ما لا تعلمه عن ذهب ليبيا الأسود.. من يتحكم في النفط الليبي؟
محمود محمد-طرابلس
يشكل النفط في ليبيا نحو 94% من موارد البلاد التي اكتشف فيها النفط لأول مرة عام 1958، وبدأ إنتاجه رسميا عام 1961.
ومنذ اندلاع أحداث الثورة الليبية، تأثرت أعمال الإنتاج والتصدير وخرجت معظم الشركات النفطية العاملة في مجالات الاستكشاف والتنقيب والإنتاج والصيانة.
وتسعى ليبيا للعودة إلى إنتاجها السابق في فترة الثمانينيات، عندما بلغ الإنتاج النفطي ثلاثة ملايين برميل يوميا، حيث تعمل المؤسسة الوطنية للنفط على رجوع الشركات الأجنبية الممنوحة عقودا في ليبيا، وقد تجاوزت الاستكشافات النفطية 15 اكتشافا جديدا بين عامي 2009 و2010.
القوة القاهرة
أعلنت المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا الأحد الماضي أن حقلين نفطيين كبيرين في جنوب غرب البلاد شرعا في الإغلاق، بعدما أغلقت قوات موالية للواء خليفة حفتر خط أنابيب.
وأعلنت المؤسسة حالة القوة القاهرة على تحميلات الخام من حقلي الشرارة والفيل، عقب إغلاق الأنبوب الرابط بينهما وميناء الزاوية في الغرب.
وقال متحدث باسم المؤسسة الوطنية للنفط إنه إذا استمر وقف الصادرات فإن ملء صهاريج التخزين سيستغرق بضعة أيام، وسيقتصر الإنتاج على 72 ألف برميل يوميا. وكانت ليبيا تنتج حوالي 1.2 مليون برميل يوميا في الآونة الأخيرة.
وقد تراجعت أسعار النفط نحو 1% اليوم الثلاثاء، عند 64.58 دولارا للبرميل، مع توقع المحللين عودة إنتاج الخام الليبي في نهاية المطاف.
وكانت الأسعار قد ارتفعت أمس الاثنين إلى أعلى مستوياتها في أكثر من أسبوع، بعد أن بدأ إغلاق أنبوب النفط.
حقيقة الإنتاج الحالي ومقارنته بالفترات السابقة للثورة
تضخ ليبيا -وفق الإحصاءات الرسمية الشهرية- حوالي 1.2 مليون برميل يوميا من النفط (حتى أحداث إغلاق حقلي الشرارة والفيل)، وتسعى إلى رفع إنتاجها من النفط إلى 1.5 مليون برميل عام 2020.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي أعلنت المؤسسة الوطنية للنفط في طرابلس المسؤولة عن العمليات الفنية التشغيلية والتصدير والإنتاج أن ليبيا تهدف إلى رفع إنتاجها إلى 2.1 مليون برميل بحلول عام 2024.
وتنتج ليبيا من الغاز الطبيعي 2 مليار قدم مكعبة عبر شركة مليتة عن طريق شركة حقلي الوفاء ومنصة صبراتة البحرية، إضافة إلى شركة سرت للنفط والغاز التي تنتج للاستهلاك المحلي.
وتهدف المؤسسة الوطنية للنفط خلال الأعوام المقبلة إلى إنتاج 3.5 مليار قدم مكعبة من الغاز الطبيعي.
ولكي تستطيع ليبيا زيادة إنتاجها من النفط والغاز تتطلب استثمارات بقيمة 60 مليار دولار، تدفع منها المؤسسة الوطنية للنفط 20 مليارا فقط لتطوير النفط والغاز.
الاحتياطيات النفطية
أظهرت بيانات منظمة الدول المنتجة للنفط "أوبك" أن ليبيا تحتل المرتبة الخامسة عربيا باحتياطي يبلغ حوالي 48.36 مليار برميل.
ويبلغ احتياطي ليبيا من الغاز حوالي 54.6 ترليون قدم مكعبة، يضعها في المرتبة 21 عالميا من احتياطات الغاز.
