تحديات وأزمات تنتظر اقتصاد العراق في 2019

صورة لمنطقة شعبية في بغداد حيث يكثر الفقر والبطالة
منطقة شعبية في بغداد حيث ترتفع معدلات الفقر والبطالة (الجزيرة)

مروان الجبوري-بغداد

بموازنة قدرها نحو 108 مليارات دولار وعجز بلغ نحو 19 مليار دولار استقبل العراق عامه الجديد، وينتظر أن يقر مجلس النواب هذه الموازنة خلال الأسابيع المقبلة.

ويأتي تأخر إقرار الموازنة بسبب عدم اكتمال التشكيلة الحكومية والخلافات بين القوى السياسية بشأن بعض بنودها.

أزمات ومشاكل كبيرة مرت بها البلاد العام الماضي ظهرت ظلالها في الموازنة الجديدة، خاصة الحركة الاحتجاجية التي شهدتها البصرة ومدن عراقية أخرى ومطالباتها بالإصلاح والتغيير ومحاربة الفساد.

محنة الحرب
وعلى الرغم من أن العراق قد اجتاز محنة الحرب وهدأت معظم جبهاته فإن الكثير من التحديات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية ما زالت قائمة، فالحرب قد خلفت دمارا واسعا في العديد من المدن، كما خلفت أيضا جيوشا من الأيتام والأرامل والعاطلين عن العمل.

أما المظاهرات التي انطلقت في البصرة ومدن أخرى الصيف الماضي فيرجح مراقبون أن تعود مرة أخرى وبشكل أكثر اتساعا ربما، وذلك بعد أن فشلت الحكومة في معالجة الأزمات البنيوية التي يعانيها قطاع الخدمات في العراق، خاصة الكهرباء والمياه.

وتمتلئ الأسواق العراقية ببضائع من مختلف دول العالم، خاصة دول الجوار، في حين تكاد تغيب بشكل شبه كامل منتجات الصناعة المحلية، بالإضافة إلى المحاصيل الزراعية التي بات العراق -الذي اشتهر بخصوبة أراضيه وكثرة مياهه- يستوردها من الخارج أيضا.

جملة من المشاكل والتحديات لا يكاد العراق يفيق من واحدة حتى يغرق في أخرى وكأنها دوامة اختطفت البلاد وجعلتها رهينة لفوضى لم تفلح الحكومات المتعاقبة في وضع حد لها منذ عام 2003 حتى اليوم. 

‪أزمة الكهرباء ما زالت قائمة وتوقعات بتفاقمها خلال الصيف المقبل‬ (الجزيرة)
‪أزمة الكهرباء ما زالت قائمة وتوقعات بتفاقمها خلال الصيف المقبل‬ (الجزيرة)

الاستثمار والإعمار
ولعل من أبرز التحديات التي يتوقع الخبراء أن يواجهها الاقتصاد العراقي خلال هذا العام ضعف التخصيصات المتعلقة بالاستثمار وإعادة إعمار المدن التي دمرتها الحرب الأخيرة كما يقول الخبير الاقتصادي والبروفيسور في كلية الإدارة والاقتصاد بجامعة بغداد همام الشماع.

ويضيف الشماع في حديث للجزيرة نت أن تحديا آخر ينتظر العراق ويتعلق بتدني مستوى الخدمات والبنى التحتية، خاصة في قطاع الكهرباء.

ويتوقع الشماع أن يشهد العراق الصيف المقبل أزمة في الطاقة الكهربائية لم تنجح خطط الحكومة في معالجتها، ولا سيما أنه يستورد الكهرباء من إيران وكذلك الغاز لتجهيز محطات التوليد، مما سيجعله أبرز المتضررين من توقف ذلك بعد أن دخلت العقوبات الأميركية على طهران حيز التنفيذ.

كما أن أزمة المياه لا تزال تطل برأسها لعدم استثمار الإمدادات المائية القادمة من تركيا أو بناء سدود جديدة وغياب إجراءات فعالة لمعالجة هذا الملف.

أما فيما يتعلق بالاستثمارات -باستثناء النفط- فما زالت الدولة عاجزة عن استقطاب رؤوس الأموال الأجنبية بسبب الظروف الاجتماعية والأمنية غير الملائمة واستشراء الفساد في مفاصل الدولة.

