حصار وقصف ومنع من الاستيراد.. صناعة الأدوية بغزة تصارع للبقاء

الدكتور مروان الاسطل المصنع تعرض للاقتحام والقصف عشرات المرات
مصنع الأدوية بغزة تكبد خسائر كبيرة بسبب الاحتلال (الجزيرة)

رائد موسى-غزة

يواجه مصنع الأدوية الوحيد في قطاع غزة معوقات وقيودا إسرائيلية شديدة، لم تقف عند حد الحصار ومنعه من استيراد المواد الخام، بل وصلت إلى اقتحامه واحتلاله وقصفه بالصواريخ.

جراء ذلك بات المصنع غير قادر على تصنيع كثير من الأصناف الدوائية وتصدير منتجاته، وتكبد خسائر بملايين الدولارات. مع ذلك يصارع المصنع من أجل البقاء والحفاظ على ديمومته واستمراره.

ومنذ السنوات الأولى لانتفاضة الأقصى التي اندلعت في عام 2000، بدأت حكاية المصنع، الذي أسسته شركة الشرق الأوسط لصناعة الأدوية ومستحضرات التجميل في عام 1994 وبدأ إنتاجه في عام 1999، مع الضغوط الإسرائيلية التي تستهدف استمراره.

لكن هذه الضغوط زادت مع فرض الحصار في عام 2007، والحروب والاعتداءات الإسرائيلية التي لا تتوقف على قطاع غزة، وتسببت في عرقلة تطور المصنع وتراجع إنتاجه بنسبة تفوق الـ80%.

استهداف مباشر

يرجع مدير عام شركة الشرق الأوسط لصناعة الأدوية ومستحضرات التجميل الدكتور مروان الأسطل، تاريخ الاعتداءات الإسرائيلية التي استهدفت المصنع إلى عام 2003. وفي ذلك الوقت احتلت القوات الإسرائيلية مقر المصنع في بلدة بيت حانون شمال قطاع غزة، لنحو ثلاثة أشهر، عاثت خلالها فسادا ودمارا في المصنع ومحتوياته بما فيها الآليات ومستودعات الأدوية والمواد الخام.

وقال الأسطل للجزيرة نت، منذ ذلك الحين لم تتوقف الاعتداءات الإسرائيلية ضد المصنع، سواء بالاقتحام أو بالاستهداف المباشر بالغارات الجوية.

واقتحمت قوات الاحتلال المصنع حوالي 12 مرة، فضلا عن قصفه بالصواريخ عدة مرات خلال الحروب الثلاث على القطاع، تكبد جراءها المصنع خسائر مادية فادحة.

‪عينة من الأصناف الدوائية التي ينتجها مصنع الأدوية في غزة‬ (الجزيرة)
‪عينة من الأصناف الدوائية التي ينتجها مصنع الأدوية في غزة‬ (الجزيرة)

حصار وقيود
وأوضح الأسطل أن القيود الإسرائيلية الشديدة التي أعقبت فرض الحصار على قطاع غزة في عام 2007، تسببت في تكبيد المصنع خسائر غير مباشرة بملايين الدولارات، وذلك جراء منعه من تصدير منتجاته إلى الضفة الغربية، والأسواق الخارجية.

وقال المتحدث ذاته، كانت لدى الشركة -قبيل فرض الحصار- مخططات مهمة للتطوير والتوسع في تسويق المنتجات الدوائية للمصنع الذي حصل على المرتبة الأولى في الجودة على مستوى فلسطين، حيث نجحت في الحصول على ترخيص للعمل في سوق الأدوية في الجزائر، لكن بفعل إغلاق المعابر والقيود الكثيرة التي فرضتها إسرائيل على حركة التصدير والاستيراد، وأهمها منع توريد المواد الخام للمصنع، أدت إلى وصول إنتاج المصنع إلى مستوى متدنٍ لا يتجاوز 20%، وانخفاض عدد الأصناف الدوائية التي ينتجها المصنع إلى 105 أصناف فقط من أصل مئتي صنف.

