النفط مقابل الإعمار.. هل تحل مصر مكان الصين في العراق؟ وهل الاتفاق جر للتطبيع؟
كان لافتا إعلان الحكومة العراقية برئاسة مصطفى الكاظمي التوقيع على 15 مذكرة تفاهم مع نظيرتها المصرية والتي شملت تعزيز التفاهم والتطوير وتبادل الخبرات بين بغداد والقاهرة ضمن مجالات النقل والموارد المائية والصحة والبيئة والعدل والاستثمار والإسكان والإعمار والصناعة والتجارة والمالية.
اتفاق أثار انقساما سياسيا داخل العراق بشأن تجاهل الحكومة الحالية الاتفاقية مع الصين والتي أبرمتها الحكومة السابقة برئاسة عادل عبد المهدي في سبتمبر/أيلول 2019، والتي كان ينظر لها بأنها طوق نجاة للاقتصاد العراقي الذي يعاني من أزمات خانقة.
التقارب العراقي المصري يأتي استكمالا للقمة الثلاثية التي عقدت في أغسطس/آب الماضي بين مصر والأردن والعراق، والتي تمخض عنها وضع حجر الأساس لمشروع "الشام الجديد".
ويقول الرئيس السابق لخلية المتابعة الحكومية في الأمانة العامة لمجلس الوزراء مصطفى سند للجزيرة نت إن الاتفاقية العراقية المصرية لا تزال في مرحلة مذكرات التفاهم ولم ترتق إلى مستوى اتفاق، معتبرا أن آثارها غير واضحة المعالم حتى الآن.
ويعتقد سند أن جوهر الاتفاقيات بين الدول تضمن توقيع عقود بشكل مباشر مغطى بتمويل مالي وسيولة، في حين أن الاتفاقية تحتاج إلى غطاء برلماني.
بين الصين ومصر
وخلال المؤتمر الصحفي الذي جمع رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي بنظيره المصري مصطفى مدبولي السبت الماضي، أكد مدبولي أن هناك توافقا مبدئيا بين البلدين على سرعة تفعيل آلية النفط مقابل الإعمار، خاصة أن الشركات المصرية على استعداد لتنفيذ مشروعات تنموية في العراق مقابل كميات النفط التي ستستوردها مصر.
موقف الحكومة المصرية من الاتفاقيات الموقعة مع العراق خلق سلسلة من الاستفهامات تتعلق بإمكانية أن تحل مصر مكان الصين في مشاريع إعمار العراق.
وتنظر قوى سياسية عراقية عدة إلى الصين على أنها قوة اقتصادية تمكنها من وضع خريطة طريق تساعد العراق في الخروج من أزمته، ويؤكد سند للجزيرة نت أن التقارب بين بغداد والقاهرة لا يعتبر بديلا عن الاتفاقية الصينية، خاصة أن العراق يعتمد مبدأ الانفتاح الاقتصادي على جميع المحاور.
وفي الجانب الآخر، يرى فريق برلماني أن الاتفاق العراقي المصري ليس بالتوجه الجديد، بل هو استكمال لرؤية العراق لشكل العلاقة التي يجب أن تكون مع مصر وبما تمثله الاتفاقية من أهمية إستراتيجية للبلدين حسبما يعتقد عضو لجنة مراقبة تنفيذ البرنامج الحكومي في البرلمان العراقي محمد شياع السوداني.
وأكد السوداني للجزيرة نت أن الاتفاقيات مع مصر ليست بديلة عن الاتفاقات مع الصين، معتبر أن العراق يعتمد منهج تنوع العلاقات الاقتصادية مع مختلف دول العالم وفق أولوية مصالحه الوطنية، خاصة أن مذكرات التفاهم لا تحتاج إلى تصويت أو تصديق البرلمان عليها كون توقيعها يقع ضمن صلاحيات الحكومة، مع التأكيد على أن البرلمان وبمختلف قواه السياسية يدعم توجه الحكومة نحو تعضيد أواصر العلاقة بين العراق ومحيطه العربي.
