بالأرقام.. الصحة والتعليم يسقطان من حسابات خطة الإصلاح الاقتصادي بمصر

تراجع الإنفاق على التعليم بمصر من 3.6% في 2016 إلى 2.2% صورة أرشيفية خاصة للجزيرة نت
تقرير البنك الدولي أشار إلى انخفاض مخصصات الرعاية الصحية والتعليم في الموازنة العامة للدولة مقارنة بالقيمة الحقيقية (الجزيرة)
عبد الرحمن محمد–القاهرة
بخلاف سعي النظام المصري لتأكيد أن برنامجه للإصلاح الاقتصادي يستهدف تحسين القطاعات الخدمية؛ كشف تقرير أصدره البنك الدولي عن أن قطاعي الصحة والتعليم في مصر لم يستفيدا مما وفرته الإصلاحات المالية خلال السنوات الماضية.
فرغم ما أعلنته الحكومة مرارا منذ بدء برنامج الإصلاح الاقتصادي عام 2016 من أن الوفورات المتوقعة تستهدف المساهمة في إجراءات الحماية الاجتماعية؛ أشار تقرير البنك الدولي إلى انخفاض مخصصات الرعاية الصحية والتعليم في الموازنة العامة للدولة مقارنة بالقيمة الحقيقية.
التقرير الذي صدر خلال الأيام الماضية باسم "مرصد الاقتصاد المصري يوليو/تموز 2019" كشف عن تراجع الإنفاق على التعليم في مصر من 3.6% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي عام 2016، إلى 2.5% عام 2018، وصولا إلى 2.2% في موازنة العام المالي الحالي.
 
كما أورد التقرير ما يفيد بتراجع مخصصات الصحة في الموازنة الجديدة، حيث بلغ الإنفاق عليها 1.6% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي عام 2018.
وتتناقض هذه النتائج مع ما تعلنه الحكومة المصرية بين الفينة والأخرى عن زيادة إنفاقها في قطاعي الصحة والتعليم مقارنة بالأعوام السابقة.
وتستشهد الحكومة بارتفاع الاستثمارات في قطاع التعليم من 6.1 مليارات جنيه عام 2014-2015، إلى 21.7 مليار جنيه في موازنة العام الحالي، وارتفاع استثمارات الصحة بالمقارنة بين الفترتين ذاتهما، من أربعة مليارات جنيه إلى 13.5 مليار جنيه.
لكن خبراء ومراقبين أشاروا إلى أن الحكومة تعتمد مغالطة في هذا الأمر؛ بتجاهلها تغيير سعر صرف الجنيه، الذي هبط من 7.8 جنيهات مقابل الدولار عام 2015، إلى 16.7 جنيها مقابل الدولار حاليا، وهو ما يعني انخفاض القيمة الحقيقية للاستثمارات في مجالي التعليم والصحة.
‪التعليم في مصر‬ يعاني (الجزيرة)
‪التعليم في مصر‬ يعاني (الجزيرة)
لا وفورات
ويرى الخبير الاقتصادي عبد النبي عبد المطلب أنه لم تكن هناك وفورات لعمليات الإصلاح الاقتصادي حتى يمكن تحويلها إلى أي قطاعات أخرى، بما فيها قطاعات التعليم والصحة، أو القطاعات الاستثمارية، سواء كانت استثمارات جديدة أو توسع المشروعات القائمة.
ويربط في حديثه للجزيرة نت ذلك بزيادة مدفوعات الموازنة العامة للدولة لبند فوائد وأقساط الديون المستحقة، والتي أثرت بشكل كبير على المخصصات التي كان يمكن تحويلها للتعليم والصحة وغيرها من الخدمات الاجتماعية.
ويقر عبد المطلب بأن هذا الانخفاض في مخصصات قطاعي التعليم والصحة، سيؤثر بشكل سلبي على المواطن المصري، كونهما من أهم أركان النهوض بالمجتمع.
