السكن في إيران.. نصف قرن لامتلاك شقة العمر ومافيا عقارات

محمد رحمن بور-طهران
لم يعد مشهد الشاحنات المحملة بأثاث المنازل أمرا مستغربا في المدن الكبيرة بإيران وفي فصل الصيف تحديدا، حيث يطوي المستأجرون أرجاء المدن بحثا عن منازل أرخص للعيش فيها.
وينتشر حاليا الإسكان في أطراف المدن شيئا فشيئا خاصة من قبل سكان المدن الكبيرة في إيران وتحديدا العاصمة طهران، بسبب ارتفاع قيمة شراء المساكن والإيجارات خلال العام الجاري.
وبحسب موقع مركز الإحصاء الإيراني، يقدر عدد سكان إيران بـ83 مليون نسمة.
ووفق الإحصاء السكاني لعام 2016، فإن 74% من الإيرانيين يتوزعون في المدن، ويشكلون النسبة الأكبر بالعاصمة طهران التي يعيش فيها نحو 11% من مجموع سكان البلاد، أي أكثر من تسعة ملايين نسمة.
بطالة وتضخم وأشياء أخرى
وقد ارتفعت أسعار المنازل والإيجارات في إيران بشكل ملحوظ منذ السنة الماضية، بالتوازي مع ارتفاع نسبة البطالة والتضخم وأسعار العملات الأجنبية والمواد المستهلكة من قبل المواطنين.
ويقول رئيس الاتحاد السكني في طهران مصطفى قلي خسروي، إن أسعار العقارات في إيران تتأثر بأربعة عوامل وهي: البورصة، والطاقة، وسعر الصرف والذهب. وأثر ارتفاع سعر الصرف بشكل مباشر بسعر السكن في السنوات الماضية.
وارتفع سعر الدولار الواحد إلى 120 ألف ريال إيراني في يوليو/تموز من العام الجاري، مقابل 42 ألفا خلال الفترة نفسها من العام الماضي، كما ارتفع التضخم إلى 40.4% خلال يوليو/تموز هذا العام مقابل 10.2% خلال الفترة نفسها من العام المنصرم، حسب موقع مركز الإحصاء الإيراني.
وتسكن ثلث العائلات الإيرانية في منازل مؤجرة، وبلغ معدل سعر العقار في مدينة طهران 133 مليون ريال إيراني (1108 دولار) للمتر المربع بحسب البنك المركزي في يونيو/حزيران 2019.

وبينما يقدر الحد الأدنى للأجور للعامل العادي المتزوج ولديه طفلان 21.8 مليون ريال (181 دولارا)، فإن حلم امتلاك شقة في طهران بمساحة 75 مترا بالنسبة لدخل العامل سيستغرق تحقيقه 38 سنة دون أكل وشرب، أو يجب أن ينتظر أكثر من نصف قرن لشراء البيت إذا أكل أو شرب.
الأمر نفسه بالنسبة للموظف الحكومي الذي يتقاضى راتبا بمعدل 28 مليونا و670 ألف ريال إيراني في الشهر (238 دولارا)، فستستغرق عملية شرائه منزلا نحو 29 سنة تقريبا، أو قرابة نصف قرن إذا صرف شيئا من راتبه، وهذا بشرط عدم تغيير أوضاع الإيجارات وسائر العوامل المؤثرة بأسعار العقارات.
احتكار
وتعاني إيران من ضعف القوانين الخاصة بقطاع العقارات، حيث يتحكم أصحاب العقارات بسوق البيع والشراء ويمارسون السيطرة الكاملة على المستأجر. فبإمكان المالك رفع الإيجار حسب رغبته ودون أية قيود.
كما يمكنه تملك مئات الشقق الفارغة واحتكارها، أو بيع وشراء مساحات واسعة من الأراضي بأسعار باهظة، ودون دفع أي ضريبة أو غرامة.
وارتفع عدد المنازل الفارغة في إيران إلى مليونين و587 ألف منزل في عام 2016 بعد أن كان مليونا و663 ألف منزل عام 2011، أي أن 11% من مجموع عقارات إيران كانت فارغة قبل ثلاث سنوات، كما أن العدد ارتفع حاليا.
أما بالنسبة لطهران فتشكل نسبة المنازل الفارغة في العاصمة 13% من مساكنها أي قرابة نصف مليون منزل فارغ، وفق تقديرات موقع المركز الإحصائي الإيراني لعام 2016.
ومقارنة بسنة 2018 انخفض مجموع معاملات السكن في طهران 60% في مايو/أيار 2019، وفي التاريخ نفسه ارتفع معدل سعر المتر المربع الواحد للشقة في طهران 105%.
ويقول خبير العقارات في منطقة 17 (جنوب) طهران داوود قاسمي للجزيرة نت، "نلاحظ الزحف السكاني من المناطق الشمالية في طهران نحو المناطق الجنوبية أو المدن المجاورة بحثا عن منازل بسعر أرخص أو أصغر من حيث المساحة أو منازل قديمة".

وفي معرض حديثه عن ارتفاع أسعار الإيجارات أفاد قاسمي بأن المستأجر الذي كان يدفع السنة الماضية ثلاثين مليون تومان (2500 دولار) للرهن وتسعمئة ألف تومان (75 دولارا) لاستئجار منزل بمساحة خمسين مترا مربعا في طهران، فإن المبلغ قد ارتفع هذا العام إلى أربعين مليون تومان (3350 دولارا) للرهن، و1.8 مليون تومان (150 دولارا) للإيجار.
"لقد بات المواطن الإيراني يعمل ضمن وظيفتين خلال اليوم بمساعدة زوجته أملا بتأمين لقمة عيش الأسرة، حيث وصل خط الفقر لعائلة مؤلفة من أربعة أشخاص في طهران إلى 4.5 ملايين تومان (380 دولارا)"، بحسب تصريح عضو الهيئة الرئاسية في البرلمان الإيراني أحمد أمير آبادي فراهاني في يناير هذا العام.
ويقول لقمان في حديثه للجزيرة نت "منذ خمس سنوات أسكن أنا وزوجتي وابني في طهران وأعمل في مؤسسة خاصة أتقاضى منها شهريا 3 ملايين تومان (250 دولارا) وهذا لا يكفينا، لذا أعمل على سيارتي سائق أجرة عبر النت وأحصل على مليون وثمانمئة ألف تومان (150دولارا) إضافية، كما يجب عليّ تغيير بيتي بعد شهرين، لأن صاحب العقار قد رفع الإيجار وأنا غير قادر على تأمينه".
قروض الإسكان
وتسعى الدولة لمنح قروض الإسكان أو بناء شقق رخيصة للشباب، لكنها لن تنجح في مهامها إلا إذا وضعت قوانين صارمة مثل غيرها من البلدان لحماية المستأجرين وتحديد الحد الأقصى للإيجار وفرض الضرائب على البيوت الفارغة ومواجهة "مافيا السكن".
لقد بات الأمر واضحا بأن سوق العقارات في إيران -وفق مراقبين- يحتاج إلى عملية سريعة وواسعة على رأسها إرشاد رؤوس الأموال من مالكي العقارات إلى إقامة مشاریع منتجة في البلاد والسيطرة على تراجع السوق، كي لا يتحول شراء السكن إلى حلم بالنسبة للشباب الإيراني وحتى لا يكون مجبرا على النوم في السيارة، كما يحدث حاليا.