بعد خطوة الصين.. متى سنرى "اليورو الرقمي"؟ وما هي ميزاته؟
أطلق البنك المركزي الأوروبي اليوم الاثنين مشاورات عامة واختبارات سعيا لاتخاذ قرار بشأن تأسيس "يورو رقمي" لدول العملة الموحدة الـ19.
وتأتي الخطوة في وقت يسرّع تفشي (كوفيد-19) التخلي عن الأوراق النقدية، كما تأتي بعد إطلاق الصين لعملتها الجديدة الـ"يوان" الرقمي، حيث باتت البنوك المركزية في أنحاء العالم تتسابق لإصدار عملاتها الرقمية لتحديث أنظمة المدفوعات، وكذلك لدرء منافسة محتملة من عملات مشفرة تصدرها جهات خاصة على غرار "بيتكوين" (Bitcoin).
ما هو اليورو الرقمي؟
سيكون اليورو الرقمي أو الافتراضي نسخة إلكترونية من أوراق اليورو النقدية وقطعها المعدنية، وستكون عملة رسمية يكفلها البنك المركزي الأوروبي، كما ستسمح لأول مرة للأفراد بالإيداع مباشرة لدى البنك المركزي الأوروبي، وقد يكون ذلك أكثر أمانا من إيداع الأموال لدى المصارف التجارية التي قد تفلس، أو الاحتفاظ بالأوراق النقدية التي قد تتعرّض للسرقة أو الضياع.
وعلى غرار النقود، يمكن الاحتفاظ بالأموال خارج المنظومة المصرفية، في "محفظة رقمية" مثلا، ومن شأنها أن تسمح للأفراد والشركات القيام بعمليات الدفع اليومية "بطريقة سريعة وسهلة وآمنة"، بحسب ما أفاد البنك المركزي الأوروبي عندما نشر تقريرا بشأن الأموال الافتراضية هذا الشهر.
وأكد المصرف أن اليورو الرقمي سيكون "مكمّلا للنقود ولن يحل مكانها"، ويمكن إصدار أو تحويل مبالغ اليورو الرقمي باستخدام تقنية سجلات الحسابات المعروفة باسم "بلوك تشين" (Blockchain) أو "سلسلة الكتل"، وهي قاعدة بيانات عامة لا يمكن تنقيحها وهي ذاتها التي تعتمد عليها العملات المشفرة على غرار "بيتكوين".
لماذا الآن؟
عزز تفشي (كوفيد-19) عمليات الدفع الإلكترونية في ظل تجنب المستهلكين الأوراق النقدية والقطع المعدنية خشية انتقال العدوى، وحتى في ألمانيا حيث يقال إن الأوراق النقدية لا تزال تتسيّد المشهد، يتوقع أن ينفق الزبائن لأول مرة هذا العام المزيد من الأموال باستخدام البطاقات مقارنة بالنقود، بحسب تقرير صدر مؤخرا عن شركة "يورومونيتور إنترناشونال" (Euromonitor International) لأبحاث السوق.
وعلى غرار مصارف مركزية أخرى حول العالم، يخشى البنك المركزي الأوروبي كذلك من أن يتخلّف عن ركب العملات الافتراضية التي أصدرتها جهات خاصة أجنبية على غرار "بيتكوين" أو "ليبرا" (Libra) العملة التي ينتظر أن تطلقها شركة فيسبوك.
وفي حال تحوّل عدد كبير من المقيمين في منطقة اليورو لاستخدام عملات افتراضية تعمل خارج نطاق البنك المركزي الأوروبي، فقد يؤثر ذلك على مدى فعالية تدابير سياساته النقدية.
وقال فريدريك دوكروزيت -خبير الاقتصاد لدى شركة "بيكتيت" (Pictet) لإدارة الثروات- لوكالة الصحافة الفرنسية إن خطة فيسبوك لتأسيس عملة "ليبرا" سرّعت وتيرة تفكير البنوك المركزية في المسألة.
ما هي المخاطر؟
قد يتجنب الناس فتح حسابات تقليدية لصالح تلك الرقمية، الأمر الذي من شأنه أن يضعف المصارف التجارية في منطقة اليورو، وقد تكون المخاطر أكبر في أوقات الأزمات عندما يفضّل المدخرون الهرب إلى الأمان الذي يوفره "اليورو الرقمي"، مما يدفع المتعاملين بالتالي لسحب أموالهم من المصارف التقليدية.
