لماذا لا يثق العراقيون بمصارف بلادهم ويلجأ التجار لبنوك دول الجوار؟

A client counts his money at Al-Rafidain bank in BaghdadJune 21, 2009. Total bank deposits in February -- the latest figures  available -- jumped by half to 36.6 trillion Iraqi dinars ($31 billion) from a year before, and loans surged 65 percent to 5.1 trillion dinars over the same period, central bank data show.  To match feature IRAQ/BANKS   REUTERS/Bassim Shati (IRAQ CONFLICT BUSINESS)
عميل يحصي نقوده في مصرف الرافدين ببغداد (رويترز)

يعاني رجال الأعمال في العراق من ضعف الأنظمة المصرفية في بلادهم ما يدفعهم إلى اللجوء لمصارف دول الجوار في تعاملاتهم التجارية الدولية، بينما لا يثق كثير من المواطنين بها ويدّخرون أموالهم في منازلهم.

ويقول الخبير الاقتصادي رئيس اتحاد المحامين في الديوانية (جنوب بغداد) عباس عنيد غانم، إن الأنظمة المصرفية العراقية حتى الآن بعيدة عن المعايير الدولية.

وتعود المشاكل، وفق غانم، إلى عقود خلت، وتحديدا إلى تسعينيات القرن الماضي حين تسببت العقوبات المفروضة على نظام الرئيس الراحل صدام حسين في عزل العراق عن العالم.

وعقب الغزو الأميركي للعراق عام 2003، أدت عمليات النهب الواسعة إلى إفراغ البنوك من السيولة. وتأسس منذ ذلك الحين أكثر من 70 مصرفا، لكن القطاع في الإجمال لم يتطور.

وأفاد البنك الدولي عام 2018 بأن أكبر 3 مصارف -وهي الرافدين والرشيد والعراقي للتجارة المملوكة للدولة- تستحوذ على نحو 90% من أصول القطاع.

Iraqi bank employees leave a looted Bank in downtown Baghdad, Iraq, Thursday 08 May 2003. US officials claim Saddam's family and henchmen looted nearly one billion dollars in cash from Iraq's central bank shortly before war started. EPA PHOTO EPA / VALDRIN XHEMAJ
أحد المصارف العراقية وسط بغداد (الأوروبية)

لا تسهيلات

وتتولى المصارف العامة الثلاثة أساسا دفع رواتب 8 ملايين موظف عراقي، لكن الدولة اضطرت للاقتراض منها إثر انهيار أسعار النفط هذا العام، ما رفع دينها المحلي.

ويعتبر مدير مجموعة الأخيار للمقاولات عادل الصالحي، أن مشكلة المصارف العامة تكمن في أنها تكتفي "بالقروض (للدولة) ودفع رواتب الموظفين ولا يهمها التعامل مع قطاع التجارة ودعم رجال الأعمال".

وينطبق ذلك خصوصا على مصرفي الرافدين والرشيد، وبدرجة أقل على المصرف العراقي للتجارة الذي أسسته سلطة الائتلاف المؤقتة الأميركية بإشراف الحاكم المدني بول بريمر عام 2003.

لكن غانم يوضح أن "المحاصصة الطائفية والحزبية في النظام السياسي والفساد الإداري والمالي، أمور أثرت على هذه المؤسسة المصرفية"، ما حصر دورها تقريبا في إقراض الحكومة.

ومع أن المصرف العراقي للتجارة هو الوحيد الذي يمكّن التجار من فتح اعتمادات، فإنه "لا يقدم أي تسهيلات مصرفية لنا (رجال الأعمال)، ويطلب منا ضمانات بقيمة عالية جدا تصل إلى 110% لتوفير خطاب ضمان فقط"، وفق الصالحي.

ودفع ذلك مجموعة الأخيار للمقاولات إلى اللجوء لخدمات مصارف خارج البلاد، على غرار كثير من الشركات التي صارت تعتمد على بنوك في الأردن وتركيا ولبنان وإيران لتسهيل تعاملاتها.

