دول الخليج في مواجهة مخاوف الإيرادات.. هل تراجُع الطلب على النفط بداية لنهاية عصره؟

قال تقرير بوكالة الأنباء الألمانية إن عام 2020 قد يكون بداية النهاية لازدهار النفط، وإن دول الخليج قد لا يكون بوسعها الانتظار، في ظل مخاوف من تراجع الإيرادات.
وبصفتها أول عملاق في هذا القطاع، أعلنت مجموعة "بريتيش بتروليوم" (BP) في سبتمبر/أيلول أن عصر الطلب المتزايد على النفط قد انتهى، متوقعة أن الاستهلاك قد لا يصل أبدا إلى مستوى ما قبل بدء أزمة كورونا.
وكتب البنك الدولي في توقعاته لسوق المواد الخام في أكتوبر/تشرين الأول الماضي أن الجائحة يمكن أن تكون لها "تأثيرات دائمة" على الطلب.
كان القطاع يناقش سيناريوهات منذ خمسينيات القرن الماضي فيما يسمى بنظرية "ذروة النفط" -وهي النقطة الزمنية التي يصل فيها إنتاج النفط العالمي إلى ذروته- وبعد ذلك تستمر الأمور في الانحدار، وفقا لتلك النظرية.
وخلال ذلك، لم يعد الجدل يدور حول الاحتياطيات المستنفدة والحد الأقصى للإنتاج، بل حول انخفاض الطلب في يوم من الأيام.
وتوقع صندوق النقد الدولي في فبراير/شباط الماضي -أي قبل كورونا- أن يتم الوصول إلى هذه النقطة في عام 2040 "أو قبل ذلك بكثير"، كما لم يستبعد "اتجاها تنازليا قويا ومستمرا" في الطلب، عازيا ذلك أيضا إلى تباطؤ النمو السكاني في العالم، وفق ما يذكر تقرير وكالة الأنباء الألمانية.
يُضاف إلى ذلك تشديد قوانين حماية المناخ وزيادة الضرائب على انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، فمع اتفاقية باريس لحماية المناخ عام 2015، ازداد الضغط على الدول لشراء وحرق كميات أقل من النفط.
ففي ألمانيا على سبيل المثال، لن يُسمح بتركيب أنظمة التدفئة بالزيت سوى في حالات استثنائية اعتبارا من عام 2026. وينمو السوق الألماني للسيارات الكهربائية أيضا بفضل حوافز الشراء الشهيرة للسيارات الكهربائية. ومع ذلك، فإن الولايات المتحدة والصين هما أكبر مستهلكتين للنفط إلى حد كبير.

منتقدو نظرية "ذروة النفط"
من ناحية أخرى، يجادل منتقدو نظرية "ذروة النفط" بأن التنبؤات في سوق النفط كانت في كثير من الأحيان بعيدة عن الواقع. وعلى أية حال، فإنه من غير الممكن تقديم تنبؤات موثوقة عن حركة النقل البري والجوي، وكذلك عن العمل من المنزل عقب انتهاء أزمة كورونا، لكن قائمة المحللين الذين يتوقعون ارتفاع أسعار النفط في السنوات الـ15 المقبلة آخذة في الازدياد، وفقا لتقرير صادر عن وكالة بلومبيرغ للأنباء الاقتصادية.
ومن بين هؤلاء شركة النفط النرويجية "إكوينور" (Equinor)، والتي تتوقع الارتفاع بحلول عامي 2027 و2028، ومجموعة "توتال" الفرنسية (TOTAL) (بحلول 2030)، وشركة الاستشارات الإدارية "ماكينزي" (McKinsey) (بحلول 2033). وتتحدث منظمة البلدان المصدرة للنفط "أوبك" (OPEC) عن ارتفاع في أسعار النفط بحلول عام 2040.
تحذيرات
وحتى ذلك الحين لا تريد أو لا تستطيع دول الخليج -التي تنتج خُمس إنتاج النفط العالمي- الانتظار، كما ينقل تقرير وكالة الأنباء الألمانية.
ويحذر صندوق النقد الدولي من أنه يمكن أن تستنفد هذه الدول أصولها في غضون 15 عاما في حال كان التطور سلبيا، ويتحدث الصندوق عن "تحد كبير" فيما يتعلق بميزانيات هذه الدول.
وبالنسبة لدول الخليج ذات الكثافة السكانية المنخفضة، مثل الكويت وقطر والإمارات العربية المتحدة، يبدو أن التهديد أقل تأثيرا على الناحية الوجودية، لكن قد يكون الأمر أكثر صعوبة بالنسبة لسلطنة عمان والبحرين، مع احتياطياتهما النفطية الأصغر.
وأيضا للسعودية -المصدر الأول للنفط في العالم- حيث يعيش 34 مليون شخص. وتمضي السعودية -حيث يشكل النفط ما يقرب من 70% من إيرادات الدولة- في إعادة الهيكلة الاقتصادية، وفق تقرير "الألمانية".

روسيا وفنزويلا
وفي روسيا -القوة العظمى في مجال المواد الخام وثاني أكبر مصدر للنفط بعد المملكة العربية السعودية- لا تزال ميزانية الدولة تعتمد على الإيرادات الدولارية للنفط بنسبة حوالي 30%.
يقول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن بلاده بدأت في التخلص من "شوكة" تجارة النفط والغاز. لذلك لم يعد هناك أي سبب لتشويه سمعة روسيا باعتبارها "مضخة غاز". ومع ذلك، لا يزال الاعتماد على دخل المواد الخام مرتفعا، يتابع التقرير.
وتعتمد الميزانية الحالية في روسيا على سعر نفط يبلغ حوالي 42 دولارا للبرميل. وإذا انخفضت هذه القيمة -كما حدث هذا العام- ينخفض الدخل.
وخسرت روسيا المليارات نتيجة تراجع الطلب وانخفاض الإنتاج. وقد أدى ذلك إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية التي بدأت قبل جائحة كورونا.
فخلال الفترة من يناير/كانون الثاني حتى سبتمبر/أيلول الماضيين، انخفضت الإيرادات من مبيعات النفط والغاز بنسبة 35.9%، مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، بحسب بيانات جهاز المحاسبات في موسكو.
أما فنزويلا -إحدى الدول التي تمتلك أكبر احتياطيات نفطية- فتحصل على 95% من نقدها الأجنبي من صادرات النفط. وبسبب سوء الإدارة والعقوبات الصارمة من الولايات المتحدة، من بين أمور أخرى، توقف استخراج النفط ومعالجته تقريبا.
ويختم التقرير بأن فنزويلا تعاني اليوم من انقطاع التيار الكهربائي وطوابير طويلة أمام محطات البنزين واحتجاجات على نقص الإمدادات، وقد يهدد اقتصاد فنزويلا أيضا بالانهيار في حال الوصول إلى "ذروة النفط".