الحد الأدنى للأجور بالمغرب.. هل يأتي يوم العمال بالفرج؟

صور ارشيفية من مسيرات واحتجاجات مختلفة بالمغرب
قطاع واسع من المغاربة يؤكدون أن أجورهم لا تكفي لمواجهة ارتفاع تكاليف المعيشة (الجزيرة)

مريم التايدي-الرباط

بعيون دامعة وتنهيدة عميقة، قالت نادية (29 عاما، أم لطفلين) إن الحد الأدنى للأجور (سميك كما هو متعارف عليه بين المغاربة) يعني عندها "الحكرة" (الظلم باللهجة المحلية).

تشتغل نادية بالقطاع المالي الخاص، وتتقاضى حوالي 3500 درهم (أقل من 350دولارا) بعد أن كانت تشتغل بمقابل 2100 في البداية.

نصف الأجر للنقل
في حديث مع الجزيرة نت، اعتبرت نادية أن أجرها لا يوازي المجهود الذي تقوم به، موضحة أنها وزملاءها يعملون حد التعب لساعات أكثر من المسموح بها قانونا، بما يصل إلى 12 ساعة في اليوم أحيانا، وأحيانا لا يستفيدون حتى من الوقت المخصص لراحة الأكل.

تنفق نصف أجرتها الشهرية على وسائل النقل المختلفة، فهي تقطن سلا (مدينة مجاورة للعاصمة الرباط) وتعمل في الرباط، مما يضطرها للتنقل بوسائل عديدة تصل كلفتها إلى خمسين دولارا يوميا.  

شد وجذب  
مع اقتراب اليوم العالمي للعمال، تزداد حدة الشد والجذب بين النقابات الممثلة للأجراء والحكومة، حول الرفع من الحد الأدنى للأجور، والزيادة في الأجور والمعاشات، وتحسين الأوضاع المعيشية للأجراء بالنظر لتدني القدرة الشرائية وارتفاع مستوى المعيشة.  

ويشهد المغرب مباحثات مستمرة بين ممثلي العمال والحكومة فيما يعرف بحلقات الحوار الاجتماعي، لكنها لم تصل بعد إلى نتائج.

وكان وزير الداخلية عبد الواحد لفتيت دخل على خط الحوار الاجتماعي، واستدعى النقابات الأكثر تمثيلا (اتحاد الشغل، الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، الاتحاد الوطني للشغل) إلى جلسات حوارية الأسابيع الأخيرة، ويتوقع منها أن تحد من الاحتجاجات الاجتماعية والفئوية التي تعيشها المملكة منذ بداية 2019.

وترفض النقابات العرض الحكومي بزيادة ثلاثمئة درهم في الأجور على مدى ثلاث سنوات.

ويشمل العرض الحكومي الزيادة في التعويضات العائلية بمئة درهم شهريا، في حدود ستة أبناء بالقطاع العام (تستفيد حاليا الأسر من مئتي درهم شهريا عن كل ابن).

‪احتجاجات سابقة للمطالبة برفع الأجور‬ (الجزيرة)
‪احتجاجات سابقة للمطالبة برفع الأجور‬ (الجزيرة)

عرض هزيل
وظلت النقابات ترفض العرض الحكومي، وتشبثت بمطالب بالزيادة في الأجور ومعاشات المتقاعدين.

يقول الكاتب العام للمنظمة الديمقراطية للشغل علي لطفي في حديث مع الجزيرة نت "نطالب الحكومة بالرفع ليس فقط من الحد الأدنى للأجور ولكن الزيادة في الأجور والزيادة في معاشات المتقاعدين".

ويعتبر لطفي أن المحادثات مع وزير الداخلية تهدف إلى امتصاص الغضب والتهدئة، معتبرا أن العرض الحكومي المعلن عنه "هزيل لا يرقى إلى انتظارات العمال".

وقال المسؤول النقابي إن الشغيلة (العمال) تطالب باعتماد ستمئة درهم زيادة لكل الفئات، وتطالب بملاءمة القطاع الخاص مع القطاع العام واحترام مدونة الشغل، وتنتظر حوارا اجتماعيا برئاسة رئيس الحكومة وتحضره الشركات.

الإنتاجية والمواكبة
تعليقا على الحوار بشأن الحد الأدنى للأجور وتدني القدرة الشرائية للمستهلك، قال الخبير الاقتصادي والمالي الطيب أعيس في حديث مع الجزيرة نت إن الحد الأدنى للأجور يرهن القدرة الشرائية للأجير والقدرة التنافسية للشركة، ويضعهما في تقابل خصوصا على المدى القصير.  

وأوضح أعيس أن الواقع الاقتصادي للشركة المغربية واندماجها في سوق مفتوحة يجعلها تعيش ضغطا تنافسيا وتبحث عن تخفيض كلفة اليد العاملة من جهة، ومن جهة أخرى يبدو من غير المقبول أن يعيش عامل مثلا بالدار البيضاء بالحد الأدنى للأجر.

وينادي بضرورة تدخل الدولة لمواكبة الاقتصاد الوطني، من خلال الرفع من الإنتاجية وتخفيف الضرائب على الشركات، وتوفير الحماية الاجتماعية وتحسين الخدمات الاجتماعية لصالح الطبقة العاملة. 

مع اقتراب اليوم العالمي للعمال تشتد المطالبات بزيادة الأجور والمعاشات (الجزيرة)
مع اقتراب اليوم العالمي للعمال تشتد المطالبات بزيادة الأجور والمعاشات (الجزيرة)

ما خفي أعظم
يفيد المسؤول النقابي لطفي أن 70% من الشركات بالقطاع الخاص لا تحترم الحد الأدنى للأجر (250 دولارا مقابل ثلاثمئة بالقطاع العام).

ويضيف أن هناك عمالا يتقاضون بين خمسمئة و1500 درهم، مشيرا إلى أن النسيج الاقتصادي المغربي يتشكل من 95% من الشركات الصغيرة التي تعاني من الثقل الضريبي والهشاشة.

يُذكر أن دراسة سابقة لصندوق الضمان الاجتماعي أفادت بأن أكثر من ثلاثة أرباع العاملين بالقطاع الخاص لا يتجاوز أجرهم أربعة آلاف درهم (أربعمئة دولار) وأن 39% من الأجور التي تم الإبلاغ عنها عام 2017 أقل من الحد الأدنى للأجور، في حين يحصل ثلثا العمال المصرح بهم حديثا على أقل من الحد الادنى للأجور.

حل بالعيد
تقول نادية متحسرة "من غير المعقول أن يعيش رب أسرة بالحد الأدنى للأجور، الغلاء في كل شيء، حتى أن إيجار شقة صغيرة تتجاوز قيمته الحد الأدنى للأجور".

ويتوقع مراقبون أن يأتي اليوم العالمي ومعه بالحل، وأن يعلن قبله عن عرض حكومي جديد، يتم التوافق عليه.

ويؤكد أعيس ضرورة اعتماد حد أدنى للأجور يراعي الفروقات في القدرة الشرائية حسب المناطق، ويحترم خصوصيات الجهات الاقتصادية والاجتماعية ويوفر الحماية والتغطية الاجتماعية. فهل تسفر الحلقات الجديدة للحوار الاجتماعي عن جديد؟ وهل يحمل اليوم العمالي بصيص أمل لذوي الأجر المحدود؟ 

المصدر : الجزيرة