لماذا حذفت الحكومة المصرية 10 ملايين مواطن من قوائم الدعم؟

يصل الدعم إلى 71 مليون مصري- تصوير زميل مصور صحفي ومسموح باستخدام الصورة (2)
خفض الدعم أحد شروط صندوق النقد الدولي لمنح مصر قرضا بقيمة 12 مليار دولار (الجزيرة)

دعاء عبد اللطيف-القاهرة

قبل أكثر من أربعين عاما، أقدمت الحكومة المصرية على رفع الدعم عن عدد من السلع الأساسية، ولم يمر سوى يوم واحد على القرار الذي صدر، في 17 يناير/كانون الثاني 1977، حتى خرجت مظاهرات واسعة ضده، وهي ما عرفت بـ "انتفاضة الخبز"، وأدت إلى رضوخ النظام وتراجعه عن قراره.

وعلى مدار عقود ظلت انتفاضة الخبز إشارة حمراء تنبه السلطة للغضب الشعبي حال الاقتراب من قضية الدعم، لكن قبل سنوات قليلة شرعت الحكومة في عبور طريق حجب الدعم عن المواطنين بدعوى أنهم غير مستحقين، دون الالتفات إلى التنبيهات التي يطلقها التاريخ.

وتحت شعار تحقيق العدالة الاجتماعية وذهاب الدعم الحكومي لمستحقيه، شرعت وزارة التموين والتجارة الداخلية، في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، في حذف مواطنين من قاعدة بيانات الدعم، على مراحل متعددة ووفق معايير متنوعة.

تدريجيا أعلنت الحكومة مراحل الحرمان من الدعم التمويني بأرقام تبدو منخفضة، فلم يزد عدد المحذوفين عن 500 ألف مواطن خلال ثلاث مراحل جرت على مدار ثلاثة أعوام، غير أن وزير التموين علي مصيلحي أعلن قبل يومين قفزة في أعداد المحذوفين من قوائم دعم الخبز ليصلوا إلى عشرة ملايين مصري لا يستحقون دعما بقيمة خمسة مليارات جنيه (الدولار يعادل 15.75 جنيها)

وفي تصريحات متلفزة أرجع الوزير سبب القرار إلى اكتشاف كمية كبيرة من الأخطاء ببطاقات التموين، ووجود أسماء مكررة وأرقام خاطئة ببطاقات الرقم القومي لبعض المواطنين، مما دفع الوزارة إلى حذفها من قوائم المستحقين للدعم.

حذف لا رفع
وحسب الوزير فلم ترفع الحكومة يدها عن دعم أسعار سلع أساسية كالخبز والزيت والسكر لنحو 71 مليون مصري، كما حدث في الماضي، لكنها في المقابل فتشت عمن لا يستحقون الحصول على السلع بأسعار مخفضة.

وكانت التصريحات الرسمية واضحة في هذا الخصوص، ففي يناير/كانون الثاني الماضي نفى وزير التموين نية الحكومة تخفيض الدعم أو إلغاءه، وقال في الوقت نفسه إن "هناك اختلافا كبيرا في دخل المواطنين، وكل الدول تعتمد على الدعم لتحقيق العدالة الاجتماعية".

وبلغت مخصصات الدعم المعطاة لوزارة التموين في الموازنة المالية (2019ـ2020) نحو 89 مليار جنيه لدعم السلع التموينية، منها 38 مليار جنيه للتموين (يضم سلعا رئيسية مثل الأرز والزيت والسكر)، و51 مليار للخبز، و64 مليونا و400 ألف من المقررات التموينية.

ويصل نصيب الفرد المقيد في البطاقة التموينية إلى خمسين جنيها لأول أربعة أفراد وبقية الأفراد 25 جنيها، يحصل من خلالها على سلع غذائية وغير غذائية، إضافة إلى 150 رغيف خبز شهريا بسعر خمسة قروش للرغيف الواحد.

وبحسب البيانات الرسمية، تبلغ تكلفة إنتاج الرغيف 62.5 قرشا بينما يحصل عليه المواطن عبر البطاقة التموينية بسعر خمسة قروش، ويتم إنتاج 250 مليون رغيف خبز يوميا.

ويبدو أن وزير التموين حاول التمهيد لإعلان إخراج ملايين المصريين من قوائم الدعم عبر التبشير بزيادة الدعم الحكومي المخصص لصالح التموين بحيث لا يقل عن 96 مليار جنيه.

