أوبر وكريم تتوسعان بمصر وسائقو التاكسي الخاسر الأكبر

A member of media takes a picture of
أوبر تتوسع في مصر وتدخل مجال النقل الجماعي (رويترز)

عبد الكريم سليم-القاهرة

زفر حمزة بضيق وهو يشير إلى سيارة ملاكي يبدو أن صاحبها يعمل لدى شركة كريم "من قبل خربوا بيوتنا بلا مبالاة، وسيذوقون من نفس الكأس".

كان حمزة -وهو سائق تاكسي- يعلق على الحكم القضائي الصادر مؤخرا الذي سمح لشركتي أوبر وكريم بالعمل في نشاط النقل الجماعي الذكي، ورفض دعوى أصحاب التاكسي الأبيض ضدهما.

وتسبب نشاط الشركتين في انحسار دخل سائقي سيارات الأجرة التقليدية، بسبب انخفاض أسعارهما وانضباطهما مقارنة بالتاكسي التقليدي.

وحمزة مهدد بالحبس بسبب دعوى قضائية أقامها ضده معرض سيارات اشترى منه سيارته بالتقسيط ليعمل عليها، فتعثر بعد أقل من سنة بسبب دخول شركتي أوبر وكريم مجال عمله.

‪مئات من سائقي التاكسي الأبيض تظاهروا بسياراتهم احتجاجا على دخول أوبر وكريم سوق التوصيل في مصر‬ (الجزيرة-أرشيف)
‪مئات من سائقي التاكسي الأبيض تظاهروا بسياراتهم احتجاجا على دخول أوبر وكريم سوق التوصيل في مصر‬ (الجزيرة-أرشيف)

قلق
ولم يقتصر القلق هذه المرة على سائقي سيارات الأجرة بل امتد لسائقي سيارات النقل الجماعي، فسائقو تاكسي الأجرة يعانون منذ دخول أوبر وكريم للعمل في السوق المصري، وحاولوا مقاومة نشاطهما بالتظاهر أوائل عام 2016، ثم بإقامة دعاوى قضائية ضد نشاط الشركتين.

وظل الإقبال على الالتحاق بالشركتين كبيرا من جانب أصحاب السيارات الراغبين في العمل تحت مظلتيهما، وكذلك من قبل الجمهور الذي اعتبرهما وسيلة آدمية وآمنة وعادلة عوضا عن سيارات الأجرة "التاكسي".

ويعتقد حمزة -مثل كثير من زملائه السائقين- أن الحكم القضائي صدر لتشجيع مناخ الاستثمار على حساب ضحايا الشركتين، وهم مئات الآلاف من السائقين.

وفي وقت سابق، قالت وزيرة الاستثمار والتعاون الدولي سحر نصر إن الرئيس عبد الفتاح السيسي طالب الحكومة بتوفير أفضل خدمة للنقل الذكي للمواطنين في أنحاء الجمهورية.

وأشارت في تصريحات صحفية إلى أن الحكومة تسعى لإطار تشريعي داعم للاستثمار في مجال النقل الذكي لدعم القطاع الخاص.

وسبق قرار المحكمة صدور القانون رقم 87 لسنة 2018 لتنظيم خدمات النقل باستخدام تكنولوجيا المعلومات.

ضحايا جدد
لكن السائقين العاملين مع أوبر وكريم قد ينضمون إلى قائمة ضحايا الشركتين، بسبب ما يتردد عن نية الشركتين الدفع بسيارات نقل جماعة مملوكة لهما إلى جني المزيد من الأرباح.

فقد تناهى إلى سمع هيثم -وهو محاسب ويعمل بسيارته ضمن تطبيق أوبر ـ مضمون مكالمة هاتفية بين موظف خدمة عملاء الشركة والراكب الذي استقل معه السيارة، إذ سأل الموظف الراكب عما دعاه لركوب سيارة خاصة تعمل تحت مظلتهم، دون حافلة أوبر التي ستوفر له ثلثي تكلفة الرحلة، فخط سيره المثبت بالتطبيق يشير إلى أنه كان يمكنه استقلال الحافلة.

وفهم هيثم أن الشركة تحث زبائنها على اتخاذ حافلاتها بديلا للسيارات الخاصة العاملة تحت مظلتها، وهو يعتقد أن الدافع لذلك هو أن عوائد الشركة من النقل الجماعي الذكي أكبر من أرباحها من السيارات الخاصة العاملة مع الشركة، حيث تحمل الحافلة الواحدة سبعة ركاب يدفعون 175 جنيها (عشرة دولارات) كلها للشركة لأن الحافلات ملك لها، في حين تحصل الشركة على الخمس فقط من العوائد اليومية لأعمال سيارات السائقين.

