تهريب من بؤر صراع ومطية لغسيل الأموال.. الوجه المظلم لتجارة الذهب في دبي

The spread of the coronavirus disease (COVID-19), in Dubai
أحد مداخل سوق دبي للذهب (رويترز)

توالت في الأشهر الماضية التقارير الدولية والتحقيقات الصحفية عن الجانب المظلم لتجارة الذهب في الإمارات، وخصوصا في إمارة دبي التي تعد ضمن أكبر المراكز العالمية لهذه التجارة، إذ تمثل تجارة المعدن الأصفر فيها قرابة خمس الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.

وفيما يلي استعراض لأهم ما جاء في تقارير دولية وتحقيقات استقصائية وقضايا في المحاكم عن تهريب الذهب إلى دبي.

تقرير أممي
كشف تقرير للأمم المتحدة أوردته وكالة الأنباء العالمية يوم 13 يونيو/حزيران 2020 أن أطنانا من الذهب المنتج في جمهورية الكونغو الديمقراطية يتم تهريبها إلى جيرانها، ويصل بعضها إلى إمارة دبي.

وأوضح التقرير السنوي للجنة الخبراء التابعة لمجلس الأمن الدولي أنه يتم عن طريق الحدود الشرقية لجمهورية الكونغو تهريب كميات من الذهب تقدر قيمتها بمليارات الدولار. ويتم استخراج المعدن النفيس في مناجم ثقيلة أو ما يسمى بالتعدين الأهلي أو غير النظامي.

وقدر تقرير الخبراء الأمميين أنه تم تهريب 1.1 طن من الذهب من إقليم إيتوري شمال شرقي الكونغو الديمقراطية في العام الماضي.

وأكد التقرير أن أرباح عمليات تهريب الذهب إلى دبي والدول الأفريقية الأخرى مثل تنزانيا ورواندا وبوروندي، يتم استخدامها في إطالة أمد الصراع المفتوح بالكونغو، إلى جانب تمويل المليشيات المسلحة شرقي البلاد.

Men work at Makala gold mine camp near the town of Mongbwalu in Ituri province (رويترز)
جانب من العمل اليومي في أحد مناجم الذهب بإقليم إيتوري شمال شرقي الكونغو الديمقراطية (رويترز)

تقرير "فاتف"
نبهت مجموعة العمل المالي "فاتف" (FATF) إلى أن دولة الإمارات لا تفعل ما يكفي لمنع غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، وذلك بسبب استمرار وجود ثغرات في قطاعات -من بينها تجارة الذهب والعقار- يمكن أن يستغلها محترفو غسيل الأموال.

وأضاف تقرير مجموعة "فاتف" -وهي هيئة عالمية لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب تابعة لمجموعة الدول السبع- في آخر أبريل/نيسان الماضي، أن قطاع المعادن والأحجار النفيسة في الإمارات هو من بين أعلى القطاعات عرضة لممارسات غسيل الأموال، ومع ذلك لم تقم سلطات البلد الخليجي بين عامي 2013 و2018 إلا بتحقيقيْن بشأن التحويلات المشبوهة في ذلك القطاع.

وبحسب التقرير، فإن دبي -وهي أحد المراكز العالمية لتجارة الذهب- لم تشهد في الفترة المذكورة سوى 17 محاكمة فقط تتعلق بغسيل الأموال.

ويلاحظ التقرير أن عدد عمليات مصادرة المعادن والأحجار النفيسة في الإمارات قليل، مقارنة بكون البلاد مركزا عالميا لتجارة الذهب. ففي العام 2018 بلغ عدد عمليات المصادرة 88 فقط، مقارنة بـ150 عملية عام 2017، و86 في العام الذي قبله.

وأشار إلى أن تجارة المعادن النفيسة -وخصوصا الذهب والأحجار الكريمة- من أكثر القطاعات رواجا في دولة الإمارات، سواء للاستخدام الشخصي (الحلي) أو للاستثمار، أو إعادة التصدير.

