تحقيق لفايننشال تايمز: روسيا وجهة مهمة لأموال النظام السوري
يكشف التحقيق الذي أجرته صحيفة "فايننشال تايمز" أن روسيا تمثل وجهة مهمة لبعض الأموال التي يملكها النظام السوري.
وفي مقالهما الذي نشرته صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، قال الكاتبان هنري فوي وكلوي كورنيش إنه بعد أن هيمنت ناطحات السحاب على أفق موسكو، تضاعف عددها خلال السنوات الأخيرة بفضل تدفق الأموال لتتجاوز بذلك مباني "الشقيقات السبع" التي شُيَدت في عهد ستالين والتي مثلت في السابق أطول المباني في موسكو.
ووفقا لصحيفة فايننشال تايمز، لم يسبق الكشف عن حقيقة ضم المجمع ما لا يقل عن 18 شقة فاخرة اشتراها أفراد منتمين إلى العائلة الموسعة لبشار الأسد، بهدف الاحتفاظ بعشرات الملايين من الدولارات خارج سوريا، لا سيما في ظل اندلاع الحرب في البلاد.
وذكر الكاتبان أن بعض أفراد عائلة مخلوف بما في ذلك العديد من أبناء عم الأسد، وبعض أقاربهم الآخرين اشتروا ما لا يقل عن 20 شقة بقيمة 40 مليون دولار في موسكو على مدى السنوات الست الماضية عن طريق سلسلة معقدة من الشركات والقروض، مما يوضح دور روسيا "كحارس نقدي" للنظام السوري. علاوة على ذلك، يظهر الدور الذي لعبه "مديري أموال الأسد" في مساعدة النظام على نقل الأموال إلى خارج نطاق العقوبات الغربية.
وأوضحت وثائق تسجيل الممتلكات تعود للفترة الممتدة من عام 2013 إلى حدود شهر يونيو/حزيران من هذا العام، أن أفراد الأسرة وشركاءهم الذين يخضع العديد منهم لعقوبات أوروبية أو أميركية بسبب دورهم في الصراع السوري، اقتنوا الشقق الفاخرة في مجمع "سيتي أوف كابيتالز".
وبحسب الوثائق التي حصلت عليها مجموعة "غلوبال ويتنس" لمكافحة الفساد والتي اطلعت عليها فايننشال تايمز، استخدم هؤلاء في معظم الحالات هيكل قروض يضم شركات لبنانية خارجية تمتلك في الوقت الراهن هذه العقارات بصفة رسمية.
ومثلت موسكو حليفا ثابتا لعائلة الأسد منذ أن تولوا الحكم قبل حوالي 50 عاما، أي في فترة الاتحاد السوفياتي، بحسب الصحيفة.
في المقابل، بدأ الرئيس فلاديمير بوتين بإنشاء علاقات متينة مع دمشق منذ عام 2015 عندما قرر الكرملين دعم نظام الأسد عسكريا. وقبل تدخل روسيا وإيران، فقد الأسد السيطرة على ثلثي البلاد، أما الآن وبمساعدة حلفائه، نجح الأسد في استعادة السيطرة على معظم سوريا، وفق الصحيفة.
ونقل تقرير الصحيفة عن إيزوبيل كوشيو من غلوبال ويتنس قوله إن "صفقات العقارات تمثل دليلا نادرا على الطريقة التي ساعدت من خلالها روسيا الأفراد المفروض عليهم عقوبات والذين ساعدوا نظام الأسد المدمر واستفادوا منه، في نقل أصولهم من دمشق والتهرب من الأنظمة الدولية والسماح لهم باللجوء إلى موسكو والاستمتاع بأنماط الحياة الفاخرة أثناء احتراق سوريا".
شراء العقارات
الكاتبان أكدا أن صفقات شراء العقارات في موسكو تكشف عن إحدى الآليات التي جمعت من خلالها الأسر الحاكمة في سوريا ثروتها، وسعت للحفاظ عليها، رغم العقوبات المالية المسلطة عليه، التي تشمل حظر السفر وتجميد الأصول، وفُرضت عليها ردا على الممارسات الوحشية لقمع الاحتجاجات منذ حوالي تسع سنوات. فضلا عن ذلك، تسلط هذه الصفقات الضوء على الدور الذي لعبته روسيا كملاذ آمن لأشخاص مقربين من النظام وأموالهم.
ونقل تقرير الصحيفة البريطانية عن مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مركز بحث "تشاتام هاوس" لينا الخطيب قولها "منذ البداية، ساعدت روسيا نظام الأسد على تقويض العقوبات".