وما لم تتخذ إجراءات رادعة بحق الفاسدين فإن العراق لن ينجح في إقناع الشركات الأجنبية بالدخول والعمل في أراضيه، على حد تعبير الشماع.

اقتصاد ريعي
ولا يسود جو كبير من التفاؤل في الشارع العراقي بتحسن الأوضاع الاقتصادية، فالوعود هي ذاتها التي يسمعونها منذ عقد ونصف، والأزمات والمشاكل تتفاقم يوما بعد آخر وإن باتت البلاد تنعم بجو من الاستقرار الأمني النسبي بعد حروب أكلت الأخضر واليابس.

ولا يتوقع الخبير الاقتصادي ماجد جواد أن يشهد العراق تغييرات كبيرة على الصعيد الاقتصادي خلال العام الحالي، فلا يزال الاقتصاد ريعيا، والموازنة تعاني من مشاكل حقيقية نتيجة الترهل الوظيفي والإنفاق الحكومي الهائل.

ويطالب جواد الحكومة العراقية بتغيير البرامج والخطط الاقتصادية من خلال تعديل السياسة المالية مع تحريك الإنتاج والاعتماد على سياسات عادلة وكفؤة للرواتب والضرائب.

ويرى أن على الحكومة أن تسعى للتحول من الاقتصاد الريعي إلى الإنتاجي.

وعلى الرغم من حدوث تطور صناعي طفيف خلال عام 2018 مع تحريك عدد من الشركات التابعة للدولة وقيام الحكومة بهيكلة وخصخصة 32 شركة منها وتسليمها للقطاع الخاص فإن النسب المنجزة ما زالت ضعيفة، بحسب جواد.

‪الأسواق العراقية تمتلئ بالمحاصيل المستوردة من الخارج‬ (الجزيرة)
‪الأسواق العراقية تمتلئ بالمحاصيل المستوردة من الخارج‬ (الجزيرة)

وأعلنت الحكومة العراقية خلال الأعوام السابقة إطلاق خطة للتنمية المستدامة قسمت على ثلاث مراحل تنتهي عام 2030، إلا أن الخبير الاقتصادي ماجد يرى أن المرحلة الأولى التي انتهت عام 2017 لم تشهد تنفيذ سوى 5 إلى 10% منها، وهو أمر لا يبشر بخير، بحسب تعبيره.

مديونية وعجز
ووفقا للعديد من المصادر الحكومية والبرلمانية، فإن مديونية العراق الخارجية بلغت أكثر من 130 مليار دولار، وهي مرشحة للزيادة كما يرى الخبير في معهد الإصلاح الاقتصادي ببغداد علاء الفهد.

ويشير الفهد إلى أن أهم تحدٍ تواجهه الحكومة يتمثل في تنفيذ برنامجها الاقتصادي وخطة التنمية، بحيث تكون آثارها واضحة في قطاعات الخدمات والصحة والتعليم والحد من نسب الفقر المرتفعة والبطالة.

ومن أبرز المشاكل البنيوية التي يعانيها العراق -وفقا للفهد- أن اقتصاده لا يزال معتمدا على النفط بشكل رئيسي، إلى جانب غياب تنوع في الإيرادات مثل الصناعة والزراعة، مستبعدا حدوث تغييرات جوهرية هذا العام.

ويضيف الفهد في حديث للجزيرة نت أن العراق يحتاج إلى حزمة من الإجراءات العاجلة والقرارات والتشريعات، فالموازنة هي موازنة أجور ونفقات تشغيلية ورواتب لموظفي الدولة، أما مشاريع الاستثمار والإعمار فتمول من القروض الخارجية.

وتم احتساب معظم إيرادات الموازنة على أساس سعر برميل النفط يبلغ 56 دولارا إلا أن سعره حاليا يبلغ 43 دولارا، مما يزيد حجم العجز فيها.

ولا يتوقع الفهد أن تتأثر الأسواق العراقية كثيرا بالعقوبات على إيران، لأن حدود البلاد مفتوحة في كل الاتجاهات أمام البضائع والسلع القادمة من تركيا وسوريا والسعودية والأردن وغيرها، في ظل غياب شبه تام للصناعة المحلية.

المصدر : الجزيرة