قيمتها السوقية 3.7 مليارات دولار.. أي مستقبل لتجارة "الحلال" في بريطانيا؟
عثمان بوشيخي-لندن
وإذا قورن الرقم السابق بالقدرة الشرائية لدى غير المسلمين يبدو ضعيفا رغم أن أعداد المسلمين تتجاوز 2.7 مليون شخص أي ما يبلغ 4.4% من مجموع سكان البلاد.
حلال طيب
يوجد في لندن وحدها أكثر من ألف مطعم للحلال، وهذا العدد يتصاعد بوتيرة سريعة، ولا سيما أن نوعية الأطعمة التي تقدمها بدأت تلقى إقبالا من لدن الزبائن من مسلمين وغيرهم، خصوصا بعد فضائح اكتشاف لحوم خيل وخنزير مختلطة باللحوم كانت تباع في السنوات الأخيرة على أنها لحوم أبقار.
لذلك أصبح عدد من المحلات التجارية الكبرى -بما في ذلك محلات ماركس آند سبنسر وتيسكو وموريسنز وغيرها- تبيع لحوم الضأن الحلال، كما أنشأت مطاعم كنتاكي الأميركية 110 من فروعها للأكل الحلال في بريطانيا.
كما فتحت مطاعم "صب واي" 50 فرعا للحلال في البلاد عام 2011 ورفعتها إلى نحو 200 حاليا، وعلى النهج ذاته سارت مطاعم ناندوس البرتغالية في لندن وغيرها من مدن المملكة المتحدة.
وكانت صحيفة صن قد أثارت الجدل بعد تأكيدها أن كل الدجاج الذي يقدم في محلات بيتزا إكسبرس حلال رغم عدم إخبارها الزبائن بالأمر.
ولذلك يدعو ساسة وناشطون اجتماعيون إلى وضع علامات وملصقات أوضح على منتجات الحلال لإعطاء المستهلكين معلومات أدق وأوفر بشأن ما يدخل معدهم.
تحدثت الجزيرة نت مع صالح (52 عاما) -وهو صومالي يملك مطعما في غرب لندن- فقال إن "من بين زبائنه من هم ليسوا بمسلمين، ومع ذلك يقبلون على شراء اللحوم الحمراء الحلال، كما أكد أن سوق الحلال يشهد منافسة ضارية داخله".
وأضاف "لا أعتقد أن هناك مدينة أو عاصمة في أوروبا برمتها مثل هذه المدينة في تسامحها وترخيصها للمطاعم والمتاجر الحلال".
ويذكر صالح مشاركته في أول مهرجان من نوعه للأطعمة الحلال واللحوم المذبوحة وفقا للشريعة الإسلامية شهدته لندن قبل نحو ست سنوات، وشمل منتجات عديدة لأكثر من 100 شركة.
توجهت الجزيرة نت أيضا إلى أحد الأسواق الكبرى في جنوب لندن وتحدثت مع سلمى (39 عاما) من الجزائر فقالت "لا أعتقد أن هناك مسلما أو مسلمة هنا يجد مشكلة في العثور على لحم حلال عكس حال المسلمين في مناطق أخرى من الغرب، بل حتى عندما أذهب إلى متاجر كبرى أجد من السهل العثور على منتجات شرق أوسطية كالتمور والحلويات والألبان وغيرها".
وأضافت سلمى "متاجر الحلال والمحلات العربية والإيرانية والتركية لم تعد حكرا على شوارع بعينها مثل (Queens Way) أو ممشى الملكات أو (Edgware Road) المعروف بشارع العرب "بل أصبحت المقاهي والمحلات التجارية في مناطق متفرقة من العاصمة".
جدل الصعق والذبح
لكن الجانب المظلم من القمر في قصة الحلال ببريطانيا يتركز في ثلاثة عوامل، أولها تلك التخوفات من مزاجية تشريعات سلامة الأغذية وجودتها، وثانيها القيود الجمركية، وثالثها يتعلق بمحدودية القدرة الشرائية إذا قورنت بتلك المتوافرة لغير المسلمين في البلاد.
وتشير أرقام لمجموعة أطعمة الحلال المعروفة اختصارا بـ"أتش أف أي" (HFA) إلى أن 15% من اللحوم في بريطانيا حلال، في حين تظهر أرقام نشرتها صحف بريطانية أن 20% من مجموع الدواجن في البلاد تذبح بطريقة دينية، لكن 5% فقط من السكان يحتاجون لشراء مثل هذه الدواجن، ومعظمهم من أتباع الديانتين الإسلامية واليهودية.
ومن مجموع الأبقار والأغنام والدواجن المذبوحة وفقا لتعاليم الشريعة الإسلامية هناك 84% تقريبا تصعق قبل ذبحها حسب أرقام صادرة عن وكالة ضبط جودة الأغذية في بريطانيا.
وتخضع مسالخ الحلال للقوانين نفسها التي تخضع لها باقي المسالخ العادية، إذ صار من الإلزامي منذ 1979 في كل دول الاتحاد الأوروبي صعق الحيوانات قبل ذبحها رغم أن بعض الدول تمنح استثناءات لبعض عمليات الذبح الدينية لدى المسلمين واليهود.
وحظرت بعض الدول الغربية -ولا سيما الدانمارك- عمليات الذبح دون صعق أولي، ولذلك دعا رئيس الجمعية البريطانية للطب البيطري جون بلاكويل السلطات البريطانية أكثر من مرة إلى التأسي بالدانمارك، قائلا إن "الحيوانات يجب أن تصعق في المسالخ حتى لا تشعر بألم قبل الموت، ولا سيما أن الحيوان الذي يذبح من الرقبة دون صعقه قد يحس بألم شديد لمدة 5 إلى 6 ثوان"، غير أن السلطات البريطانية تقول إنه لا نية لها في ذلك.
وتقول رابطة البياطرة في بريطانيا إن أكثر من 80% من الحيوانات تصعق قبل ذبحها ويقبل المسلمون بذلك، في حين تشير أرقام حكومية صدرت في عام 2017 إلى أن نحو 180 مليون رأس من الدواجن ذبحت بدون صعق فعال يؤدي للموت أو التخدير، وهذا ما دفع الخبراء للقول إن هذه الأرقام تجعل سمعة بريطانيا كبلد رائد في رعاية الحيوانات محل شك وتساؤل.
"الحلال" المثير للجدل
يوفر لحم الحيوانات الحلال غير المصعوقة لقرابة 12 ألف تلميذ في المدارس البريطانية العمومية حسبما تؤكد مؤسسات مستقلة، لكن في صيف 2018 صوت مجلس بلدية لانكشر في شمال غربي إنجلترا لصالح وقف إمداد المدارس في المنطقة بالذبائح الحلال التي تصعق، وهو ما وصفته بعض المؤسسات الدينية هناك بالقرار التمييزي وغير الديمقراطي.
وفي البلدة ذاتها كان الإعلام البريطاني قد تحدث قبل نحو عام ونصف عن زوجين مزارعين يدعيان بيتر وجين بارتلي تلقيا ما يربو على عشرين رسالة كراهية بعد تحولهما لبيع ذبائح الدجاج والغنم والبقر الحلال عندما أخبرهما صديق لهما بارتفاع الطلب المحلي على هذه المنتجات الحلال.
ومن بين مضامين هذه الرسائل ما دعاهما إلى عدم تلبية رغبات المسلمين أو إلى إيلائها أي اعتبار.