ولتجنب ذلك، قد يقترح البنك المركزي الأوروبي الحد من مبالغ اليورو الرقمية التي يمكن لكل شخص امتلاكها أو استبدالها، كما سينظر البنك المركزي الأوروبي في المسائل المرتبطة بالخصوصية، وضمان عدم استخدام اليورو الرقمي في عمليات غسل الأموال عندما يقيّم إيجابيات وسلبيات إطلاق العملة الافتراضية في الشهور المقبلة.
ما هي الجهات الأخرى التي تقوم بذلك؟
تعد العملات الرقمية الصادرة عن جهات خاصة متقلبة للغاية، فمثلا خسرت "بيتكوين" نصف قيمتها تقريبا منذ بلغت أعلى سعر لها أواخر العام 2017 عند 20 ألف دولار (17030 يورو)، لكن في السنوات الأخيرة، بدأت المصارف المركزية تنظر في مسألة طرح أموالها الافتراضية الخاصة بها والتي تعرف بـ"عملة البنك المركزي الرقمية" كبديل ثابت وخال من المخاطر.
وبدأ البنك المركزي الصيني تجارب استخدام العملة الرقمية في 4 مدن في أبريل/نيسان، كما بدأ بنك فرنسا اختبارات مشابهة.
والجمعة، أعلن بنك اليابان أنه سيكثّف أبحاثه في هذا المجال، كما أعلن بنك التسويات الدولية، وهو شبكة من المصارف المركزية، في يناير/كانون الثاني تأسيس فريق عمل مكرّس للبحث في المسألة.
متى سيبدأ استخدام العملة؟
أطلق البنك المركزي الأوروبي مشاورات تستمر لـ3 أشهر اعتبارا من الاثنين، وسيجري سلسلة اختبارات حول جدوى اليورو الرقمي على مدى الشهور الستة المقبلة.
ويهدف البنك المركزي لاتخاذ قرار بحلول منتصف 2021 بشأن ما إذا كان سيطلق المشروع، بحسب ما أفاد، لكن لا يتوقع أن يدخل اليورو الرقمي حيز الاستخدام في أي وقت قريب.
وقال مصدر مطلع على المشروع إنه حتى تبصر المبادرة النور، سيستغرق الأمر ما بين 18 شهرا إلى 3 أو 4 سنوات.
الصين في الريادة
يصدر البنك المركزي الصيني عملات رقمية بقيمة 10 ملايين يوان (1.5 مليون دولار) لعدد 500 مستخدم سيجري اختيارهم عشوائيا، في خطوة يعتبرها البعض أول اختبار عام تجريه البلاد لنظام الدفع الرقمي لليوان.
واعتبارا من يوم الجمعة الماضي، بات بمقدور أي شخص في مدينة شنجن بجنوب الصين التقدم بطلب للانضمام إلى البرنامج عبر أكبر 4 بنوك بالبلاد.
لكن البعض فقط سيفوزون بمبلغ 200 يوان عبر قرعة، بحسب الحكومة المحلية والبنوك.
ويمكن للفائزين استخدام العملة الرقمية في 3389 منفذا للبيع بالتجزئة، من بينها محطات وقود تابعة لـ"سينوبك" (Sinopec)، ومتاجر "وول مارت" (Walmart)، ومراكز "سي آر فانغارد" (CR Vanguard) التجارية، وفنادق شانغريلا (Shangri-La).
وقال كينجي أوكامورا أكبر دبلوماسي ياباني معنيّ بالشؤون المالية الخميس، إن الصين تسعى للفوز بميزة الريادة في مساعيها لتطوير عملة رقمية.
وشرعت مجموعة من 7 بنوك مركزية كبرى من بينها مجلس الاحتياطي الاتحادي الأميركي بتحديد الشكل الذي قد تبدو عليه العملات الرقمية، وذلك في مسعى للحاق بدور الصين الريادي والتفوق على مشاريع خاصة على غرار عملة ليبرا التابعة لفيسبوك.
وإلى جانب مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأميركي) وبنك إنجلترا، فإن من بين البنوك السبعة التي تحالفت مع بنك التسويات الدولية، البنك المركزي الأوروبي، والبنك الوطني السويسري، وبنك اليابان المركزي.