رغم العوائق القانونية.. مؤشرات لافتة للتجارة الإلكترونية في تونس
مجدي السعيدي-تونس
عندما كان الشاب إيراد بوعزيزي ينظر إلى شاشة هاتفه المحمول متجولا بين صفحات التواصل، وقعت عيناه على إعلان يعرض بيع أحزمة طبية مخففة لآلام الرقبة عبر إحدى البوابات الإلكترونية. لم يتردد في فتح نافذة الإعلان وحجز المنتج الذي طالما بحث عنه في الصيدليات ولم يعثر عليه.
لم يكن الموظف البالغ من العمر 35 عاما يعرف شيئا عن التجارة الإلكترونية وعمليات البيع والشراء عن بعد، ولكن استهوته التجربة، ليس فقط لأنه ظل يبحث طويلا عن حل لتسكين آلامه، بل أيضا لاعتقاده أن الحصول على بضاعته سيكون بالسهولة والسرعة المطلوبتين.
يصف بوعزيزي أولى تجاربه في التجارة عن بعد بأنها لم تكن موفقة، ويبدو أنه وقع ضحية أحد المواقع التي تعرض منتوجات معينة وتقدم بضائع أخرى مختلفة عن تلك التي تدفع ثمنها قبل أن تفتح العلبة.
ويقول للجزيرة نت "التجارة الإلكترونية مغرية فعلا، إنها تكفيك مشاق التنقل واكتظاظ المحلات التجارية وحمل البضائع، ولكن تبقى الثقة في استلام منتج يحمل مواصفات الجودة هو الحلقة المفقودة في تلك العملية، قد أجرب الأمر ثانية عندما تتوفر الشروط المثلى وعندما تضع الشركات مصلحة العملاء بالمقام الأول".
تطور رغم الصعوبات
رغم العوائق التي تعترضها والمتمثلة أساسا في ضعف ثقة العملاء وخوفهم من الوقوع ضحايا للنصب من قبل الوسطاء، سجلت التجارة الإلكترونية بتونس تطورا ملحوظا في السنوات الأخيرة، إذ صنف تقرير الأمم المتحدة للتجارة والتنمية الصادر في العام الجاري تونس في المركز الرابع بالقارة الأفريقية في مجال التجارة الإلكترونية خلف جزر الموريس ونيجيريا وجنوب أفريقيا.
واعتمد التقرير على نسبة مستخدمي الإنترنت وسلامة الأنظمة الإلكترونية وجودة الشبكة البريدية وإجمالي قيمة معاملات الدفع الإلكتروني التي تجاوزت 224 مليون دينار (نحو ثمانين مليون دولار).
ورغم هذه المؤشرات، يعتبر توفيق الفوراتي مدير أنظمة الدفع ببنك الأمان أن واقع القطاع يحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى مراجعة جذرية في الوسائل والآليات لرفع عدد مستعملي منظومة الدفع الإلكتروني.
وفي حديثة للجزيرة نت، يقول الفوراتي إن الانطباع السائد لدى العميل هو أن منظومة التجارة الإلكترونية تعاني من مشاكل عدة مما يقلص درجة الثقة بتلك المنظومة، وهم يسعون لتحسين جودة القطاع من خلال الخدمات المصرفية المتنوعة المتوفرة للعملاء بواسطة الدفع أو السحب بالبطاقات الإلكترونية.
وهناك عمل كبير ينتظر القطاع المصرفي والمواقع الناشطة في مجال التجارة عن بعد، خصوصا أن المعاملات الإلكترونية المكتملة لا تتجاوز 5% من جملة عمليات البيع، في حين أن 95% منها تتم نقدا، وفق المتحدث ذاته.
ويضيف أن مؤسستهم كانت أول شركة مصرفية بادرت بإنشاء منظومة استخلاص فواتير الخدمات عبر البطاقة البنكية أو إجراء بعض العمليات المالية عبر تطبيق موجود بالهواتف الذكية.
وتسير تونس -يقول الفوراتي- على طريق تعميم الخدمات المصرفية عن بعد، وتعمل على سن قوانين جديدة لتحفيز الشركات والعملاء على التجارة الإلكترونية وذلك عبر تخفيض الرسوم الخاصة بالدفع بالبطاقات البنكية.
تدريس التجارة الإلكترونية
تسعى بعض مؤسسات التعليم الخاص والتكوين لدعم القطاع من خلال تطوير الآليات البيداغوجية والتعليمية وتكوين مختصين في التجارة الإلكترونية، وفق ما أكده للجزيرة نت آدم المباركي مدير معهد التكوين الأفروـ تونسي الخاص.
ويرى المباركي، أستاذ التسويق، أن تونس تمتلك نية تحتية في شبكة الاتصالات تضاهي ما هو موجود في دول أوروبية، مما يعني أن أرضية نجاح تجربة التجارة الإلكترونية جاهزة، لكن العائق الأكبر يكمن في القوانين التي لا يبدو أنها تشجع على استخدام القطاع وغياب التشجيع على التكوين العلمي في مجال البيع الإلكتروني.
ويضيف أن التجارة الإلكترونية حبيسة حجز المنتجات عبر المواقع ثم دفع الأموال نقدا، وهي عملية غير مكتملة.
ومن بين الحلول الممكنة لتطوير القطاع هي التوجه نحو تكوين الطلبة في هذا الاختصاص، الأمر الذي يجري السعي لإقراره مؤخرا، بحسب المتحدث نفسه.
ويتلقى الطلبة بمعهد التكوين الأفروـ تونسي دروسا في تقنيات الدفع الإلكتروني وهندسة وتصميم مواقع النت وإدارة الأعمال والتسويق، فضلا عن قانون التجارة الإلكترونية بحسب المتحدث.
ووفق أرقام وزارة التجارة بتونس، تطور عدد مواقع التجارة الإلكترونية أو الخدماتية المرتبطة بالدفع عبر البطاقات البنكية إلى 1657 موقعا في عام 2018، بعد أن كان في حدود 1200 في العام 2012.
كما تجاوز عدد العمليات التجارية الإلكترونية أربعة ملايين عملية في العام الماضي، في حين لم يبلغ في 2015 أكثر من مليون ونصف المليون عملية.
وشهد الإقبال على الانخراط في منظومة التجارة الإلكترونية ارتفاعا في السنوات الأخيرة نتيجة اعتماد البنوك والمصارف خدمات جديدة للدفع والتحويل والاستخلاص عن بعد.