المتحكمون في الثروة النفطية
تعد جميع حقول وموانئ ومنشآت النفط في ليبيا تحت السيطرة الحصرية للمؤسسة الوطنية للنفط ومقرها طرابلس، وتشرف على عمليات الإنتاج والصيانة والخدمات في قطاع النفط والغاز في ليبيا وتنسق مع المجلس الرئاسي بحكومة الوفاق على عقود التنقيب والاستكشاف مع الشركات الأجنبية العاملة في ليبيا.
ويحرس الحقول وموانئ ومنشآت النفط حرس المنشآت النفطية الذي كان قبل الثورة الليبية يتبع كتائب معمر القذافي ويحصل منتسبوه على مرتباتهم من الجيش، لكن منذ أعوام أصبحت مؤسسة النفط هي المتكفلة بتسديد رواتب منتسبي حرس المنشآت النفطية.
الشركات العاملة بقطاع النفط في البلاد
تعمل في ليبيا شركات عدة ليبية وأجنبية حصلت على عقود امتياز في مجال النفط، بينها شركات تعمل في الإنتاج والتصنيع والتكرير وأخرى في الاستكشاف والتنقيب والصيانة والخدمات.
وتعد شركات النفط العاملة في مجال التشغيل المملوكة كليا أو جزئيا إلى ليبيا هي شركات سرت والواحة ومليتة والخليج العربي وأكاكوس والهروج والمبروك للعمليات النفطية.
ومن بين أبرز الشركات العالمية العاملة في ليبيا شركة إيني الإيطالية التي تعد أكبر الشركات النفطية في ليبيا، وتوتال وشلمبرجير الفرنسيتان، وإكسون موبيل وكونوكو فيليبس وبيكر هيوز وهاليبرتون الأميركية.
إضافة إلى شركة فينتر شال الألمانية وشركة أو أم في النمساوية وبريتش بتروليوم البريطانية وغاز بروم وتات نفت الروسيتين، وريبسول الإسبانية وسوناطراك الجزائرية. فضلا عن العديد من الشركات الأخرى من بينها شركات أميركية وتركية وصينية ومصرية تعمل في مجال الحفر.
حجم الإيرادات النفطية
تشمل إيرادات ليبيا النفطية عائدات مبيعات النفط الخام والسوائل الهيدروكربونية والمشتقات النفطية والبتروكيميائية والضرائب والرسوم المحصلة من عقود الامتياز.
وبلغت إيرادات ليبيا من النفط نحو 20.3 مليار دولار منذ بداية العام الحالي وحتى نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وفق إحصائية حديثة لمصرف ليبيا المركزي.
وتعود أموال النفط بعد تصدير شحنات النفط والغاز إلى مصرف ليبيا المركزي، ثم تصرف الجهات التنفيذية المتمثلة في حكومة الوفاق الوطني أجزاء كبيرة من هذه الأموال على بنود الميزانية العامة للدولة في كل عام.
أهم الحقول وحجم إنتاجها
يعد حقل الشرارة النفطي أهم الحقول في ليبيا، ويبلغ إنتاجه 300 ألف برميل يوميا بما يعادل ربع الناتج المحلي لليبيا من النفط، وحقل الواحة الذي ينتج أكثر من مئة ألف برميل يوميا، وحقل مسلة والنافورة اللذان يتجاوز إنتاجهما مئتي ألف برميل يوميا.
ويبلغ إنتاج بقية الحقول أقل من مئة ألف برميل يوميا، موزعة على حقول الفارغ وأبو الطفل والعطشان و103 وآمال وجخرة وتيبستي والفيل والغاني والغولف والوفاء والبوري والمنصة البحرية توتال DP3 والمنصة البحرية صبراتة.
موانئ النفط وعملية التصدير
يوجد في ليبيا موانئ عدة لتصدير للنفط، منها ميناء الحريقة النفطي في مدينة طبرق وميناء الزويتينة في مدينة إجدابيا شرق ليبيا، وموانئ البريقة ورأس لانوف والسدرة وسط ليبيا، ومينائي الزاوية ومليتة غرب ليبيا.
وتشرف المؤسسة الوطنية للنفط في طرابلس على عملية تصدير النفط في بواخر نفطية تصل حمولتها إلى أكثر من مليون برميل، ويعادل البرميل الواحد 159 لترا.
وتصدر ليبيا من النفط حوالي مليون ومئة ألف برميل يوميا من النفط الخام، أما في الغاز الطبيعي تصدر ليبيا حوالي مليار قدم مكعبة من 2 مليار قدم مكعبة تنتجها البلاد.
