رغم انتشار الفقر باعتراف الحكومة.. لماذا يزيد عدد الأثرياء بمصر؟

ياسر سليم - الفقراء هم وقود الحشد وجذبهم عبر المعونات ـ تصوير خاص لدعايات السيسي ف انتخابات الرئاسة 2018 ـ مصر - خطط حشد الناخبين للاستفتاء على تعديلات السيسي الدستورية
الحكومة المصرية تقول إن الإصلاح الاقتصادي كان الدواء المر والحل الوحيد للاقتصاد، فيما تتهمها المعارضة بالعمل ضد الفقراء (الجزيرة)

محمد عبد الله-القاهرة

تقرّ الحكومة المصرية بأن تقلبات برنامج الإصلاح الاقتصادي الخاص بصندوق النقد الدولي هي السبب الرئيسي في ارتفاع نسبة الفقر في مصر، لكن هذا الفقر كان من نصيب الطبقات الفقيرة ومحدودي الدخل فقط، فيما زادت ثروة الأغنياء وزاد عددهم. 

وبحسب آخر تقرير للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر، ارتفعت معدلات الفقر في البلاد لتصل إلى 32.5% من عدد السكان بنهاية العام المالي 2017-2018، مقابل 27.8% لعام 2015-2016، مما يعني وجود أكثر من 32 مليون فقير في مصر.

وأرجعت وزيرة التخطيط المصرية هالة السعيد السبب الرئيسي في ارتفاع معدلات الفقر بنسبة 4.7%، إلى تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي خلال الفترة بين عامي 2016 و2018، وهو ما تطلب تكلفة على المجتمع والدولة.


أثرياء وفقراء
وفي مايو/أيار 2019، ذكر البنك الدولي أن "حوالي 60% من سكان مصر إما فقراء أو أكثر احتياجا".

ويصف البنك الدولي بالفقر كل من عاش بأقل من 3.20 دولارات في اليوم (96 دولارا في الشهر) في البلدان المتوسطة الدخل، أما صفة الفقر المدقع، فتطلق على من يعيش بأقل من 1.90 دولار للفرد في اليوم الواحد (57 دولارا في الشهر).

في المقابل كشف تقرير صادر حديثا عن مؤسسة نايت فرانك للاستشارات العقارية، أن مصر تحتل المركز الثاني بين الدول التي تشهد أعلى نمو في عدد الأثرياء بحلول عام 2024، حيث كان فيها 740 شخصا يمتلكون أكثر من 30 مليون دولار (469 مليون جنيه) عام 2014، وارتفع هذا الرقم إلى 764 شخصا في 2019، ومن المتوقع أن يصل إلى 1269 شخصا في 2024. 

كما زاد عدد من يمتلكون أكثر من مليون دولار (15.6 مليون جنيه) من نحو 45 ألف شخصا سنة 2014، ليصل إلى أكثر من 57 ألفا في 2019، ومن المتوقع أن يصبح العدد 96 ألفا في 2024.

ومنذ الإجراءات الاقتصادية التي تصفها الحكومة بالخطوات الإصلاحية، تقول المعارضة المصرية إن نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي اختار الحل السهل عبر الديون وتحميل الفقراء أعباء الفشل الاقتصادي، فيما تقول الحكومة إن تلك الخطوات كانت بمثابة الدواء المر والحل الوحيد للاقتصاد المصري.


نمو طبقي
ويصف الخبير الاقتصادي رئيس منتدى القيمة المضافة أحمد خزيم، زيادة عدد الأثرياء بأنه ليس مؤشرا اقتصاديا إيجابيا بل هو مؤشر سلبي، لأنه نمو في الثروات وليس في الاقتصاد، ونمو طبقي لا مجتمعي، مضيفا أن "هذه الثروات في نهاية المطاف مصيرها للخارج".

وأكد خزيم في حديثه للجزيرة نت أن الطبقة المتوسطة هي الطبقة الوازنة للدولة وليس للنظام، بعكس الطبقة الثرية، وبالتالي لو قامت ثورة جياع فستغادر هذه الطبقة مصر فورا.

وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن زيادة الطبقة الثرية لا يعني أنه مؤشر على تعافي الاقتصاد، إنما التعافي هو الحفاظ على الطبقة الوسطى، متابعا "عندما يكون معادل اتساع طبقة الفقر على حساب الطبقة الوسطى، فهذا لا يعطي أمانا ولا اتزانا للدولة".

وشدد على أن المؤشر الحقيقي لنمو أي اقتصاد هو مدى الحفاظ على الطبقة الوسطى في مقابل وتراجع نسب الفقر والفقراء، مضيفا "لكن زيادة عدد الأثرياء هو نمو طبقي ونمو رأسي لمجموعة أصحاب الثروات وليس لصالح الاقتصاد".

وقال إنها كارثة إذا لم تصرف الثروة في أوجه  اقتصادية مختلفة وتركزت في يد فئة معينة وقطاع واحد من الأنشطة، مضيفا "لا بد أن يكون الاقتصاد متعدد الأوجه والطبقات".


إستراتيجية إفقار
من جانبه، اتهم المستشار الاقتصادي حسام الشاذلي الحكومة المصرية بانتهاج ما وصفها بـ"إستراتيجية اقتصادية قد تتسبب في إفقار الجزء الأكبر من الشعب المصري، كنتيجة حتمية لآليات غير مدروسة وعشوائية في اتخاذ القرارات".

وأضاف الشاذلي -في تصريحات للجزيرة نت- أن "المنظومة الاقتصادية المصرية هي صورة متطابقة من منظومة الاقتصاد المسموم، والتي تقضي على الطبقة المتوسطة وتحرك خط الفقر سلبيا، وتزيد عدد الأثرياء، وترحل كل المديونيات للأجيال القادمة لكي تستفيد طبقة محددة من مشاريع غير ذات أولوية، ولا تساهم بأي صورة في خلق اقتصاد حقيقي".

وحذر المستشار الاقتصادي من أن الكثير من المؤشرات الاقتصادية -سواء المحلية أو الدولية- هي "مؤشرات خادعة، تعطي مؤشرات كاذبة تعتمد على الاقتصاد الكلي المبني على القروض وعلى الحسابات التراكمية، وتتجاهل الاقتصاد الجزئي الذي يرتبط مباشرة بحياة المواطنين".

المصدر : الإعلام المصري + الجزيرة