المستشفيات الحكومية في مصر تعاني الإهمال بسبب ضعف الإمكانيات المالية (الجزيرة)
المستشفيات الحكومية في مصر تعاني الإهمال بسبب ضعف الإمكانيات المالية (الجزيرة)
مزاعم مردودة
في المقابل، اعتبر الخبير الاقتصادي مصطفى عبد السلام أن ما كشفه البنك الدولي في تقريره يؤكد بوضوح عدم استفادة أهم قطاعين خدميين في مصر -وهما التعليم والصحة- من الوفورات المالية التي نتجت عن خفض الدعم الحكومي وزيادة أسعار سلع رئيسية مثل الكهرباء والمياه والبنزين والسولار والغاز.
ويرى عبد السلام في حديثه للجزيرة نت أن تقرير البنك الدولي أكبر رد على مزاعم متكررة تقول إن المواطن هو أكبر مستفيد من برنامج الإصلاح الاقتصادي، وإن ما يتحقق من وفر في الموازنة يوجه لإقامة مستشفيات وتحسين الرعاية الصحية وتأسيس مدارس وجامعات.
ولفت الخبير الاقتصادي إلى أن ما ذهب إليه البنك الدولي سبقه إليه خبراء ومحللون، حين أكدوا أكثر من مرة أن الموازنة العامة للدولة تخالف دستور البلاد باعتمادها مخصصات للتعليم والصحة أقل كثيرا من المنصوص عليه في الدستور.
وأشار إلى أن الحكومة المصرية تخالف في ذلك نصا دستوريا يوجب التزام الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي للتعليم لا تقل عن 4%، وللصحة لا تقل عن 3%، من إجمالي الناتج القومي، تتصاعد تدريجيًّا حتى تتفق مع المعدلات العالمية.
وأكد أن هذه الخلاصات تعطي الحق للمواطن المصري في أن يتساءل عن مصير الوفورات المالية الناتجة عن زيادات أسعار السلع الرئيسية، والتي تقدر بعشرات مليارات الجنيهات، وما إذا كان يستفيد منها المواطن البسيط بشكل حقيقي، أم أنها تذهب لتمويل مشروعات لا تعود بالنفع عليه كالعاصمة الإدارية مثلا.
الديون السبب
بدوره، يلفت الصحفي المتخصص في الشأن الاقتصادي عمرو خليفة إلى أن مشروع الموازنة العامة للعام المالي الحالي كشف عن ارتفاع أعباء الديون بقيمة 154 مليار جنيه لتبلغ 569.1 مليار جنيه بزيادة 6.7% عن العام المالي السابق، وهو ما له دور كبير في التأثير على مخصصات هذه القطاعات الحيوية.
ويضيف في حديثه للجزيرة نت إلى أن الحكومة ركزت في مشروع الموازنة على خفض العجز تنفيذا لتعليمات صندوق النقد الدولي، حتى وإن جاء ذلك على حساب قطاعي التعليم والصحة.
وذكّر خليفة بالجدل الذي أشعله وزير التربية والتعليم المصري طارق شوقي حين حذر من عدم تخصيص الاعتمادات اللازمة للوزارة في مشروع الموازنة، وما سيتركه ذلك من أثر على منظومة التعليم، لينتهي الأمر دون تحقيق طلب الوزير.
لكنه أشار إلى أن تقرير البنك الدولي سلط الضوء كذلك على نجاح النظام المصري في عدد من جوانب الإصلاح الاقتصادي، إلا أن هذه الجوانب -حسب تقديره- جاءت على حساب المواطن البسيط، مثل تحرير سعر الصرف، وتقليص الدعم، وزيادة الجباية الضريبة.
يذكر أن البنك الدولي قال في بداية مايو/أيار الماضي إن نحو 60% من سكان مصر إما فقراء أو عرضة له.
المصدر : الجزيرة