ويجري تصدير الغاز الطبيعي إلى إيطاليا عن طريق شركة مليتة للغاز عبر خط غاز يمر تحت البحر المتوسط من ليبيا إلى إيطاليا مملوك لشركة غرين ستريم، بينما يبقى إنتاج شركة سرت من الغاز للاستهلاك المحلي ولا يصدر الغاز الطبيعي إلى الخارج ما عدا الغاز المسال والمكثفات.
إجمالي الخسارات من النفط بسبب الحرب
شهد إنتاج النفط في ليبيا تقلبات حادة في الأعوام الأخيرة بسبب الهجمات المسلحة والاحتجاجات والإغلاق المتكرر للموانئ والحقول النفطية عقب أحداث الثورة الليبية عام 2011.
وكلف إغلاق المنشآت النفطية ليبيا أكثر من 135 مليار دولار منذ عام 2014، حيث إن إغلاق موانئ النفط عام 2013 تسبب وحده في خسائر بقيمة 100 مليار دولار، ونفاد الاحتياطيات من العملات الصعبة منذ عام 2013 إلى عام 2016.
كما أن حفتر تسبب في خسائر بقيمة 920 مليون دولار بسبب إغلاقه موانئ وحقول النفط في شرق ليبيا عام 2018.
ولم تسلم خزانات النفط من التدمير، حيث إن هناك أربعة خزانات فقط تعمل في منطقة رأس لانوف من أصل 13 خزانا، كما تضررت خزانات النفط في البريقة وسط ليبيا بسبب المعارك في هذه المناطق.
مصالح الدول الأوروبية
تعد إيطاليا الشريك الأول للنفط في ليبيا حيث تتسابق مع فرنسا على انتزاع حصة كبرى للتنقيب والاستكشاف والإنتاج والصيانة مع شركات تمثل مصالح أميركا وبريطانيا وألمانيا وإسبانيا والجزائر وروسيا.
وتتنافس الشركات الصينية والتركية والمصرية على عقود الحفر، حيث بلغ عدد الشركات التي تحصلت على امتيازات نفطية قبل عام 2011 نحو سبعين شركة أجنبية.
وقد يظهر لاعبون جدد من بينهم شركة بريتش بتروليوم البريطانية وتات نفط الروسية وشركة سي أن بي سي الصينية التي قد تعود إلى ليبيا للفوز بعقود امتياز جديدة في ظل توقع انسحاب عدد من الشركات، بينها شركة فينتر شال الألمانية من ليبيا وماراثون أويل ليبيا الأميركية.
وتبحث شركة توتال الفرنسية عن عقود إضافية خاصة بعد الحصول على حصة شركة "ماراثون أويل ليبيا" الأميركية البالغة أكثر من 16.33% من امتيازات حقل الواحة الواقع وسط ليبيا، كما أعلنت المؤسسة الوطنية للنفط مطلع الشهر الجاري.
مصالح الدول المجاورة
تعد الجزائر أحد المستثمرين في النفط الليبي عبر شركة سوناطراك الجزائرية التي جمدت نشاطها في ليبيا منذ عام 2011، رغم تحصلها على عقد امتياز مليء بالنفط قرب الحدود الجزائرية الليبية.
وحاولت الحكومة الموالية لخليفة حفتر شرق ليبيا عقد اتفاقيات مع شركات مصرية وإماراتية لبيع النفط بسعر 55 دولارا للبرميل، وفق تصريحات رئيس المؤسسة الوطنية للنفط مصطفى صنع الله.
لكن يبدو أن مصر فشلت في الحصول على عقود من حكومة حفتر وشراء النفط الليبي بطرق غير مشروعة، حيث أعلنت المؤسسة الوطنية للنفط مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي عودة الشركات النفطية المصرية مثل شركتي بتروجيت وإنبي للعمل مجددا في ليبيا واستكمال مشاريعها المتوقفة في قطاع النفط والغاز.
وخسرت الإمارات في يناير/كانون الثاني عام 2018 القضية التحكيمية المرفوعة ضد المؤسسة الوطنية للنفط مع الحكم بدفع مبلغ 120 مليون دولار لصالح مؤسسة النفط، بعد فشل الشركة الليبية الإماراتية في تطوير منشأة رأس لانوف النفطية.