ففي مارس/آذار الماضي، أعلن الوزير مباحثات حكومية لزيادة الدعم المخصص لصالح التموين في الموازنة الجديدة، مرجحا زيادته لأسباب عدة، أبرزها المواليد الجدد المرجح إضافتهم إلى البطاقات التموينية خلال العام الجاري، وزيادة الدعم المخصص للفرد الواحد المقيد على البطاقة التموينية.

وكانت وزارة التموين أعلنت قبول إضافة المواليد الجدد من عام 2006 إلى 2015 على البطاقات التموينية، بحد أقصى ثلاث مواليد فقط على كل بطاقة، وجرى قبول حوالي خمسة ملايين مولود في انتظار إضافتهم.

‪الخبز من السلع الأساسية في مصر ويعتمد عليه الفقراء في طعامهم‬ (الجزيرة)
‪الخبز من السلع الأساسية في مصر ويعتمد عليه الفقراء في طعامهم‬ (الجزيرة)

معايير الحذف
وأعلنت الحكومة معايير مختلفة خلال المراحل الأربع التي جرى خلالها حذف مواطنين من قوائم الدعم. وعبر بيانات رسمية وتصريحات مسؤولين نجد أن معايير الحذف اشتملت على معدلات الدخل والإنفاق والاستهلاك.

وتدرجت المعايير في تصفية مستحقي الدعم فتضمن مؤشرات استهلاك الكهرباء فوق ألف كيلو وات شهريا، واستهلاك المحمول أكثر من ألف جنيه شهريا، وكذلك من له أبناء في المدارس الأجنبية، ومن يدفع أكثر من 30 ألف جنيه سنويا لتعليم أبنائه، وكذلك من له سيارة موديل فوق 2014، وكذلك الحيازة الزراعية فوق عشر أفدنة.

ثم طرحت الحكومة معايير أخرى، منها استبعاد الأسر التي تلحق أبناءها في مدارس خاصة ويتجاوز مصروفات الطالب الواحد 20 ألف جنيها سنويا، والأسر التي يزيد إجمالي دخلها الشهري عن 10 آلاف جنيه والأسر التي تمتلك عقارين فأكثر وأحدهما في المناطق الجديدة أو المناطق السياحية.

بعد ذلك، زادت الحكومة في تضييق المعايير لتصل إلى حذف الأسر التي يزيد معدل استهلاكها من الكهرباء شهريا عن 650 كيلو وات، وأصحاب فواتير المحمول التي تزيد على ستة آلاف جنيه سنويا، وأصحاب الضرائب على الشريحة الأولى من الدخل، وأصحاب الشركات ممن يبلغ رأس مالها عشرة ملايين جنيه فأكثر، ومالكي أكثر من سيارة موديل 2011 فأعلى.

وعلى ضوء المعايير السابقة حذفت وزارة التموين أكثر من مليوني مواطن من البطاقات التموينية، ضمن ثلاث مراحل، غير أنها وبعد النظر في تظلمات المواطنين أعادت 1.8 مليون مواطن إلى قوائم الدعم خلال الفترة من فبراير/شباط 2019 حتى سبتمبر/أيلول من العام نفسه، ليتم استبعاد 500 ألف مواطن فقط.

وبعد إتمام المرحلة الرابعة استبعد ما يقرب من 400 ألف مواطن في سبتمبر/أيلول الماضي، مع عودة 464 ألف بطاقة تموينية من المتظلمين في يناير/كانون الثاني الماضي، لتنتهي الأمور في أبريل/نيسان الجاري إلى استبعاد عشرة ملايين مواطن حسب تصريحات الوزير.

قرار عادل
من جهته، رأى الخبير الاقتصادي الدكتور عبد النبي عبد المطلب أنه لا يمكن المقارنة بين ما حدث خلال سبعينيات القرن الماضي حيث مستويات الدخل كانت متدنية في ظل ظهور طبقة طفيلية تاجرت بقوت الشعب بهدف الثراء مما زاد من غلاء الأسعار.

وأضاف للجزيرة نت أن تلك الطبقة هي التي ثار ضدها الناس، بعكس ما يحدث في الوقت الراهن حيث تحاول الحكومة تنقية البطاقات التموينية ولا تستهدف رفع الأسعار.

وأيد عبد المطلب التوجه الحكومي، قائلا "إذا كان هناك من يدفع عدة آلاف لأولاده في المدارس الخاصة، فهو ليس في حاجة إلى سبعين جنيها تموين شهريا".

