استمرار خفض الدعم بمصر.. لا عدالة في توزيع الفقر

المواد التموينية تخفف أعباء الحصول على المستلزمات الغذائية ـ تصوير خاص ـ القاهرة ـ 2019
الإجراءات الاقتصادية التي أعلنتها الحكومة المصرية بوصفها إصلاحا اقتصاديا دفعت مزيدا من المصريين إلى تحت خط الفقر (الجزيرة)

عبد الله حامد-القاهرة

تسلم محمد عطية إنذارا رسميا بقرب وقف بطاقته التموينية، نظرا لارتفاع فاتورة استهلاكه الكهرباء، التي أظهرتها قاعدة بيانات المواطنين التي تربط بين الوزارات المختلفة، والتي استحدثتها الحكومة المصرية مؤخرا.

وحسب معايير جديدة وضعتها وزارة التموين وستنفذ من بداية الشهر المقبل، فإن ارتفاع استهلاك الكهرباء يعني أن الأسرة ميسورة وبالتالي لا حاجة لها بالاستفادة من دعم السلع التموينية، وهو دعم يشمل سلعا رئيسة قليلة مثل الزيت والسكر والأرز.

المفاجأة أن محمد عطية الذي يقطن في محافظة الشرقية شمال شرق القاهرة، لا يوجد لديه عداد كهرباء من الأساس، كما يؤكد في شكواه لوزارة التموين، فهو يسكن مع زوجته وأبنائه الخمسة في شقة بالإيجار وعداد الكهرباء ليس باسمه، لذا فهو يضرب كفا بكف من الصدمة والدهشة.

وتؤشر هذه الواقعة على عدم دقة وواقعية المحددات التي أعلنت عنها وزارة التموين قبل أيام، بشأن مستحقي الدعم، فحد استهلاك الكهرباء غير عادل وعشوائي، برأي حمادة حماد، وهو عامل باليومية، جاءته فاتورة الكهرباء بأكثر من خمسمئة جنيه (الدولار نحو 16.5جنيها).

ويؤكد حماد أن الموظف المختص بقراءة العداد لا يأتي إلا على فترات، وبالتالي يسجل قراءات عشوائية غير حقيقية وغالبا عالية ويدخل المستهلك في شريحة محاسبية أعلى، تخرجه بالتالي من الدعم التمويني وتزيد معاناته المعيشية.

أما عمر فوزي فأخرجته المعايير الجديدة من منظومة الدعم لسبب آخر، وهو امتلاكه سيارة رغم أنها سيارة متواضعة ولا يزال يدفع أقساطها حتى الآن.

ويعتقد فوزي أن مزيدا من المصريين دفعتهم الإجراءات الاقتصادية القاسية على مدى السنوات الثلاث الماضية إلى ما دون خط الفقر، وحرمتهم الحكومة من بعض السند ممثلا في الدعم، بينما أمثاله ـوهو محاسب بأحد المستشفيات الحكوميةـ مستحقون للدعم لإعانتهم على قسوة الحياة، وكان أولى بالحكومة الحرص على العدالة في توزيع الفقر، ما دامت عاجزة عن عدالة توزيع الثروة، بحسب وصفه.

استبعاد وتوسع

وبلغ عدد المستبعدين من قائمة مستحقي الدعم أكثر من ثمانية ملايين شخص، يحق لهم التظلم في أي وقت، بحسب مستشار وزير التموين لتكنولوجيا المعلومات عمرو مدكور، مؤكدا إضافة 12 فئة جديدة لم تكن من قبل تحت مظلة التموين مثل من يقل معاشه عن 1200 جنيه، أو الأرملة أو المطلقة أو ذوي الاحتياجات الخاصة، ليستقر الرقم الحالي للمستحقين للدعم عند 71 مليونا.
 
وتابع مدكور -في تصريحاته- بإحدى الفضائيات المحلية أن قيمة دعم الخبز وحده للفرد داخل منظومة التموين تصل إلى 135 جنيها شهريا، مؤكدا أن الدولة لا تستهدف أبدا تقليل فاتورة الدعم.
 
وعادة ما يؤكد مسؤولو الوزارة -في تصريحاتهم- أن المحددات الجديدة لمستحقي الدعم راعت كل هذه الظروف، وأتاحت التظلم، وذهب وزير التموين علي المصيلحي أبعد من ذلك خلال مؤتمر صحفي مؤخرا، حيث قال إن أحد المواطنين بادر من تلقاء نفسه وطالب الوزارة بإلغاء الدعم عنه، لأن الشروط الجديدة تنطبق عليه!
 
