف المنشود إيصال القيمة المالية لصندوق الأجيال إلى تريليوني دولار، وذلك باعتبار أن الصناديق السيادية هي صمام أمان للنظم الاقتصادية في الدول، ويجب الاهتمام بها بدلا من المساس بأموالها.
وأشار إلى أن الكويت صاحبة أول صندوق سيادي في العالم، وقد حقق لها أرباحا ونجاحات هائلة، في حين كانت الإيرادات النفطية متذبذبة على الدوام.