وتتراوح مخاوف الركاب من تجربة الحافلات الذكية بين عدم القدرة على التعامل مع التطبيق، والعجز عن دفع قيمة التذكرة المرتفعة.

أوبر ضخت أكثر من مئة مليون دولار لتوسعة قطاع خدمة العملاء من خلال مكتبها في مصر (رويترز)
أوبر ضخت أكثر من مئة مليون دولار لتوسعة قطاع خدمة العملاء من خلال مكتبها في مصر (رويترز)

استثمارات
بدوره، أكد المدير الإقليمي لشركة أوبر عبد اللطيف واكد في مؤتمر صحفي عقد مؤخرا بالقاهرة أن الحكم القضائي "خطوة إيجابية لمستقبل نشاط النقل التشاركي في مصر".

وبحسب بيانات شركة أوبر، فإن أعمالها في مصر هي الأكبر بالمنطقة العربية، إذ يتعامل معها نحو أربعة ملايين مستخدم منذ أن دشنت خدمتها في البلاد عام 2014.

وتوصلت أوبر مؤخرا إلى اتفاق مع مصلحة الضرائب المصرية لسداد ضريبة القيمة المضافة، في حين قالت شركة كريم إنها تدفعها منذ مارس/آذار 2018.

وبحسب بيان لشركة أوبر، أطلقت الشركة تطبيقا خاصا في القاهرة لتعمل عليه حافلاتها، في أربعة خطوط مبدئية مع توحيد تكلفة الخدمة بـ25 جنيها (دولار ونصف) خلال فترة التجربة.

وضخت أوبر أكثر من مئة مليون دولار لتوسعة قطاع خدمة العملاء من خلال مكتبها في مصر، ولتغطية المنطقة العربية.

أما شركة كريم فقد ضخت منذ عملها في مصر نحو 30 مليون دولار، لتطوير بنيتها التكنولوجية وتشغيل مراكز الاتصال الخاصة بها.

وإذا كانت تجربة الحافلات الذكية جديدة على أوبر وكريم بمصر إلا أن هناك شركات سبقتها، فشركة سوفل بدأت قبل عام، وكذلك شركة مواصلات مصر الإماراتية، وكلها تركز على خطوط تربط المدن الجديدة بوسط العاصمة.

أمن واستثمار
وإلى جانب المكاسب الاقتصادية فإن لموافقة النظام المصري على عمل أوبر وكريم أهدافا أمنية، وفقا لما يرى أستاذ الاقتصاد في جامعة أوكلاند الأميركية مصطفى شاهين.

شاهين أكد للجزيرة أن النظام يريد أن تكون تحركات المواطنين مكشوفة أمامه، ليستطيع عبر قاعدة بيانات الشركتين معرفة أين ومتى تحرك المواطن فلاني الفلاني من هذا المكان إلى آخر، ولن تمانع الشركتان في إتاحة قاعدة بياناتها لأجهزة الأمن.

وعلى الرغم من إقرار المتحدث بفائدة عمل شركات النقل الذكي لصالح خزانة الدولة بما تدفعه من ضرائب فإن بساطة الفكرة كانت تستوجب أن تنهض بها شركات محلية بتشجيع رسمي، ليكون العائد بأكمله من الشعب وإليه، لكن "التجريف" الحاصل للمهارات والبنية الأساسية للاستثمار ينسف هذا الاتجاه.

بدوره، يؤكد الصحفي المختص في الشأن الاقتصادي علاء البحار أن هناك عشوائية حكومية في إدارة ملف النقل بشكل عام.

ويعتقد البحار في حديثه للجزيرة نت أن لدخول أوبر وكريم في هذا المجال جملة إيجابيات، منها إيجاد مناخ من المنافسة المفيدة دائما للسوق والمستهلكين من حيث جودة الخدمة المقدمة والأسعار، شرط توافر ضوابط لخدماتها، خاصة ما يخص الرقابة على الأسعار.

ويرى البحار أن أي محاولة لتجميل صورة المناخ الاقتصادي لجذب الاستثمارات عبر قرارات قضائية سيكون تأثيرها ضعيفا بسبب الاضطرابات الأمنية والسياسية واستمرار التفجيرات والإعدامات التي تخيف المستثمرين، والدليل هروب الأموال الساخنة في السندات وأذون الخزانة.

المصدر : الجزيرة