رغم الاتفاقات بالسودان.. تعافٍ مؤقت للجنيه لا يطال الأسعار

الجزيرة نت-الخرطوم
يتحرك الاقتصاد السوداني الهش مدا وجزرا وفقا لتقلبات السياسة في بلد ما عرف الاستقرار إلا لماما، ومنذ أوائل يوليو/تموز وعلى إثر سلسلة اتفاقات بين العسكر وقوى الحرية والتغيير دبت بعض العافية في أوصال العملة الوطنية.
وأعلن طرفا الأزمة في الخامس من الشهر الفائت التوصل لاتفاق ابتهج معه الشارع وأنعش الجنيه المتهاوي أمام الدولار منذ انفصال جنوب السودان عام 2011 وذهابه بنحو 75% من إنتاج النفط.
وحينها تحسن سعر صرف الجنيه في السوق الموازية من بضع وسبعين جنيها للدولار ليلامس 49 جنيها مقتربا من السعر الرسمي للبنك المركزي (45 جنيها).
وهو ارتفاع للعملة الوطنية اضطرت معه مجموعة شركات "دال" الأكبر في الصناعات الغذائية في البلاد لإصدار نشرة رسمية بخفض أسعار منتجاتها.
حرب العملات
ويقول متوكل عمر الموظف في هايبر ماركت الريان بالخرطوم إن سعر اللتر من الحليب انخفض بعد 5 يوليو/تموز الماضي من 65 جنيها (حوالي 1.4 دولار) إلى 50 جنيها (حوالي 1.1 دولار).
لكن -وبحسب عمر ما قال المواطن للجزيرة نت- فإن الأسعار سرعان ما عادت للارتفاع مرة أخرى بعد أيام، وهو ما تكرر لدى توقيع الاتفاق السياسي.
يُشار إلى أنه مع سريان إرهاصات بتوصل طرفي التفاوض لاتفاق حول الوثيقة الدستورية، عاد الجنيه مجددا للارتفاع أمام العملات الصعبة بالسوق السوداء ليصل سعر صرف الدولار إلى 66 جنيها بدلا عن سبعين.
وبعد توقيع الاتفاق الأحد الماضي تراوح سعر صرف الدولار بين 64 و65 جنيها، لكن دون أن ينعكس ارتفاع الجنيه على أسعار السلع والخدمات التي باتت تشكل هاجسا للسواد الأعظم من السودانيين.
وتبلغ نسبة الفقر 36.1% طبقا لإحصاءات حكومية عام 2017 كانت مثار شكوك للمعارضين الذين يعتبرون أن نسبة الفقر تتجاوز ثلث سكان البلاد بكثير.

التجار الكبار
لكن الخبير الاقتصادي بروفيسور إبراهيم أونور اعتبر -في حديثه مع الجزيرة نت- تحسن سعر صرف الجنيه ردود أفعال قصيرة المدى بسبب توقيع الإعلان الدستوري.
ويقول أونور -الذي ترأس لجنة الاقتصاد ومعاش الناس، في مؤتمر الحوار الوطني إبان حقبة الرئيس المعزول عمر البشير- إن ما يجري ليس له علاقة بالأداء الفعلي للاقتصاد.
وتابع: لا توجد زيادة في الإنتاج ولا يوجد نفط أيضا يجعل الجنيه يتعافى، وقطعا لا يعود الأمر لعوامل اقتصادية حقيقية.
ويعزو الخبير الاقتصادي تذبذب سعر الصرف الموازي لتحكم أربعة أو خمسة من التجار الكبار الذين حينما يشترون الدولار ينخفض الجنيه وعندما يبدؤون البيع يرتفع الجنيه، موضحا أن ما يجري مجرد إستراتيجيات بيع وشراء من تجار يحتكرون سوق العملات.
كما يرهن الاستقرار الاقتصادي وانخفاض الأسعار بقفل الثغرات الاقتصادية المتمثلة في تجارة العملة وتهريب الذهب، وعدم توريد حصائل الصادر للبنك المركزي، فضلا عن وقف التجاوزات والفساد المرتبط بأجهزة الدولة.
صدمة اقتصادية
لا تبدو الصورة بأفضل بين العاملين في قطاع استيراد المستلزمات الطبية الذين يعانون من عدم ثبات سعر الصرف، وهو ما يؤدي إلى تنامي الهواجس من تكبد خسائر يتم تجنبها بفرض هامش أرباح أكبر لتغطية أي ارتفاع محتمل في سعر صرف الدولار.
ويقول أحد موردي المستلزمات الطبية للجزيرة نت إن ارتفاع قيمة الجنيه جراء أي حدث سياسي لا يمكن اعتباره تحسنا، بل هو صدمة ينتهي أثرها ما بين يوم وأسبوع.
ويشير إلى أنه قبيل التوقيع على الوثيقة الدستورية نقص سعر صرف الدولار أربعة جنيهات، وبعد التوقيع بيوم واحد زاد سعر صرف العملات مجددا بواقع ثلاثة جنيهات.
وطبقا لتاجر عملة بالسوق الموازية، فإن سعر صرف الدولار ارتفع يوم الاثنين إلى 64 جنيها للبيع و65 للشراء، ورجح اقتراب سعر الصرف من حاجز السبعين جنيها في غضون أيام.
وما يزال السودانيون يعانون في الحصول على أوراق النقد من مدخراتهم بالبنوك وماكينات الصرف الآلي، مع انتعاش تجارة "الكاش" مقابل التحويل للحسابات المصرفية.
ويؤكد مورد المستلزمات الطبية أنه برغم تساقط شركات نافذين في العهد "البائد" كانت متورطة في شراء العملات الصعبة من السوق بأي سعر فإن السوق ما زالت تحتاج لانخفاض سعر صرف الدولار لشهر على الأقل حتى ينعكس ذلك إيجابا على خفض أسعار السلع.

آمال الناس
في المقابل، يعود الموظف في هايبر ماركت الريان ليقر بأن الجنيه ارتفع بعد التوقيع على الوثيقة الدستورية لكن من غير المتوقع انخفاض أسعار السلع بسبب اقتراب عيد الأضحى الذي يمثل موسما تنتعش فيه حركة الشراء.
وفي الأسواق المركزية للخضر والفواكه شهدت الأسعار تراجعا ملحوظا، دون أن يرجعه الباعة إلى مجريات الأحداث السياسية.
وانخفض سعر الكيلوغرام من الطماطم إلى تسعين جنيها بدلا عن مئتين، ووفقا للتاجر عوض الجيد فإن ذلك يتعلق بالعرض والطلب فقط، وليس له علاقة بتوقيع الوثيقة الدستورية.
لكن اللحوم بشقيها الحمراء والبيضاء حافظت على أسعارها المرتفعة في نطاق 240-280 جنيها لكيلو العجالي، و320-340 لكيلو الضأن، وحوالي 175 جنيها لكيلو الدجاج.
وقال المواطن الستيني العزيب النور للجزيرة نت -عندما كان يشتري حاجته من اللحم البقري- إنه من الجيد أن الأسعار لم تنفلت والسوق لم تنهر بالرغم من عدم الاستقرار السياسي "لكن سنكون سعيدين إذا انخفضت الأسعار بشكل ملحوظ".