رفض برلماني
وأثار الاتفاق العراقي المصري انقساما في بعض اللجان النيابية داخل مجلس النواب على اعتبار أن مصر تعاني من ديون ومعدلات بطالة مرتفعة و أزمة اقتصادية خانقة، مما يجعل جدية الحكومة المصرية في تطبيق هذه الاتفاقية على المحك.
وتقول عضوة لجنة الاقتصاد والاستثمار في البرلمان العراقي ندى شاكر جودت إن مجلس النواب تفاجأ بإعلان الحكومة توقيع الاتفاق مع مصر وتجاهلها الاتفاقية مع الصين.
وأكدت للجزيرة نت أن نوابا في البرلمان قدموا طلبا إلى رئاسة مجلس النواب يتضمن استضافة رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، وعلي علاوي نائبه للشؤون الاقتصادية وزير المالية لشرح بنود الاتفاق العراقي المصري.
تنافس اقتصادي
اعتبر الصحفي الاقتصادي سلام زيدان أن مصر ترى في السوق العراقي مساحة جيدة لتسويق منتجاتها، خاصة في ظل التراجع الحالي لحجم الصادرات المصرية إلى العراق والتي بلغ إجماليها منذ العام 2012 وحتى الآن 4.6 مليارات دولار.
وشهد العام الحالي تراجعا للصادرات المصرية إلى العراق بنسبة 65%، إذ تبلغ 137.4 مليون دولار في العام 2020، فيما العام الماضي كانت 400.9 مليون دولار، حسب هيئة تنمية الصادرات المصرية.
وفي حديث للجزيرة نت، يرى زيدان أن التقارب المصري العراقي يتعلق برؤية مصر حول تنويع استيراداتها النفطية، والحصول على خصم من العراق أقل من المتوسط الشهري لخام برنت بـ3 دولارات، بالإضافة إلى إعفاء البضائع المصرية من التعرفة الجمركية مثلما حصل مع الأردن.
وأضاف أن العراق لا يملك شيئا يصدره لمصر غير النفط، إذ إن الاتفاق العراقي المصري يعتمد على تصدير 12 مليون برميل سنويا من خام البصرة الخفيف إلى مصر وعلى 6 شحنات، كل شحنة مليونا برميل.
استيراد العمالة
شعبة إلحاق العمالة المصرية بالخارج في الاتحاد العام للغرف التجارية -التي رحبت بالاتفاق الاقتصادي بين القاهرة وبغداد- ترى أن العراق يمثل بيئة مناسبة للعمالة المصرية، لكنها كشفت عن وجود نحو مليوني عامل في المهن المختلفة يمكنهم العمل في الخارج، مما يفيد مصر بالتأكيد لتعزيز مصادر دخلها.
وأعلن البنك المركزي المصري ارتفاع تحويلات المصريين العاملين في الخارج خلال العام المالي 2020/2019 إلى 27.8 مليار دولار بزيادة 10.4% عن العام المالي السابق، إذ كانت نحو 25.2 مليار دولار.
ويعتقد الكاتب والصحفي العراقي مازن الزيدي أن العراق يعاني من معدلات بطالة عالية، وهو بحاجة لمشاريع واتفاقيات تشغل قواه العاملة، فمصر تسعى لتصدير أياد عاملة، في وقت أن الاتفاقية مع الصين تتضمن مشاريع قادرة على تشغيل أكثر من مليون عراقي يبحثون عن عمل.
جر للتطبيع
ويرى الزيدي في حديث للجزيرة نت أن توجه العراق نحو مصر جاء بتشجيع ودفع أميركي سعودي من أجل ربط الاقتصاد العراقي بمحور التطبيع العربي الذي تمثله مصر حاليا، فضلا عن صناعة محور إقليمي تقوده إسرائيل عبر بوابة الطاقة.
لذا، فإنه يمكن اعتبار الاتفاق إلحاقا للعراق بمنتدى غاز المتوسط الذي يضم مصر من جهة، وإسرائيل واليونان من جهة أخرى، وهو بالتالي موجه ضد المحورين التركي والإيراني.