واعتبر واضعو التقرير -الذي استغرق إنجازه 14 شهرا- أن مخاطر التعرض لغسيل الأموال متوسطة في المراكز المالية الحرة حيث تنشط عدد من شركات الذهب، ولكن المخاطر عالية في سوق دبي للذهب الذي يضم عددا كبيرا من التجار.

وحسب التقرير فإنه توجد في الإمارات 7089 شركة مرخصا لها بتجارة الذهب، وقد احتلت الدولة الخليجية عام 2016 المرتبة الثالثة عالميا في مجال تصدير الذهب بقيمة ناهزت 25.4 مليار دولار، أي 7.8% من الصادرات العالمية.

Indian police officials pack seized gold bars in a bag after they displayed it at a police station in Ahmedabad (رويترز)
كميات من الذهب المهرب من دبي عرضته الشرطة الهندية في مدينة أحمد آباد عقب عملية حجز (رويترز-أرشيف)

السرية المالية
وضع التقرير السنوي لمؤشر السرية المالية للعام 2020 دولة الإمارات ضمن الدول العشر الأولى في هذا المؤشر الذي صدر في مارس/آذار الماضي عن شبكة العدالة الضريبية، وتحدث في بعض فقراته عن علاقة قطاع الذهب بهذه السرية.

ويضيف التقرير أن اعتماد سلطات الإمارات سياسة عدم المساءلة بشأن أصل التدفقات المالية الواردة عليها، جعلها تستقطب عددا من كبار المجرمين الماليين في العالم، والذين ضخوا في اقتصاد الإمارة أموالا ضخمة، سواء نقدا أو على شكل حيازات ذهب.

وأشار تقرير السرية المالية الخاص بالإمارات إلى أن اسم دبي ذكر في عدد من كبريات عمليات غسيل الأموال في العالم، ومنها تجارة الذهب المهرب من مناطق النزاع في أفريقيا مثل دولة الكونغو، وأحال إلى تقرير لمنظمة "غلوبل ويتنس" العالمية المتخصصة في محاربة الفساد صدر عام 2014 بعنوان لافت "مدينة الذهب.. متى يرى النور أول تقرير مراجعة في دبي عن ذهب مناطق النزاع؟".

الخارجية الأميركية
ذكرت وزارة الخارجية الأميركية في تقريرها السنوي للعام 2020 والمتعلق بمراقبة تجارة المخدرات وغسيل الأموال، أن ما يجري في الإمارات من غسيل للأموال يتم أساسا عبر المصارف، وشركات الحوالات، والمعادن والأحجار النفيسة والعقار.

وأضاف التقرير الصادر في مارس/آذار الماضي أن القطاع المالي والتجاري في الإمارات ينطوي على "جوانب هشاشة نظامية فيما يتعلق بمحاربة غسيل الأموال، قد تستغلها أطراف لأغراض إجرامية".

مصافي الذهب
تغيب أسماء مصافي الذهب في دولة الإمارات عن قوائم مصافي الذهب المعتمدة لدى جمعية سوق لندن للسبائك (LBMA) في مجال احترام المعايير الجيدة في سلسلة توريد الذهب، وهي قوائم منشورة في الموقع الإلكتروني للجمعية.

وجمعية سوق السبائك في لندن هي المرجع العالمي في تداولات الذهب والفضة عبر أسواق المعدن النفيس، سواء من ناحية التسعير أو وضع معايير صناعة الذهب. وسبق أن نقلت وكالة رويترز عن المدير التقني في الجمعية قوله إنها "لا تشعر بالارتياح في التعامل مع المنطقة، بسبب مخاوف تتعلق بنقاط ضعف في الجمارك، والمعاملات النقدية والذهب المنقول يدويا".

