عكس سياسة "المركزي".. لماذا رفعت البنوك المصرية الفائدة على شهادات الادخار؟

أربكت أزمة جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) حسابات البنك المركزي المصري الذي بادر إلى اتخاذ سلسلة من الإجراءات، وأصدر مجموعة من القرارات بهدف مواجهة التبعات السلبية على الاقتصاد المصري (الريعي).
وقلبت أزمة كورونا الطاولة مجددا، وفرضت واقعا جديدا أجبرت فيه الحكومة المصرية -وغيرها من الدول الناشئة- على اللجوء إلى صندوق النقد الدولي (الدواء المر)، طلبا لحزمة تمويل مالي لتمويل الموازنة العامة للدولة.
وبعكس سياسة البنك المركزي بخفض أسعار الفائدة 3% منتصف مارس/آذار الماضي، واصلت البنوك المحلية رفع أسعار العائد على الشهادات الادخارية بنسب متفاوتة بحد أقصى 15% لمدة عام، و14% لمدة عامين، و12.5% لمدة ثلاث أعوام، وسط تساؤلات بشأن تضارب الخطوتين.
ففي منتصف مارس/آذار الماضي، قرر البنك المركزي -بشكل مفاجئ وفي اجتماع استثنائي- خفض أسعار الفائدة 3%، ليصبح سعرا عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية عند مستوى 9.25% و10.25% و9.75% على التوالي.
وبرر المركزي وقتها القرار بأنه يأتي في ضوء التطورات والأوضاع العالمية، وما استتبعه من التحرك للحفاظ على المكتسبات التي حققها الاقتصاد المصري منذ انطلاق برنامج الإصلاح الاقتصادي، وبما يساهم في دعم النشاط الاقتصادي في كافة قطاعاته.
وفي نهاية الشهر ذاته، قيَّد المركزي المصري الحد اليومي لعمليات الإيداع والسحب النقدي في فروع البنوك عند أقل مستوى ليصبح عشرة آلاف جنيه للأفراد وخمسين ألفا للشركات، وخمسة آلاف جنيه من الصراف الآلي (الدولار= 15.7 جنيها)، قبل أن يعاود زيادة حد السحب النقدي للأفراد بداية من شهر رمضان، ولكنها ظلت مقيدة.
ورغم تأكيد "المركزي" أن القرار يهدف لتقليل التعامل بالأوراق المالية ومنع انتشار فيروس كورونا، فإن محافظ البنك المركزي طارق عامر صرَّح عشية إصدار القرار بأن المصريين سحبوا من البنوك 30 مليار جنيه خلال ثلاثة أسابيع، دون حاجة حقيقية لها.
وفي أحد فروع البنك الأهلي المصري، احتج بعض مندوبي الشركات على عدم وجود سيولة لسحب أموال لحساب شركاتهم وبعضها حكومية، ورد مدير الفرع بالقول "السحب أكثر من الإيداع، ولا توجد الأموال الكافية لصرف تلك الشيكات بسبب تزايد عمليات السحب"، مما دفع أحد مندوبي الشركات للتهديد بتحرير محضر في النيابة بالواقعة.
رفع أسعار الادخار
وعن أسباب رفع أسعار شهادات الادخار في البنوك على الرغم من قرار المركزي خفض أسعار الفائدة، قالت الخبيرة المصرفية سهر الدماطي نائبة رئيس بنك مصر السابق إن "البنك المركزي يحاول توفير فائدة ملائمة للمدخرين في ضوء تخفيض الفائدة الأساسية 3% في مارس/آذار الماضي، وبالتالي تراجعت نسب الفائدة على الودائع والشهادات".
وأضافت في تصريحات للجزيرة نت أن البنوك المحلية وفرت شهادات بفوائد مرتفعة مختلفة تتراوح ما بين 15.25% إلى 12.25% بحسب المدة الزمنية، مشيرة إلى أن حجم الودائع والشهادات يبلغ أربع تريليونات جنيه في الجهاز المصرفي المصري، وحصة الجانب العائلي فيها تبلغ 70%.
وشددت على أن الجانب العائلي يعتمد بشكل رئيس على فوائد مدخراتهم في حياتهم، نافية أن يكون الهدف منها هو جذب سيولة جديدة.
أما فيما يتعلق بخفض أسعار الفائدة 3% على الإيداع والإقراض، فإن الهدف منه هو تقليل التكاليف المالية الإنتاجية على النشاط الاقتصادي، وفق سهر الدماطي.

رحلة المواطن المنسي
المحلل المالي وخبير أسواق المال الدكتور وائل النحاس، ذهب إلى القول إن رفع أسعار الفائدة على شهادات الادخار هو ما أجّل جذب السيولة إلى الجهاز المصرفي من جهة، ودعم صغار المدخرين من جهة أخرى؛ لأنه في رحلة خفض سعر الفائدة هناك شريحة كبيرة من المصريين تضررت بدعوى أن الدولة تحقق نسب نمو مرتفعة.
وأكد في حديثه للجزيرة نت أنه بعد انتهاء فترة الشهادات ذات العائد المرتفع البالغ 20% و17%، حدث ركود في الأسواق، وتراجع "مؤشر مدير المشتريات" من 49.8 نقطة إلى 48.2، لذلك كان على البنك المركزي إعادة النظر في رفع قيمة شهادات الادخار.
وتساءل المحلل المالي: ماذا عن المواطن الذي يتحمل دائما تكاليف كل محاولات الإصلاح الاقتصادي منذ خمسينيات القرن الماضي وحتى اليوم، ومنذ ذلك الوقت تتوالى الوعود بالاقتراب من الخروج من عنق الزجاجة، ولكنه يفاجأ بخفض أسعار الفائدة.
فالبنك المركزي برفعه أسعار الفائدة على المدخرات، يحاول مساعدة شريك الإصلاح في توفير بعض السيولة له لضخها في السوق مجددا، وفق وائل النحاس.
وقال النحاس "السؤال الأهم هو: هل لدى الدولة خطط لإعادة تشغيل هذه الأموال أم ستتحول إلى ارتفاع التضخم؟ ماذا لو تفاقمت كورونا وطالبت الدول المقرضة كدول الخليج بودائعها التي تعاني من نظرة مستقبلية سالبة، هل الدولة جاهز لإعادة الأموال خاصة أن اقتصادها يتمتع بنظرة مستقبلية مستقرة، وهل الدولة قادرة على استيعاب العمالة العائدة؟