تركيا.. كيف تشكل أزمة كورونا فرصة لإطلاق إصلاحات اقتصادية عميقة؟

Coronavirus test tube and money bundle, Turkish lira. Blood sample in vacutainer, blood collection tube with 2019-nCOV label.
إذا تمت السيطرة على كورونا بحلول أوائل 2021 يمكن أن يبلغ معدل النمو الاقتصادي التركي 4% (غيتي)

اقتربت تركيا من الوصول إلى مصاف الدول ذات الدخل المرتفع عام 2014 بفضل نمو اقتصادي مستدام وإصلاحات هيكلية على مدى 15 عاما.

وقد توفر أزمة "كوفيد-19" التي أثّرت سلبيا على الاقتصاد التركي -مثل كل دول العالم- فرصة لاستعادة وتيرة النمو السابق عبر خطط بعيدة المدى.

وفي تقرير بموقع معهد "بروكينغز" الأميركي، يقول الكاتبان أوغوست تانو كوامي وحبيب راب، إن الإجراءات الفورية التي اتخذتها تركيا، مثل تدابير التباعد الاجتماعي المبكرة والقيود على التنقل واختبارات الكشف عن الفيروس وتحسين الخدمات الصحية، ساعدت في احتواء انتشار الفيروس وتقليص عدد الوفيات، لكن مجابهة الآثار الاقتصادية التي خلّفتها الجائحة تتطلب المزيد من الإجراءات الصارمة في الفترة المقبلة.

امتصاص الصدمة

يؤكد الكاتبان أن الاقتصاد التركي وصل إلى مرحلة حرجة للغاية خلال الربع الثاني من العام الجاري، إلا أن الإجراءات الضريبية والمالية وفّرت الدعم المطلوب للقطاعات الأكثر تضررا.

وحسب المؤشرات الحالية، فإن العرض والطلب بدآ يعودان إلى مستوياتهما العادية. وفي الوقت ذاته، أدت السياسة النقدية التي تم اعتمادها خلال الفترة الماضية إلى ظهور اختلالات في الاقتصاد الكلي، وبالتالي إلى التخلي عن سياسة التيسير الكمي.

وفي ظل "المقايضات" السياسية، وحالة عدم اليقين فيما يتعلق بأزمة كورونا، يتوقع الكاتبان أن يواصل الاقتصاد التركي انكماشه، لكن "استمرار هذا الانكماش يعتمد على مدى انتشار الوباء في تركيا وفي الدول الأقرب إليها تجاريا".

ومن المُتوقع أن يؤدي تراجع دخل العائلات التركية إلى زيادة معدلات الفقر من 10.4% إلى 14.4%، غير أن السياسات الحكومية قد تجعل المعدل ينخفض إلى 11.5%. وفي حال تمت السيطرة على الوباء بحلول أوائل عام 2021، يمكن أن يبلغ معدل النمو الاقتصادي 4% في 2021، و4.5% في 2022.

A logo of Turkey's Central Bank (TCMB) is pictured at the entrance of the bank's headquarters in Ankara, Turkey April 19, 2015. REUTERS/Umit Bektas
البنك المركزي التركي رفع أسعار الفائدة من 10.25% إلى 15% (رويترز)

خطط طويلة المدى

يرى الكاتبان أن الخيار الأمثل لإنعاش الاقتصاد التركي حاليا هو التركيز على الحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي ووضع خطة طويلة المدى، والابتعاد قليلا عن الخطط والسياسات التي تهدف إلى تحفيز النمو الاقتصادي على المدى القريب.

وحسب رأيهما، فإن التصريحات الأخيرة لوزير الخزانة والمالية المعين حديثا، ومحافظ البنك المركزي، تؤكد أن هذا الهدف سيحظى بالأولوية.

وهذه الخيارات التي تركز على الاقتصاد الكلي من شأنها أن تؤدي إلى تدفق رأس المال واستقرار سعر الصرف وانخفاض علاوات المخاطر.

يشار إلى أن البنك المركزي التركي رفع الخميس الماضي أسعار الفائدة من 10.25% إلى 15%، لتسجل الليرة التركية تحسنا ملحوظا عقب القرار الذي جاء خلافا لتلويح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بمعارضته لأسعار الفائدة المرتفعة.

وأكد رئيس البنك المركزي التركي، ناجي آغبال عقب هذا القرار عزمه مواصلة استخدام جميع أدوات السياسة النقدية تماشيا مع الهدف الرئيسي لاستقرار الأسعار.

كما قال وزير الخزانة والمالية التركي الجديد، لطفي ألوان، إن الإطار العام لخارطة طريقه يتمثل في "استقرار الاقتصاد الكلي والاستقرار المالي واستقرار الأسعار".

المقر الرئيسي والتاريخي لبنك العمل الحكومي في العاصمة أنقرة1
الأزمة تشكل فرصة لإعادة بناء نظام اقتصادي مرن يدفع بتركيا إلى مجموعة الدول ذات الدخل المرتفع (الجزيرة)

سياسة ضريبية مرنة

يضيف الكاتبان أن هذا الخيار يتطلب المحافظة على سياسة ضريبية مرنة استجابة لمتطلبات المرحلة المقبلة. وتشير السياسة الضريبية المعلن عنها على المدى المتوسط، أن تركيا قادرة على امتصاص صدمات محدودة حتى في ظل ما شهدته البلاد مؤخرا من اختلالات في النظام الضريبي.

ومن المنتظر أن تلعب الإجراءات الاستثنائية التي تم اتخاذها في الفترة الماضية دورا محوريا في إنقاذ الاقتصاد التركي من تداعيات أزمة كورونا، وذلك بالتخفيف من التداعيات الاجتماعية على العائلات التركية، بما في ذلك تسريح العمال والموظفين وحالات الإفلاس.

جدولة الديون

يعتقد الكاتبان أن هناك حاجة أيضا إلى إعادة جدولة ديون الشركات من أجل إنعاش الاستثمار في القطاع الخاص، حيث إن تراكم الديون بسبب الطفرة الائتمانية قبل الجائحة، وعمليات الاقتراض بعد انتشار الفيروس، أدت إلى إثقال كاهل الشركات، وهو ما يتطلب إجراءات عاجلة.

ويقول الكاتبان إن هذه الأزمة تشكل فرصة لإعادة تركيز الانتباه على الإصلاحات الهيكلية وإعادة بناء نظام اقتصادي مرن يدفع بتركيا إلى مجموعة الدول ذات الدخل المرتفع، وهو ما تضمنه البرنامج الاقتصادي الجديد والخطة التنموية الحادية عشرة.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية