نمو مسموم.. هل يحمل صندوق النقد رسائل خادعة للمصريين؟

Central Bank of Egypt's headquarters is seen in downtown Cairo, Egypt, November 3, 2016. Picture taken November 3, 2016. REUTERS/Mohamed Abd El Ghany
انهيار قطاع السياحة في مصر قد يؤدي إلى الحاجة لمزيد من القروض وزيادة الدين العام وزيادة معدلات الفقر والبطالة (رويترز)

تفرض مؤشرات صندوق النقد الدولي الواعدة بشأن النمو في مصر تساؤلات مشروعة عن حقيقة هذا النمو في بلد يعاني شعبه من البطالة، وزيادة معدلات الفقر، وتراجع قيمة العملة المحلية، وجميعها أمور تزايدت حدتها مع ظروف وتداعيات جائحة فيروس كورونا في الأشهر الأخيرة.

وفي تقريره السنوي بشأن آفاق نمو الاقتصاد العالمي، أشار الصندوق إلى أن مصر هي الدولة الوحيدة في المنطقة العربية التي ستنجو من الانكماش العام الحالي، إذ سيحقق اقتصادها نموا بنسبة 3.55%.

وتأتي المؤشرات الإيجابية من الشريك الدولي للحكومة المصرية في برامج الإصلاح الاقتصادي، رغم تأكيدات الصندوق نفسه مطلع الشهر الحالي -عبر موقعه الإلكتروني- تباطؤ وتيرة النشاط الاقتصادي بمصر تحت تأثير أزمة كورونا.

ودفعت تحديات كورونا نحو ارتفاع معدلات البطالة في مصر إلى 9.6% في الربع الثاني من 2020 مقارنة بـ7.7 في الربع السابق -وفقا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (حكومي)- والتي عززها تراجع أعداد العمالة المتدفقة للأسواق الخليجية، فضلا عن اعتزام العديد منها العودة نتيجة صعوبات على غرار تقليص عدد العمالة أو الرواتب والإجبار على العودة.

كما كشفت وزيرة التخطيط هالة السعيد في يونيو/حزيران الماضي، عن أن 4.4 ملايين شخص من العاملين بالقطاع الخاص الرسمي وغير الرسمي فقدوا وظائفهم بسبب كورونا، وتزامنت بيانات ارتفاع معدلات النمو بمصر مع خفض عجز الموازنة وتحقيق فوائض أولية، قبل أن تنكمش وتيرة النشاط الاقتصادي مع اتخاذ تدابير التباعد الاجتماعي.

الركود الاقتصادي في مصر أثّر جدا على العمالة غير المنتظمة (الجزيرة)

انكماش الاقتصاد المصري

الأكاديمي المصري حسام الشاذلي أستاذ إدارة التغيير والتخطيط الإستراتيجي الزائر بجامعة كامبردج البريطانية، أكد ضرورة النظر إلى التقارير الدولية المتعلقة بنسب النمو المتوقعة في مصر، خاصة تقارير صندوق النقد الدولي، بالمنظور الكلي للتقرير، وليس فقط بالتركيز على معدلات النمو.

وأشار الشاذلي في تصريحات للجزيرة نت، إلى أن معدلات النمو الصادرة عن الصندوق، تحددها عوامل قد يتحكم بها أساسا تجديد القروض ومعدل ضخ القروض طويلة الأمد في ميزانية الدولة، وتأثيرها على الموازنة العامة.

ومؤخرا، أظهر تقرير للبنك الدولي أن مصر كانت أكبر مقترض في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خلال 2019، إذ استحوذت على ما يقرب من 34% من إجمالي ديون المنطقة.

وارتفعت نسبة الدين الخارجي -وفق بيانات حكومية- إلى نحو 123.5 مليار دولار بنهاية يونيو/حزيران الماضي، مسجلة زيادة نحو 80.26 مليار دولار على يونيو/حزيران 2013 حيث بلغت آنذاك نحو 43.2 مليار دولار.

وحذر الشاذلي من أن تكلفة القروض الفلكية هي حياة المواطن المصري، إضافة إلى تورط الأجيال القادمة في تحمل الديون طويلة الأجل والتي لن تتحمل تبعاتها الحكومات الحالية.

وأوضح أن برامج إعادة الهيكلة الاقتصادية بمصر التي تصفها تقارير "النقد الدولي" بالمستقرة كانت أساسا مبنية على الخضوع لقرارات الصندوق المتطرفة في ما يتعلق برفع الدعم عن المحروقات، والسلع الأساسية وتعويم الجنيه (فقد ما يزيد عن ضعف قيمته منذ قرار التعويم عام 2016 مقابل الدولار الذي يُسعر بنحو 15.70 جنيها) وغيرها من القرارات.

