معاشات المجالس المحلية البريطانية.. الدجاجة التي تبيض ذهبا للاحتلال الإسرائيلي

The Prince of Wales Visits Israel And The Occupied Palestinian Territories
استثمار المجالس المحلية البريطانية في شركات عاملة مع الاحتلال يبلغ 3.5 مليارات جنيه إسترليني (غيتي إيميجز)

بعد مرور أسابيع على الحكم التاريخي للمحكمة العليا البريطانية والقاضي بعدم قانونية قرار الحكومة التي وجّهت المجالس المحلية بالاستثمار في الشركات العاملة في الأراضي الفلسطينية المحتلة وإيقاف كل أشكال مقاطعتها، حصل موقع الجزيرة نت على معطيات عن الاستثمارات التي تمرّ عبر نظام المعاشات التابع للمجالس المحلية البريطانية إلى الشركات العاملة في المستوطنات، ومنها المتورط في انتهاكات حقوق الإنسان.

هذه المعطيات المبنية على دراسة أنجزها باحثون بريطانيون لفائدة حملة التضامن مع فلسطين، تظهر أن استثمار المجالس المحلية في شركات عاملة مع الاحتلال، يبلغ ما مجموعه 3.5 مليارات جنيه إسترليني (4.4 مليارات دولار)، وذلك إما على شكل استثمارات مباشرة أو غير مباشرة.

وحملة التضامن مع فلسطين هي أكبر هيئة تعنى بحقوق الفلسطينيين في بريطانيا، ولها شركاء من 14 نقابة بريطانية، مما يجعلها هيئة موثوقة، وهي التي ظلت تقاضي الحكومة البريطانية لسنوات لانتزاع الحكم التاريخي حول قانونية مقاطعة الشركات التي تستثمر في المستوطنات.

ويبقى رقم 4 مليارات دولار مرشحا للارتفاع، بالنظر إلى لجوء عدد من المجالس المحلية إلى عدم الكشف عن استثماراتها، خصوصا تلك المتعلقة بإسرائيل.

وكان الاعتقاد السائد حتى قبل أسابيع قليلة أن استثمارات المجالس المحلية البريطانية في إسرائيل تبلغ ملياري جنيه إسترليني، ويساهم فيها 33 مجلسا محليا، قبل أن يظهر تحليل جديد للمعطيات البنكية والمالية أشرف عليه خبراء متعاونون مع حملة التضامن مع فلسطين، أن عدد المجالس التي تحول أموال تقاعد سكانها لإسرائيل بغرض الاستثمار هو 49 مجلسا محليا.

ومن بين 49 مجلسا يتعاون مع إسرائيل، فهناك -بحسب الدراسة- العديد من المجالس التي تضع أموالها في شركات متورطة في انتهاكات حقوق الإنسان، بل في شركات موضوعة على القائمة السوداء للأمم المتحدة في ما يتعلق بحقوق الإنسان وتصنيع الأسلحة.

ومن بين الشركات الموضوعة على القائمة السوداء للأمم المتحدة لحقوق الإنسان باعتبارها تنشط في المستوطنات وتساعد على الاستيطان، نجد المجموعة المكسيكية "سيميكس"، وهي شركة متعددة الجنسيات عملاقة للبناء وتصنيع معدات البناء، ومن بين المستثمرين في هذه الشركة مجلس "ويست يوركشير"، وهو المجلس الذي تبلغ استثماراته في شركات عاملة مع الاحتلال ما مجموعه 637 مليون جنيه إسترليني.

A general view shows a concrete plant of Mexican cement maker CEMEX in Monterrey (رويترز)
المجموعة المكسيكية "سيميكس" لأعمال البناء تنشط في عمليات الاستيطان (رويترز)

شركات الأسلحة

ومن خلال تتبع الشركات التي تستقبل أكبر حصة من استثمارات المجالس المحلية، يمكن الحديث عن صنفين مهمين: الأول يتضمن شركات الأسلحة والتكنولوجيا الحربية والأمنية، والثاني يتعلق بالمؤسسات البنكية وشركات التأمين. وعادة تلجأ المجالس المحلية إلى هذه الأخيرة لامتلاكها محفظة مالية تمكنها من تنويع الاستثمارات، وحتى لا تظهر هذه المجالس أنها تستثمر بشكل مباشر في شركات تعمل في المستوطنات والأراضي المحتلة.

ومن بين الشركات التي تزود جيش الاحتلال بالأسلحة والتكنولوجيا العسكرية، هناك شركة "بي أي إي" (BAE)، وهي التي توفر المعدات لمروحيات الأباتشي وطائرات "إف 16″، وهي المقاتلات التي استخدمها جيش الاحتلال أكثر من مرة في عدوانه على قطاع غزة.

وتعتبر شركة "BAE Systems" رابع أكبر شركة منتجة للسلاح في العالم، وهي حاضرة بقوة في استثمارات المجالس المحلية البريطانية، ولهذه الشركة شراكة مع مؤسسة لوكهيد مارتن المصنعة لطائرات "إف 35″، والتي استلمت إسرائيل نسخا منها خلال الفترة الماضية.

كما أن الشركة نفسها تصنع طائرات من دون طيار مهمتها حماية القطع البحرية الإسرائيلية التي تفرض الحصار على قطاع غزة. وبجرد للمجالس المحلية البريطانية التي تستثمر في هذه الشركة، فإن قيمة هذه الاستثمارات تفوق 10 ملايين جنيه إسترليني.

أموال نظام المعاشات التابع للمجالس المحلية البريطانية نجدها أيضا في شركة "باب كوك إنترناشيونال"، وهي شركة مصنفة في الترتيب 26 لكبرى الشركات المنتجة للسلاح في العالم، وحصلت على صفقات تصدير أسلحة لإسرائيل خلال الأعوام ما بين 2010 و2012، ولها شراكات مع شركات إسرائيلية لتطوير الأسلحة، وحصلت هذه الشركة على استثمار بقيمة 1.8 مليون جنيه إسترليني من مجلس محلي واحد.

وفي قائمة الشركات العاملة في مجال التقنيات الأمنية، هناك شركة "شيك بوينت" (Check Point software technologies) المتخصصة في الأمن المعلوماتي، وتشتغل مع هيئة الصحة الوطنية البريطانية، وتعتبر رابع أكبر الشركات الإسرائيلية في هذا المجال، كما أن قائمة مجلس الإدارة هي عبارة عن قادة سابقين في جيش الاحتلال، وتساهم هذه الشركة في تطوير الطائرات المسيرة، إضافة لأنشطة التجسس والمتابعة.

وعلى الرغم من أن شركة تصنيع السيارات البريطانية "رولز رويس" لا تخصص سوى ربع نشاطها لتصنيع محركات الطائرات الحربية والمحركات والغواصات النووية، فإنها تحتل المركز 17 عالميا في إنتاج الأسلحة. وفي سنة 2014 عندما نفذ جيش الاحتلال عدوانه على قطاع غزة، حصلت الشركة البريطانية على صفقة تصدير محركات الطائرات العسكرية لجيش الاحتلال، ومع ذلك فعدد من المجالس تستثمر في الشركة بمبالغ تفوق مليون جنيه إسترليني.

A man stands next to the logo of network security provider Check Point Software Technologies Ltd, at their headquarters in Tel Aviv, Israel (رويترز)
شركة "شيك بوينت" الإسرائيلية المتخصصة في الأمن المعلوماتي تعمل مع هيئة الصحة الوطنية البريطانية (رويترز)

محاولات التفاف

وتلجأ المجالس المحلية إلى المؤسسات البنكية وشركات التأمين للمرور عبرها بغرض الاستثمار في شركات أخرى، وكنموذج على ذلك هناك بنك "إتش إس بي سي" (HSBC) الذي يستثمر ما يفوق 830 مليون جنيه إسترليني في شركات إسرائيلية، بحسب الدراسة نفسها، ويوفر خدمات مالية بقيمة 19 مليار جنيه إسترليني لشركات توفر السلاح لجيش الاحتلال، ويوجد هذا البنك في صدارة المؤسسات البنكية التي تحظى باستثمار المجالس المحلية البريطانية.

ومن بين استثمارات هذه المؤسسة البنكية سنجد أنها تضع 100 مليون جنيه إسترليني في شركة "كتربيلر" (Caterpillar) التي تزود جيش الاحتلال بالجرافات التي تستعمل في هدم بيوت الفلسطينيين، وأيضا في بناء المستوطنات وجدار الفصل العنصري ونقاط التفتيش العسكرية.

وفيما يتعلق بشركات التأمين، فهناك أكثر من مؤسسة تأمين سواء بريطانية أو فرنسية ومنها من يستثمر في شركة إسرائيلية تدعى "Ilbit systems"، وهي شركة متورطة في انتهاكات جسيمة ضد الفلسطينيين.

دراسة للضغط

وكشف رئيس حملة التضامن مع فلسطين البروفيسور كامل حواش عن منهجية وضع هذه الدراسة، والتي تقوم على الحصول على المعطيات من صناديق نظام المعاشات التابع للمجالس المحلية، "لأن قوانين الشفافية تفرض على هذه الصناديق الإفصاح عن الشركات التي تستثمر فيها، ونحن قمنا بالبحث عن الشركات الإسرائيلية ثم الشركات التي تتعامل مع الاحتلال".

وأضاف أن المعيار الآخر  في الدراسة "كان البحث عن الشركات الموضوعة على القائمة السوداء لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة".

وأكد رئيس الحملة أن تجميع المعطيات تم عن طريق فروعها في كل المناطق البريطانية، وقال "نواصل البحث وتحديث معطياتنا.. والخطوة الحالية هي التواصل مع أمناء مجلس صناديق المعاشات لإقناعهم بعدم الاستثمار في هذه الشركات، ومع حكم المحكمة العليا البريطانية الذي كان لصالحنا أصبح بإمكاننا الضغط أكثر".

وعن ردود الفعل حول هذه المعطيات، أكد كامل حواش أن "اللوبي المناصر لإسرائيل اعتبر أن هذه الدراسة معادية للسامية، لكن النقابات الكبرى في البريطانية طالبت المجالس المحلية بالنظر والتدقيق أكثر في استثماراتها".

المصدر : الجزيرة