تجاهل قواعد الاقتصاد.. هذا ما خلفه الصراع بين المتحاربين في سوق النفط

تعرّف إلى أعلى 10 وظائف أجرا في مجال النفط والغاز
فترة الأشهر الستة المقبلة قد تكون حاسمة في هذا الصراع وسوف تدفع طرفيه إلى القبول باتفاق (غيتي)

عبد الحافظ الصاوي

من أكبر الأخطاء التي ارتكبتها المملكة العربية السعودية وروسيا في حربهما على أسعار النفط في السوق الدولي ظنهما أن بيدهما مفاتيح اللعبة، وأنهما صاحبتا كل المتغيرات في معادلة أسعار النفط، وبلا شك أن القدرة الكبيرة على الإنتاج وضخه في الأسواق عامل مهم، ولكنه ليس كل العوامل. 

فكارثة الكساد الكبير التي عاشها الاقتصاد العالمي عام 1929 كانت بسبب تصرف المنتجين من قاعدة أن العرض يخلق الطلب، ومنذ ذلك التاريخ تغيرت مسلمات النظرية الاقتصادية، وأصبح العكس هو الصحيح، بأن الطلب هو من يخلق العرض. 

وبعد أن أعلنت مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا غورغييفا أن الاقتصاد العالمي قد دخل بالفعل مرحلة الركود فإن من البديهي أن سياسات إنتاج واستهلاك النفط قد تغيرت عن ذي قبل، فوباء كورونا أصبح هو المتغير المستقل في معادلة تعافي الاقتصاد العالمي، وبالتالي هو المتحكم في عودة سوق النفط إلى معدلاتها الطبيعية أو عدمه. 

وعلى الرغم من التحليل الظاهر لأزمة حرب الأسعار في سوق النفط بين السعودية وروسيا من كونه يتعلق بالجوانب الاقتصادية على صعيد الإنتاج والاستهلاك أو العرض والطلب فإن الأمر له خلفياته السياسية كذلك. 

 فقراءة روسيا للتصرف السعودي تتعلق بالمصالح الأميركية، وإن حرص السعودية على خفض سقف الإنتاج يصب في صالح شركات إنتاج النفط الصخري الأميركية التي عنيت بخسائر كبيرة بل وتوقفها عن الإنتاج، بسبب انخفاض أسعار النفط، فوجهة نظر روسيا هي أن السعودية تخوض حربا بالوكالة. 

‪القراءة الروسية لحرص السعودية على خفض سقف الإنتاج تصب في صالح شركات إنتاج النفط الصخري الأميركية‬ القراءة الروسية لحرص السعودية على خفض سقف الإنتاج تصب في صالح شركات إنتاج النفط الصخري الأميركية (رويترز)
‪القراءة الروسية لحرص السعودية على خفض سقف الإنتاج تصب في صالح شركات إنتاج النفط الصخري الأميركية‬ القراءة الروسية لحرص السعودية على خفض سقف الإنتاج تصب في صالح شركات إنتاج النفط الصخري الأميركية (رويترز)

تهاوي الأسعار 
وعلى ما يبدو فإن توقعات البعض بوصول سعر النفط واستقراره عند حاجز 20 دولارا للبرميل أصبح أملا صعب المنال، فأسعار السوق صباح الاثنين 30 مارس/آذار 2020 هي 23 دولارا لبرميل النفط من خام برنت، ونحو 19.9 دولارا لبرميل النفط من الخام الأميركي. 

ولم تفلح الأخبار الواردة من الصين بشأن سيطرتها على الوباء في تحريك الأسعار بسوق النفط أو حتى تماسكها، فإذا كان الوباء قد شهد انحسارا في الصين فإنه ينطلق بشكل كبير في أميركا صاحبة أكبر اقتصاد في العالم، والتي تتحكم في سوق النفط العالمي بشكل كبير عبر شركاتها متعددة الجنسية في مجالات الاستثمار المختلفة بسوق النفط، أو من خلال بيانات الاستهلاك الداخلية الخاصة بها، أو أرصدة المخزون الإستراتيجي لديها من النفط، والتي تتحكم ببياناتها في أسعار النفط صعودا وهبوطا. 

والصراع في حرب الأسعار بسوق النفط ليس أكثر من صراع مغارم، فمنظمة "إسكوا" نشرت عبر موقعها مؤخرا أن خسائر المنطقة العربية من انخفاض أسعار النفط خلال الفترة من يناير/كانون الثاني إلى منتصف مارس/آذار 2020 وصلت إلى 11 مليار دولار، وإذا ما استمرت أسعار النفط منخفضة عند 30 دولارا للبرميل فإن ذلك يعني خسائر للدول النفطية بالمنطقة بحدود 550 مليون دولار يوميا تقريبا. 

وكان وزير المالية الروسي أنطون سيليانوف قد أعلن منتصف مارس/آذار 2020 أن ميزانية دولته سوف تخسر نحو 39 مليار دولار من العوائد المقدرة لصادرات النفط خلال 2020، بسبب انخفاض أسعار النفط في السوق الدولي، وبلا شك أن خسائر الميزانية الروسية سوف تزداد بسبب انخفاض أسعار النفط في السوق الدولي عما كانت عليه في منتصف مارس/آذار 2020.  

