النمو الاقتصادي في مصر.. هل هو تضليل؟
بعد مرور 4 أعوام على تحرير سعر الصرف والمراهنة على انتعاش الاقتصاد المحلي من خلال برنامج إصلاحي تقشفي نجحت مصر في تحقيق بعض النمو على عكس كل الدول المحيطة بها، لكن عددا كبيرا من المصريين لا يزالون يعيشون في فقر مدقع.
في أبريل/نيسان الماضي فوجئ جابر -وهو شاب مصري- بتسريحه من الفندق الذي كان يعمل فيه بمدينة الغردقة السياحية بعد توقف حركة السفر والسياحة بسبب جائحة فيروس كورونا.
ويقول جابر لوكالة الصحافة الفرنسية "ربما أحظى بفرصة أخرى بعد انتهاء الوباء، فأنا أعيل 4 أطفال وزوجتي ووالدتي".
ويضيف "يكون من الصعب أحيانا توفير اللحم في وجباتنا بسبب الأسعار والظروف".
لكن صندوق النقد الدولي رفع في تقريره الصادر الشهر الماضي توقعاته بشأن معدل النمو المتوقع في مصر بنهاية العام الجاري إلى 3.6 بدلا من 2%، مشيرا إلى أن مصر ستكون البلد الوحيد في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الذي سيحقق نموا إيجابيا.
وحقق الاقتصاد المصري نموا بنسبة 5.6% بنهاية 2019، وكانت الحكومة المصرية تتوقع أن يصل إلى 6% بنهاية هذا العام، لكن جائحة "كوفيد-19" -التي سجلت حتى الآن 108 آلاف و122 إصابة في مصر، بينها 6305 وفيات- حالت دون ذلك.
والتعويم جزء من برنامج إصلاحي اقتصادي بدأته الحكومة منذ 2016 وحصلت بموجبه على قرض قيمته 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، وشمل إجراءات أخرى مثل إلغاء دعم الطاقة وفرض ضرائب جديدة.
ويقول مدير مركز دلتا للأبحاث في القاهرة المحلل الاقتصادي أحمد الصفتي إن تحرير سعر الصرف -الذي أدى إلى تدهور قيمة الجنيه بنسبة النصف تقريبا- كان له دور في دفع معدل النمو، إذ ساهم في تسجيل بعض عناصر ميزان المدفوعات ارتفاعا، مثل السياحة وتحويلات المصريين في الخارج التي تتم بالنقد الأجنبي.
زيادة استثمارات الأجانب
ويضيف الصفتي أن قرار البنك المركزي رفع سعر الفائدة في حين كان سعرها متدنيا في دول أخرى أدى إلى "زيادة استثمارات الأجانب في الأوراق المالية الحكومية، خصوصا أذون الخزانة".
ويشير إلى أن رفع سعر الفائدة بعد استقرار سعر الصرف وضمان البنك المركزي المصري استرداد الأجانب أموالهم وقتما رغبوا في ذلك "جذب الكثير من المستثمرين حتى في ظل جائحة كوفيد-19".
وأفادت إحصاءات البنك المركزي المصري بارتفاع إيرادات السياحة لتسجل خلال العام المالي 2019/2018 نحو 12.6 مليار دولار، متخطية إيرادات عام 2010.
وسجلت تحويلات المصريين في الخارج مستوى تاريخيا في 2020/2019، إذ بلغت نحو 28 مليار دولار، حسب إحصاءات البنك الرسمية.
فاتورة الإصلاح
لكن هذه المداخيل والاستثمارات والنمو لم تنجح في خفض نسبة الفقر التي ارتفعت في البلاد، وزاد الوباء تعقيدات الوضع، ولا سيما بالنسبة للعاملين في القطاع غير الرسمي البالغ عددهم نحو 4 ملايين وفقا لجهاز الإحصاء المصري، وقد باتوا مهددين بفقدان أعمالهم.
وتشير الإحصاءات الرسمية إلى أن نسبة الفقر في مصر وصلت إلى 32.5% في 2018/2017، مقابل 27.8% في 2015، أي بزيادة قدرها 4.7%.
ويقول الصفتي إن "الإصلاحات لها فاتورة، لكن كان من الممكن أن يكون الثمن باهظا أكثر لو لم تقم الحكومة بها".
تضليل
في المقابل، يحذر بعض المحللين من "تضليل"، فترى المحللة في الاقتصاد السياسي سارة سميرشاك أن "البرامج الاجتماعية التي تديرها الدولة تعد قطرة في محيط، ولا تنجح في الوصول إلى ملايين المحتاجين".
وتقول سميرشاك إن "الأرقام التي تم طرحها من المؤسسات المالية الدولية مضللة للغاية"، موضحة أن العام المالي في مصر يمتد من أول يوليو/تموز حتى نهاية يونيو/حزيران.
وتبعا لذلك، فقد تأثر العام المالي 2020/2019 ببضعة أشهر فقط في فترة أزمة "كوفيد-19" التي بدأت في البلد العربي الأكثر كثافة سكانية (100 مليون نسمة) في مارس/آذار الماضي، في حين تتزامن السنة المالية مع السنة الميلادية في معظم بلدان المنطقة الأخرى، وهو ما يفسر سوء معدلات النمو فيها.
وإذا كان الصفتي يؤكد أن الإنفاق الحكومي الكبير على مشروعات البنية التحتية ساهم في دعم معدل النمو بشكل حقيقي فإن سميرشاك المحاضرة السابقة في جامعة أكسفورد تشير إلى أن المشروعات الكبرى التي تنفذها الحكومة تم تمويلها بنسبة كبيرة من خلال الاستدانة، وبالتالي يتعين على مصر سداد هذه الديون، مما يعني أن "الأرقام التي تزيد الناتج المحلي الإجمالي الآن يجب سدادها بفوائد في المستقبل".
ومنذ أن تولى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي رئاسة البلاد في 2014 وهو يركز على تطوير البنية التحتية وبناء المدن الجديدة، فضلا عن عاصمة إدارية في شرق القاهرة.
وتقول سميرشاك "كان سيكون الأمر جيدا لو كانت الأموال (الديون) تستثمر في مشروعات يتوقع أن تدر عوائد كبيرة ومستدامة، ولكن من غير المرجح أن يكون هذا هو الحال مع الخطط الحالية".
وارتفع الدين الخارجي في مصر حسب أحدث الإحصاءات الرسمية ليبلغ 111.2 مليار دولار مقابل 48 مليار دولار في 2015.
ويقول جابر إن المشروعات الكبرى التي تنفذها الحكومة "جيدة جدا وتوفر فرص عمل لبعض الناس، وستجعل شكل مصر جديدا، ولكن هناك فئة كبيرة من الشعب قد لا تستفيد".