ولا يتعلق الأمر بالتسهيلات المالية فقط، بل يطال كذلك، وفق الصالحي، "الشفافية" في المعاملات وتوفير "موظفين خاصين من داخل البنوك (…) حسب تقييم وعمل التاجر"، عكس المصارف العراقية التي "تتعامل معنا كموظفين وبأسلوب جاف".

ووفق البنك الدولي، حصل أقل من 5% من المشاريع الصغيرة والمتوسطة على قروض من المصارف المحلية العراقية، في حين لجأ أغلب التجار والمستثمرين إلى الاقتراض من العائلة والأصدقاء.

وأرجع غانم ذلك إلى ارتفاع قيمة الفائدة التي تأخذها المصارف، ولا سيما في المشاريع الاستثمارية، فهي "تتراوح بين 7 إلى 10% في حين أنها بأغلب مصارف العالم المتطورة لا تصل إلى أكثر من 1%".

وجاء العراق في المرتبة 172 من بين 190 دولة مصنفة في تقرير "مؤشر سهولة ممارسة الأعمال" الصادر عن البنك الدولي، متقدما بالكاد على أفغانستان وسوريا اللتين تمزقهما الحرب رغم أنه ثاني منتج للخام في منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" (OPEC).

فرع مصرف الرشيد في دهوك
فرع مصرف الرشيد في دهوك (الجزيرة)

الأموال في المنازل

ولا تقف مشاكل القطاع المصرفي العراقي عند الشركات، إذ لا تجد خدماته إقبالا من المواطنين أيضا.

وتشير أرقام البنك الدولي إلى أن لدى 23% فقط من الأسر العراقية حسابا في مؤسسة مالية، وهي نسبة من بين الأدنى في العالم العربي. كما أن أصحاب تلك الحسابات هم خصوصا من موظفي الدولة الذين توزع رواتبهم على المصارف العامة نهاية كل شهر.

لكن الرواتب لا تبقى طويلا في الحسابات، إذ سرعان ما تتشكل طوابير أمام المصارف من الموظفين الذين يسحبون رواتبهم نقدا ويفضلون إبقاءها في بيوتهم، بسبب ضعف الثقة في البنوك.

ولا تزال ذكريات نهب وسرقة المصارف إبان الغزو عام 2003 حاضرة في الأذهان، وقد خسر حينها كثيرون مدخراتهم.

وكان نبيل كاظم أحد الضحايا. ويقول إنه بعد سرقة البنوك، "لاقيت صعوبة كبيرة لاسترجاع أموالي. ولم يحصل ذلك إلاّ بعد أعوام ما أفقدني الثقة بالمصارف".

إضافة إلى ذلك، يُرجع كاظم إحجامه عن إبقاء أمواله في البنك إلى عدم توفر آليات دفع إلكتروني وعبر البطاقات في "تعاملات البيع والشراء وخصوصا في التعاملات بالمبالغ الكبيرة".

ويفضل كاظم اللجوء إلى خدمات مكاتب الصيرفة أو المصارف الأهلية للحصول على تحويلات مالية من الخارج، لأنها "أفضل وأسرع من المصارف الحكومية بل حتى أكثر أمنا منها".

ويوضح الخبير الاقتصادي عباس عنيد غانم أن "المصارف العراقية لا تسمح بالإيداع بالدولار لأغراض التوفير، وهذا يسبب خسارة كبيرة للعملة الصعبة".

ويكشف ذلك ضعف الثقة أيضا في العملة المحلية، فكثير من المواطنين "يحوّلون مدخراتهم وأموالهم إلى الدولار ويكتنزونها في المنازل".

ويشير غانم إلى وجود مفارقة بين الخطاب الرسمي والواقع، "فالدولة تناشد المواطنين إيداع مدخراتهم بالمصارف"، في حين "لا تقوم بتعديل قوانين هذه المصارف، ولا توفر للمواطنين أي خدمات أساسية".

المصدر : الفرنسية