اقتصاد جوبا في قبضة التنين الصيني

مستثمرون صينيون في جوبا في فعالية اقتصادية - الجزيرة
مستثمرون صينيون في فعالية اقتصادية بجوبا (الجزيرة)

مثيانق شريلو-جوبا

يعكس مطار جوبا الدولي أكبر مطارات جنوب السودان الحضور الصيني المتزايد في هذه الدولة، والتي ترمي بكين بكل ثقلها فيها، شأنها شأن القارة السمراء التي تتوسع الصين فيها بمشاريعها الاقتصادية إلى أقصى حد تستطيعه.

فجنوب السودان يشهد منذ انفصاله عن السودان إقبالا لافتا لمجموعات اقتصادية واستثمارية صينية تتزايد أعدادها بشكل مكثف على الرغم من أزمة الحرب التي أنهكت القطاعات الاقتصادية والتجارية الأخرى.

 
وبحسب تقارير لإدارة الهجرة والجوازات في جنوب السودان، فإن نحو 100 إلى 150 مواطنا صينيا يدخلون البلاد بشكل يومي، وترى الإدارة أن هذا العدد يعكس جوانب مميزة للدولة التي يساوي عدد سكانها نحو عشرة ملايين نسمة، بحسب تقديرات البنك الدولي، وتشير الإدارة إلى أن هذا العدد أقل بكثير من الحضور الغربي في جنوب السودان.

وتسيطر الشركات الصينية على نسبة كبيرة من امتيازات قطاع النفط في جنوب السودان، في حين لم تحظ الشركات الغربية بنسبة تذكر ضمن المناطق التي لا تزال تنتج النفط، ويعتقد كثير من المهتمين بهذا القطاع أن الصين لا تزال تطمح إلى الحصول على المزيد من تلك الامتيازات في الحقول التي لم تدخل خريطة الإنتاج بعد.

المنشآت النفطية إحدى نقاط جذب الصين للاستثمار في جنوب السودان (الجزيرة)
المنشآت النفطية إحدى نقاط جذب الصين للاستثمار في جنوب السودان (الجزيرة)

ولكن لا تزال هناك شكوك بشأن إمكانية حصولها على بقية المناطق في ولاية جونقلي كبرى ولايات البلاد، حيث تتزاحم شركات غربية وأخرى أميركية على تلك المناطق، والتي تريد حكومة جوبا أن تحقق من خلالها مكاسب سياسية عبر إرضاء دول غربية مثل أميركا.

ويصف سفير جمهورية الصين الشعبية لدى جوبا ما كيانغ طبيعة العلاقة بين البلدين بأنها شراكة أخوية وتاريخية بدأت قبل انفصال جنوب السودان عن الدولة الأم.

ويشير ما كيانغ في حديثه خلال المنبر الدوري الذي يقيمه للصحفيين بجوبا أن ما يدعم حديثه بشأن طبيعة تلك العلاقات هو الزيارات المتكررة لمسؤولي الحكومة والحزب الحاكم في جوبا إلى الصين، بالإضافة إلى زيارات الرئيس سلفاكير ميارديت إلى بكين والتي كان آخرها عام 2012.

وفي أوائل عام 2015 قررت الصين إرسال سبعمئة جندي إلى جنوب السودان لينضموا لقوات حفظ السلام الدولية، في خطوة هي الأولى بالنسبة لها، واعتبرت تقارير عديدة أن الخطوة تأتي ضمن سعي الصين لحماية مصالحها في جنوب السودان بعد هزائم متكررة للجيش الحكومي بمناطق قريبة جدا من حقل فلوج الرئيسي الذي يتم تشغيله من قبل مجموعة من الشركات الصينية والماليزية.

وبحسب التقديرات الرسمية، فإن المؤسسات الصينية العاملة في مجال الاستثمار بجنوب السودان يتراوح عددها بين 100 و140 مؤسسة استثمارية مختلفة الأنشطة، أكبرها الشركة الوطنية للبترول التي تعمل في مجال القطاع النفطي.

وصول قوات صينية تابعة للأمم المتحدة إلى مطار جوبا الدولي (غيتي)
وصول قوات صينية تابعة للأمم المتحدة إلى مطار جوبا الدولي (غيتي)

وبلغ حجم الاستثمارات والتبادل الصيني في جنوب السودان أكثر من عشرة مليارات دولار في العام خلال حتى عام 2014، بحسب تقرير رسمي.

وتقوم شركات صينية أخرى بالعمل على تنفيذ أكبر مشروعات البنى التحتية المتمثلة في مشروع أطول طريق بجنوب السودان يربط العاصمة ببقية مناطق بحر الغزال التي تحتل نحو 40% من مساحة البلاد.

ويرى الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية في جنوب السودان ميوين مأكول أن العلاقة بين جوبا وبكين ظلت تحافظ على توازنها على الرغم من التحولات العديدة التي تحدث في الخريطة العالمية.

ويشير مأكول في حديثه للجزيرة نت إلى أن الصين ظلت طوال هذه الفترة تحترم طبيعة العلاقة السائدة وتعمل على تطويرها دون أن تتدخل في الشؤون الداخلية للبلاد مثلما تفعل بقية الدول الكبرى.

ولا تتحدث الصين كثيرا عن حجم الفوائد التي تجنيها من عملها في جنوب السودان، لكنها تتحدث بشكل دائم عن القروض الكثيرة التي ظلت تمنحها لجنوب السودان، والتي تأتي عبر مشاريع تنموية أو أموال تدفعها إلى الحكومة لمعالجة أزماتها التي تشكلت تحديدا بسبب الحرب الدائرة الآن والتي بلغت أكثر من خمسمئة مليار دولار بحسب تقديرات غير رسمية.

رئيس جنوب السودان والسفير الصيني في حفل افتتاح أحد المشاريع الاقتصادية الصينية بجوبا (غيتي)
رئيس جنوب السودان والسفير الصيني في حفل افتتاح أحد المشاريع الاقتصادية الصينية بجوبا (غيتي)

واستبعد الصحفي الجنوب سوداني المهتم بالشؤون الخارجية كور متيوك أي فكرة يمكن أن تقود إلى عقد مقاربة بين الحضور الصيني والنفوذ الغربي في جنوب السودان.

ويرى متيوك في حديثه للجزيرة نت أن الدول الغربية ظلت تلعب دورا كبيرا في قضايا الحرب والسلام بين الشمال والجنوب قبل الانفصال بسبب دور المنظمات المسيحية في تعبئة الرأي العام العالمي للاهتمام بهذه القضية التي صورها الإعلام العالمي بأنها صراع بين العرب والأفارقة، وبين المسلمين والمسيحيين.

ويشير متيوك إلى أن الصين لا تزال واحدة من الدول المسيطرة على قطاع الإنتاج النفطي الذي يغطي أكثر من 6% من احتياجاتها، معتبرا في الوقت ذاته أن الدور الصيني الضعيف في تشجيع قطاعات جنوب السودان الفئوية أدى إلى عدم وجود أي اهتمام لتعلم اللغة الصينية مقارنة ببقية اللغات مثل الإنجليزية والعربية.

المصدر : الجزيرة

إعلان