الأسطل أوضح أن إسرائيل تبرر منع كثير من أصناف المواد الخام بأنها ذات "استخدام مزدوج"، الأمر الذي يحول دون تمكن المصنع من إنتاج كثير من الأصناف الدوائية المهمة.

وأشار إلى أن إسرائيل تمنع بشكل نهائي توريد عشرة أصناف من المواد الخام التي تدخل في صناعة نحو 16 صنفا من الأدوية.

وبحسب منظمات أهلية فلسطينية، فإن إسرائيل تمنع توريد مئات الأصناف من السلع، بما فيها المواد الخام، بدعوى أنها ذات "استخدام مزدوج"، خشية تسربها إلى فصائل المقاومة واستخدامها في صناعة الصواريخ والمواد القتالية.

وأكد الأسطل أن إسرائيل تدرك أهمية الصناعة الدوائية، ولذلك فإنها تضع كل العراقيل والمعوقات التي تحول دون تطور المصنع وتمنع تقدمه.

ويضيف الأسطل إلى المعوقات الإسرائيلية، معوقات أخرى تقف في طريق المصنع وتمنع تطوره وازدهاره، مثل الانهيار الاقتصادي الذي يعاني منه قطاع غزة، ويؤثر على مناحي الحياة كافة، بما فيها الطلب على الأدوية.

ورغم كل ما يواجهه المصنع، فإن القائمين عليه يبدون إصرارا على الصمود والتحدي.

ويقول الأسطل إن المصنع يمثل قيمة كبيرة لقطاع غزة المحاصر، وفضلا عن كونه يعيل أكثر من 55 أسرة للعاملين فيه، فإنه يوفر الأدوية بأسعار زهيدة، ويغطي حوالي 12% من احتياجات القطاع، في مواجهة القيود الإسرائيلية على توريد كثير من الأصناف الدوائية.

وقدّر الأسطل معدل إنتاج المصنع من الأصناف الدوائية المختلفة بحوالي عشرين طنا في الشهر، وأهم إنتاجه الذي ينفرد به المصنع سبعة أصناف دوائية لا تنتجها سائر مصانع الأدوية سواء في الضفة الغربية أو إسرائيل.

الأسطل: المعوقات الإسرائيلية عطّلت خطط التطوير في المصنع (الجزيرة)
الأسطل: المعوقات الإسرائيلية عطّلت خطط التطوير في المصنع (الجزيرة)

أزمات مركبة
حدد مدير المستودعات في المصنع المهندس سامي التعبان نقص المواد الخام باعتباره أكبر مشكلة تواجه المصنع حاليا، لافتا إلى المعوقات التي تضعها إسرائيل في طريق استيراد المواد الخام، التي تستنزف وقتا طويلا، جراء سلسلة التراخيص التي يتطلبها ذلك سواء من وزارتي الصحة والبيئة في إسرائيل، أو من الجيش الإسرائيلي، فضلا عن الترخيص المطلوب من الجهات المختصة في السلطة الفلسطينية برام الله.

وقال التعبان للجزيرة نت، إن عملية استيراد المواد الخام والآليات المطلوبة للتصنيع تستغرق شهورا طويلة، وتتجاوز في بعض الأحيان ثمانية أشهر.

وأضاف أن المصنع يستغل الوقت الذي تسمح فيه سلطات الاحتلال باستيراد المواد الخام، ويعمل على استيراد كميات مضاعفة من هذه المواد من أجل تأمين استمرارية عجلة الإنتاج، غير أنه تعرض لخسائر كبيرة في أوقات سابقة من جراء تلف كميات من هذه المواد نتيجة انتهاء فترة صلاحيتها.

وأوضح التعبان أن المصنع يواجه معوقات تتعلق بالتسويق من جراء الأزمة الاقتصادية الخانقة بقطاع غزة، فضلا عن تكبده تكاليف باهظة لضمان ظروف تخزين سليمة في ظل أزمة انقطاع الكهرباء ساعات طويلة، واضطراره لتشغيل وسائل طاقة بديلة.

المصدر : الجزيرة