وأضاف أن تلك التقارير دائما تركز على الاقتصاد الكلي الموجه للمجتمع الدولي مع تجاهل تام للاقتصاد الجزئي الذي يؤثر على مستوى حياة المواطن بصورة مباشرة، ولذلك نجد تقارير الصندوق دائما تشير إلى استقرار الاقتصاد الكلي، والنموذج الاقتصادي المرتبط به في المدة بين 2016 إلى 2019.

اقتصاد مسموم

ووصف الأكاديمي المصري الإستراتيجية الاقتصادية للنظام بمصر بـ"منظومة الاقتصاد المسموم" التي يتم هيكلتها لترسل رسائل خادعة للمجتمع الدولي بناء على التركيز على الاقتصاد الكلي، وتطبيق إستراتيجية الفوز بغض النظر عن التكلفة، وإن كانت تكلفة القروض الفلكية هي حياة المواطن.

ويرى الشاذلي، أن قروض الصندوق متميزة دوليا بتاريخ سيئ السمعة بسبب شروطه المجحفة التي تترك تأثيرا مدمرا على مستوى جودة الحياة، ومعيشة المواطن، في مقابل وضع خطط تنموية طويلة الأمد تتطلب وجود منظومات دكتاتورية حاكمة لا يمكن معارضتها ولا إيقاف قراراتها، مشيرا إلى أن منظومة القروض وضعت نسبة معتبرة من المصريين تحت حد الفقر.

وارتفعت معدلات الفقر في مصر لتصل إلى 32.5% من إجمالي عدد السكان -الذي تخطى 100 مليون نسمة عام 2018- بعد أن كانت 28% عام 2015 -وفق تقارير حكومية- أي إن ثلث المصريين تحت خط الفقر بزيادة 5 ملايين مواطن خلال 3 سنوات فقط.

وحذر من أن نسب انخفاض معدلات البطالة التي يشير إليها الصندوق "تتأثر بصورة واضحة بالمشاريع العملاقة وغير المنتجة كالعاصمة الإدارية وبناء الكباري وغيرها، والتي يتم توظيفها لتقليل نسب البطالة المتداولة، في حين أن غالبية تلك المشاريع لا تترك أي تأثير على رفع مستوى حياة المواطن، ولا على الخدمات الأساسية المتعلقة بالصحة والتعليم والغذاء".

كما لفت إلى أن تقرير صندوق النقد أشار بصورة واضحة إلى أن عدم تعافي العالم من جائحة كورونا، وانهيار قطاع السياحة في مصر قد يؤدي إلى الحاجة لمزيد من القروض، وزيادة الدين العام، وزيادة معدلات الفقر والبطالة في مصر.

وتابع "في هذا السياق لا يمكننا إغماض العينين عن الكروت السياسية التي تستخدمها بعض الجهات الداعمة للنظام الحاكم في مصر، والتي لها يد مؤثرة داخل صندوق النقد الدولي".

الجزيرة نت - صورة - مصر شارع سوق
ثلث المصريين تحت خط الفقر بزيادة 5 ملايين مواطن خلال 3 سنوات فقط (الجزيرة)

مؤشرات جيدة

وفي المقابل، عدّ الخبير الاقتصادي المصري عبد النبي عبد المطلب مؤشرات النقد الدولي بشأن النمو في مصر جيدة، مستدركا بالقول "إلا أن انعكاساتها على المواطن لن تكون ظاهرة".

وبشأن علاقة أرقام النقد الدولي بوضعية المواطن بالنسبة لمعدلات البطالة والفقر وحالة العملة المحلية والأسعار، رأى عبد المطلب في تصريحات للجزيرة نت، أن "مشكلة الاقتصاد المصري تكمن في احتياجه إلى معدلات نمو تزيد على 7% سنويا وبشكل مستدام".

وأضاف أن "هذه المؤشرات ستحافظ جدا على بقاء الاقتصاد المصري بعيدا عن الهزات التي قد يتعرض لها نتيجة التطورات العالمية بسبب كورونا"، مستبعدا أن تكون نظرة الصندوق للنمو في مصر "مخادعة" نظرا لكونه "مؤسسة دولية لها مصداقيتها، ولديه نماذج متطورة للقياس والتنبؤ، ووصوله لتلك التوقعات بناء على دراسات وتحليلات علمية موثقة".

وأشار إلى أن توقعات الصندوق بتراجع معدل نمو موجب في مصر من 6% إلى 3.5%، رغم توقعاته بتراجع معدلات النمو فى غالبية دول العالم أعضاء الصندوق، يعود إلى تأثر قطاعات كثيرة داخل الاقتصاد المصري بفيروس كورونا مثلها مثل باقي دول العالم، حيث تراجعت عائدات السياحة، وانخفضت أعداد السائحين.

المصدر : الجزيرة