وأضافت أن "روسيا تنصب نفسها في الوقت الراهن حامية للدولة السورية، وبالتالي تبذل جهودا حثيثة سواء على الصعيد العسكري أو السياسي أو الاقتصادي، للحفاظ على الدولة السورية التي بدورها تحافظ على ولائها لموسكو".
وأشار الكاتبان إلى أنه رغم صغر حجم هذه الصفقات، فإنه تبين مدى تنامي العلاقات التجارية بين روسيا وسوريا، التي ازدهرت على خلفية تحالفهما العسكري.
وبحسب تقرير فايننشال تايمز توضح ممتلكات مخلوف في موسكو أن روسيا تستفيد أيضا من رغبة نخبة دمشق في وضع الثروة في الخارج. كما تبرز هذه الصفقات، حتى بعد فرض الأسد سيطرته على البلاد، أن الطبقة الغنية في سوريا ما زالت تحوط على رهاناتها.
ومن بين 20 شقة، اشترت الشركات التابعة لحافظ مخلوف 13 شقة، بينما اشترت زوجته وشقيقتها، زوجة أخيه الأكبر رامي مخلوف، الذي يعتبر منذ فترة طويلة من أقوى رجال الأعمال في سوريا، البعض من هذه العقارات، واقتنى الأشقاء الثلاثة الآخرين لحافظ مخلوف ثلاثة عقارات إضافية تتمثل في ناطحات سحاب تقع في موسكو، وفق الصحيفة.
وبعد عائلة الأسد، تعد عائلة مخلوف من الأسر الأكثر نفوذا في سوريا، التي عززت مواردها قوة النظام.
وفي هذا الصدد، أفادت الخطيب بأن "عائلة مخلوف لعبت دورا حاسما في الحفاظ على صمود النظام السوري".
ويُصنف رامي مخلوف -ابن خال حافظ الأسد وصديق طفولته- منذ فترة طويلة على أنه رجل الأعمال السوري الأكثر ثراء، ويعود ذلك نسبيا لسيطرته على إحدى أكثر الشركات الناجحة، وهي شركة سيريتل للهاتف المحمول. ولذلك، ينظر إليه رجال الأعمال السوريون على أنه "مصرف عائلة الأسد"، وفق الصحيفة.
وبيّن الكاتبان أن عقوبات سلطت على ابن عائلة مخلوف الأكبر سنا خلال عام 2008، بعدما اتهمته البرقيات الدبلوماسية المسربة منذ ذلك الوقت باستخدام علاقاته لكسب امتيازات بصفة غير نزيهة، على خلفية تكوينه إمبراطورية تجارية ضخمة، بما في ذلك أكبر شبكة اتصالات في سوريا.
في المقابل، أعيد توجيه بعض الأموال إلى القصر الرئاسي وفقا لدبلوماسيين ومحللين ورجال أعمال سوريين، حيث اتهمت العقوبات الغربية العديد من أفراد عائلة مخلوف، بمن فيهم إخوته الأربعة ورجال أعمال آخرون، بالعمل كواجهات لأفراد عائلة الأسد.
مديري أموال الأسد
بحسب الصحيفة، قال محلل سوري في أوروبا طلب عدم الكشف عن هويته "إنهم جميعا مديرون لأموال الأسد حيث يمكنهم كسب أموالهم الخاصة، لكنهم موجودون بفضل الأسد وينبغي عليهم حماية ثرواتهم".
ونوه الكاتبان إلى أن الخلافات بين الأسد ومخلوف اشتدت خلال الأشهر القليلة الماضية، حيث صعد التجار الجدد من خلال اقتصاد الحرب في سوريا، وذلك في تحد واضح لرامي.
في السياق نفسه، أفاد رجال الأعمال والمحللون بأن النظام أضعف قبضة رامي على شركة "سيريتل"، واستولى على مؤسسة "البستان" القوية التي يقال إنها كانت تستخدم لتمويل المليشيات الموالية للحكومة فضلا عن الأنشطة الخيرية. كما أشار المحللون إلى أن آل مخلوف يرغبون في ترك ثرواتهم خارج سوريا لإبعادها عن أيدي الأسد، وفق ما تذكر الصحيفة البريطانية.
ويقول تقرير الصحيفة إن عائلة مخلوف تستمر في الاستفادة من اقتصاد الحرب في سوريا والسفر إلى روسيا، حيث لم يُخف علي نجل رامي قضاء بعض الوقت في موسكو، ناهيك عن ظهوره في أحد مقاطع الفيديو عام 2018 في مجمع برج مدينة موسكو، حيث اشترت العائلة العقارات.