وبالنسبة للقفزة الحاصلة في أرقام المستبعدين من مئات الآلاف حتى سبتمبر/أيلول الماضي إلى عشرة ملايين في أبريل/نيسان الجاري، أوضح الخبير الاقتصادي أن الحكومة اعتمدت في البداية على بيانات تخص رواتب الموظفين والبطاقات الضريبية لأصحاب الأعمال وهو ما أدى لبطء عمليات الحصر.

وأضاف أن وزارة التموين اعتمدت مؤخرا على فواتير الكهرباء والهاتف لاستبيان دخول المواطنين ومن ثم استبعادهم أو الإبقاء عليهم في قوائم البطاقات التموينية.

غير أن المعايير الحكومية ربما لا تعبر بدقة عن حال المواطن، وضرب عبد المطلب مثالا بموظف يعمل في مجال التسويق ويعتمد عمله على إجراء المكالمات الهاتفية، فقد تكون فاتورة هاتفه أكبر من راتبه، لأن المؤسسة التي يعمل بها هي من تدفع الفاتورة.

لذلك فتحت الحكومة باب التظلمات وأعادت نحو مليوني مواطن إلى قوائم الدعم مرة أخرى.

وبالإضافة إلى استبعاد غير المستحقين للدعم، لفت الخبير الاقتصادي إلى حذف الحكومة للأسماء المكررة والوهمية المسجلة إبان حكم الحزب الوطني الديمقراطي (الذراع السياسية للحكم في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك).

ومضى قائلا "أعضاء المجالس المحلية استغلوا علاقتهم بالحزب الوطني لاستخراج تصاريح لمكاتب تموين ومن ثم استغلالها للحصول على دعم حكومي دون وجه حق".

في الإطار نفسه، اعتبر أستاذ الاقتصاد بجامعة أوكلاند الأميركية الدكتور مصطفى شاهين استبعاد غير المستحقين للدعم خطوة ممتازة تستهدف تحسين الخدمة.

وأثنى شاهين في حديثه للجزيرة نت على المعايير التي وضعتها الحكومة لتحديد المستحق وغير المستحق للدعم، لكن في الوقت نفسه دعا الحكومة إلى تحصيل الضرائب من رجال الأعمال وأصحاب الأعمال.

اشتراطات أجنبية
غير أن بعض الخبراء ربطوا بين الاتجاه الحكومي لحذف مواطنين من البطاقات التموينية واشتراطات صندوق النقد الدولي لحصول مصر على قرض بقيمة 12 مليار دولار، على دفعات بدأت في نوفمبر/تشرين الثاني 2016 وانتهت في أغسطس/آب الماضي.

وتضمنت اشتراطات صندوق النقد الدولي خفض الإنفاق العام وزيادة الإيرادات.

التضحية بالفقراء
وفي ذلك أكد وزير التضامن الاجتماعي الأسبق الدكتور جودة عبد الخالق، اتساع الفقر في مصر بسبب اتباع سياسات اقتصادية خاطئة، موضحا أن الحكومة تنفذ برنامج صندوق النقد الدولي.

وأضاف في تصريح صحفي أن الحكومة سعت من أجل تخفيض عجز الموازنة العامة للدولة للحصول على قروض من جهات أجنبية، وحملت الطبقات الفقيرة تكاليف ما يسمى بالإصلاح.

ودلل على رأيه قائلا "الميزانية المخصصة لبند الأجور في موازنة العام الحالي تقدر بـ 262 مليار جنيه ارتفعت عن العام الماضي بنحو 10%، في حين أن معدلات التضخم ارتفعت إلى أكثر من 13%، وهذا يعني أن زيادة الأجور أقل من معدل التضخم".

وفيما يخص الدعم، أوضح عبد الخالق أن قيمته انخفضت مع ارتفاع الأسعار وزيادة معدلات التضخم.

وتعليقا على شطب مواطنين من بطاقات التموين بدعوى مراجعة البيانات وحذف غير المستحقين، قال وزير التضامن الأسبق إن "الحكومة تضحي بالفقراء في سبيل سداد ديونها ودفع فوائد هذا الدين، مبينا أن المبلغ المخصص لفوائد الدين العام في الموازنة يصل إلى 581 مليار جنيه، وهو أكثر من ضعف المخصص للأجور والدعم".

المصدر : الجزيرة