الشرط الصعب 
من خلال ما تبثه وسائل الإعلام من قبل مسؤولين في كل من السعودية وروسيا عن إمكانية العودة إلى ما يعرف بـ"أوبك بلس" والاتفاق على خفض سقف الإنتاج وجدنا أن كلا من الجانبين يعلق تلك العودة على المستحيل، فالجانب الروسي يشترط وجود أطراف أخرى للاتفاق مع أوبك، بالإضافة إلى السعودية، وروسيا بهذا المطلب تريد أن تضعف الموقف السعودي داخل أوبك، لتصبح أوبك فيما بعد ورقة في يد روسيا، وليست كيانا مقابلا لها. 

بينما تدرك السعودية أهداف المطلب الروسي وتصر السعودية على العودة إلى اتفاق تخفيض سقف الإنتاج بين أوبك والمنتجين خارجها -وعلى رأسهم روسيا- إلى ما كان عليه قبل مارس/آذار 2020، وأن تتجه الدول المنتجة لمزيد من تخفيض الكميات المنتجة من النفط. 

والذي نرجحه بهذا الصراع أنه في بدايته، وأن خسائر كل من السعودية وروسيا لم تصل إلى مرحلة الإيلام بعد، ولكن قد تكون فترة الأشهر الستة المقبلة حاسمة في هذا الصراع، وسوف تدفع طرفي الصراع إلى اتفاق لعدة أسباب، منها: أن فاتورة الخسائر ستكون أكبر من طاقتهما، كما أن كلا من روسيا والسعودية لن تتحكما في المنتجين الآخرين، بسبب التداعيات السلبية لأزمة وباء كورونا، وسوف تكون هذه الدول مضطرة للإنتاج بغض النظر عن المطالب الروسية أو السعودية. 

كما أن احتمالية التوصل طبيا إلى علاج أو مصل لوباء كورونا واردة خلال الأشهر الستة المقبلة، وهو ما من شأنه أن يدفع لتحريك النشاط الاقتصادي، وبالتالي تحسن أسعار النفط، ولكن لن تعود إلى ما كانت عليه قبل مارس/آذار 2020، بل ستظل في معدلات منخفضة في حدود الـ30 دولارا للبرميل لفترة حتى تستعيد المؤسسات الاقتصادية عافيتها، وتؤتي خطط تحفيز الاقتصاديات المختلفة ثمارها، وتكون قادرة على تعويض خسائرها بسبب كورونا، وأن تقبل زيادات أخرى في سعر النفط. 

وبالتالي سيكون على كل من السعودية وروسيا القبول باتفاق على كميات الإنتاج، والوصول لأسعار مقبولة، ولكن بعد فوات الأوان.

لن يكون أمام المتصارعين في حرب أسعار النفط  سوى الرهان على الدول النامية المستوردة للنفط (غيتي)
لن يكون أمام المتصارعين في حرب أسعار النفط  سوى الرهان على الدول النامية المستوردة للنفط (غيتي)

خيارات محدودة 
ثمة بيانات تصدر عن المؤسسات النفطية بأن طاقات مصافي التكرير غير قادرة على استيعاب فوائض إنتاج النفط، كما أن مخازن النفط الخام أصبحت مترعة ولا تستطيع استيعاب المزيد، في حين يصرح الرئيس التنفيذي لشركة أرامكو أمين الناصر أن شركته سوف تدفع للسوق نحو 12.3 مليون برميل يوميا في أول أبريل/نيسان 2020، بزيادة قدرها 300 ألف برميل.

ولن يكون لذلك أثر على سوق النفط سوى المزيد من هبوط الأسعار، ولكن سياسة الإصرار على إغراق السوق بكميات أكثر من طاقاته لها حدود، فعلى ماذا تراهن السعودية أو روسيا؟ 

إن خيار الدول الكبرى المستوردة للنفط لا يمكن الرهان عليه بعد أن توفرت لديها أرصدة كافية من المخزون الإستراتيجي من النفط، ولم تعد بنيتها الأساسية للتخزين قادرة على استيعاب كميات أخرى، كما أن من سارع بالشراء بعد انهيار الأسعار عند 30 دولارا للبرميل يشعر بخسائر كبيرة بعد أن وصلت الأسعار لما دون 25 دولارا للبرميل. 

ولن يكون أمام المتصارعين في حرب أسعار النفط سوى الرهان على الدول النامية المستوردة للنفط، وهي بطبيعة الحال تعاني أمرين، الأول الأزمة التمويلية، فهذه الدول لن يكون في مقدورها استيراد كميات كبيرة من النفط إلا من خلال التسهيلات الائتمانية الممتدة، والتي توفر لها فترات سماح طويلة في السداد. 

والعامل الثاني في خيار اللجوء للدول النامية كمستورد للنفط الزائد من قبل الدول المتصارعة هو عدم وجود بنية أساسية تسمح للدول النامية بالتخزين، ومن هنا لو قبلت الدول المنتجة بالتسهيلات الائتمانية الممتدة لصالح الدول المستوردة فلن يسعفها وجود بنية أساسية تمكنها من ذلك، ومن هنا يصبح هذا الخيار محدودا.

ولا تخرج الحرب على أسعار النفط في السوق الدولي عن كونها توصيفا دقيقا لسلوك الدول المتخلفة في إهدار مواردها الاقتصادية، ومما يزيد الطين بلة أن هذه الحرب تأتي في أوقات عصيبة على اقتصادات الدول المتحاربة. 

المصدر : الجزيرة