القضاء البريطاني
قضت محكمة في لندن أواسط أبريل/نيسان الماضي بدفع 11 مليون دولار لأمجد ريحان الذي أجبر على الاستقالة من مؤسسة "إرنست ويونغ" للمحاسبة، إثر كشفه عن غسيل أموال وتجاوزات خطيرة في أكبر مصفاة ذهب بإمارة دبي.

وذكر منطوق الحكم القضائي أن شركة "إرنست ويونغ" تواطأت مع السلطات في دبي للتستر على معلومات تؤكد أن مؤسسة "الكالوتي الدولية للمجوهرات" التي تدير مصفاة للذهب، كانت متورطة في غسيل أموال نقدية بمليارات الدولارات.

وقد حصلت وحدة التحقيقات في شبكة الجزيرة على دليل يكشف كيف حاول مدراء شركة "إرنست ويونغ" إجبار ريحان على العودة إلى عمله في دبي، مع علمهم بأنه كان يخشى على سلامته. وكانت الشركة قد حذرته من أن يجهر بنتائج تدقيقه.

وكان ريحان يعتقد أنه لو عاد فسيجازف بتعريض نفسه للاعتقال على يد السلطات الإماراتية بتهمة الإضرار بسمعة البلاد، وذلك أن تدقيقه للحسابات وضعه في صدام مع مركز دبي للسلع المتعددة، الكيان الحكومي المسؤول عن تنظيم وترويج سوق الذهب الذي يدر مليارات الدولارات سنويا.

وتعود القصة إلى العام 2013، حينها ترأس ريحان تدقيقا بتكليف من مركز دبي للسلع المتعددة كجزء من تحرك يهدف إلى حمل سوق الذهب في المدينة على الانسجام مع المعايير العالمية للامتثال فيما يتعلق بمعادن الصراع وغسيل الأموال.

وخلص التدقيق الذي قاده ريحان إلى أن أكبر مصفاة ذهب في دبي ارتكبت مخالفات لا يمكن التسامح معها، بناء على نفس الإرشادات الصادرة عن مركز دبي للسلع المتعددة، إلا أن تقرير التدقيق أعيدت كتابتها قبل النشر لتجنب الكشف عن نتائجه السلبية.

وتمثلت المخالفات المسجلة في استيراد شركة "الكالوتي" سبائك ذهب من المغرب مطلية بالفضة كوسيلة للتهرب من ضوابط التصدير. وأضاف التدقيق أن الشركة اشترت ما قيمته 5.2 مليارات دولار من الذهب نقدا، بما في ذلك ذهب "صراع" من السودان. وقد ربطت تحقيقات لاحقة هذه العمليات التجارية بغسيل الأموال وتمويل الجريمة المنظمة.

تحقيق تلفزيوني
خصصت القناة الفرنسية الثانية برنامجها التحقيقي الشهير "كاش إنفستيغيشن" لشهر أكتوبر/تشرين الأول 2019 لتعقب شبكات لغسيل الأموال لديها علاقة بتجارة الذهب في دبي. فقد تعقب صحفيو القناة أموال مخدرات في رحلتها من فرنسا إلى بلجيكا حيث تُشترى بها سبائك ذهب ومجوهرات قبل شحنها إلى دبي.

وكشف التحقيق الاستقصائي أن شركة "الكالوتي" الإماراتية التي تملك أكبر مصفاة للذهب في البلاد، اشترت سبائك ذهب من أحد مبيضي أموال المخدرات بأكثر من خمسة مليارات يورو عام 2012. وخلص تحقيق القناة الفرنسية إلى أن الأموال يتم غسيلها في دبي عبر شبكة إجرامية معقدة، ويعاد ضخها في الأجهزة البنكية العالمية كأموال معلومة المصدر بتواطؤ من شركات صرافة إماراتية.

وأكدت وثائق بثتها القناة الفرنسية أن شركة "رونالد إنترناشيونال" قامت بغسيل ما قيمته 259 مليون يورو من أموال المخدرات في عام واحد.

المصدر : الجزيرة + وكالات + مواقع إلكترونية