وأضاف الوزير خلال المؤتمر تعليقا على هذه الواقعة، "أتمنى أن يحذو كثيرون حذو هذا المواطن الصالح، وسنشكره".
 
ونوه الوزير بوجود قاعدة بيانات دقيقة وخالية من الأخطاء سواء الرقم القومي أو غيره ولا يوجد بها أي تكرار، مضيفا "هذا مجهود كبير من جميع الجهات الرقابية ووزارة الإنتاج الحربية، لضمان وصول الدعم لمستحقيه، فالموازنة لا تتحمل دعم سبعين مليون مواطن"، لافتا إلى ارتفاع فاتورة الدعم هذا العام من 86 مليار جنيه إلى 89 مليارا (الدولار نحو 16.5 جنيها).
قواعد المنع
وتحرم القواعد الجديدة للدعم التمويني كلا من الأسر التي تستهلك الكهرباء بأكثر من ألف كيلو وات شهريا، أو التي تحوز أكثر من ثلاث سيارات، وتلك التي لديها قيمة مضافة بأكثر من مئتي ألف جنيه، ومن تدفع ضرائب أكثر من مئة ألف جنيه سنويا، ومن تحوز سيارة فارهة طراز عام 2013 وما بعده، بالإضافة إلى من لديها حيازة زراعية بأكثر من 15 فدانا، ومن لديها جمارك صادرات أو واردات بأكثر من مئة ألف جنيه سنويا.
 
كما تستبعد المعايير الأسرة التي يتخطى استهلاك الهاتف المحمول بين أفرادها أكثر من ثمانمئة جنيه، أو التي تنفق على التعليم بأكثر من خمسين ألف جنيه سنويا، أو التي يتعدى إجمالي الراتب الحكومي لأفرادها أكثر من 15 ألف جنيه شهريا، والأسرة التي لديها مهنة عليا (لم يحددها).
عادلة أم لا؟
ويرى الخبير الاقتصادي مصطفى شاهين أن معظم المعايير الموضوعة عادلة إلى حد كبير لتحديد دخول المواطنين.
 
واستدرك شاهين أن الأصل أن الحكومة تطبق أيضا مثل هذه المعايير لمراعاة الطبقات محدودة الدخل
التي لا تعلم الحكومة عنهم شيئا، ولكن واقعيا لا يوجد عند السلطة أي أداة لقياس الدخل في مصر.

وأوضح أن مثل هذه المعايير مطلوبة لتوسعة الشرائح الضريبية خاصة على الأغنياء، لتصبح السياسات الاقتصادية أكثر عدالة.

واستبعد شاهين في حديثه للجزيرة نت أن تؤثر هذه القرارات على المستبعدين سلبا أو إيجابا، لأن من يمتلك مثل هذه الإمكانيات الاقتصادية المذكورة لن يؤثر عليه حرمانه من دعم ببضع عشرات من الجنيهات تزيد أو تنقص، كما لن تتغير منظومة استهلاكه للسلع نتيجة حظره من سلع معينة بسعر مدعوم.

غير أن شاهين -وهو أيضا أستاذ الاقتصاد بجامعة أوكلاند الأميركية- يتوقع فشل مساعي الحكومة لخفض عجز الموازنة باستبعاد ملايين المواطنين من الحصول على الدعم، لأن الموازنة لن تتحسن حتى لو تم إلغاء كل الدعم التمويني على الإطلاق، فالعجز بات مرهونا بالمديونية العامة للدولة التي تتجاوز أكثر من 80% من جملة الإيرادات.

ويختلف الكاتب الصحفي طه خليفة مع الرأي السابق في اعتبار المعايير عادلة، مؤكدا أن وزير التموين لا يعلم أن الأرض الزراعية مهما كانت مساحتها صارت عبئا على ملاكها ومستأجريها، ولا فائدة لديهم، وبالتالي -بحسب منشور له بصفحته الشخصية- فأصحاب الحيازات الزراعية يستحقون الدعم لا الحرمان منه.

ويعد خفض الدعم أحد شروط صندوق النقد الدولي لمنح مصر قرضا بقيمة 12 مليار دولار، تسلمت منها عشرة مليارات دولار.

واتخذت الحكومة عددا من الإجراءات القاسية شملت تحرير سعر صرف الجنيه، ورفع أسعار الوقود والكهرباء والمياه والمواصلات العامة، وزيادة الرسوم والضرائب.

وارتفعت نسبة عدد الفقراء إلى 32.5% من السكان عام 2017-2018، مقارنة بنحو 27.8% عام 2015-2016، حسب ما أعلنه الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

المصدر : الإعلام المصري + الجزيرة + مواقع التواصل الاجتماعي