تبعات خطيرة للضرائب السعودية

صباح نعوش
ضريبة الدخل جائرة
إيراد الزكاة
ضريبة القيمة المضافة
يتسم النظام الضريبي السعودي بخمس سمات أساسية، وهي هبوط الأنشطة الاقتصادية نتيجة تزايد الرسوم على العمال الأجانب، وغلبة الضرائب على الاستهلاك أي تلك التي تقود مباشرة إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات، وانعدام العدالة في توزيع الأعباء بين السعوديين والأجانب، والحصيلة الضئيلة لكنها ترتفع سنويا، إذ في عام 2017 بلغت 97 مليار ريال أي 13.9% من الإيرادات العامة، بينما سترتفع العام الجاري لتبلغ 142 مليار ريال أي 18.1% من الإيرادات، ويفترض أن تتوالى هذه الزيادات في السنوات القادمة.
وأخيراً -وتحت وطأة عجز الميزانية العامة المزمن- يتم التركيز على الجانب الحسابي للضرائب دون مراعاة العدالة في توزيع الأعباء العامة والاعتبارات الاقتصادية.
أزمة رسوم الوافدين
قررت السلطات العامة زيادة الرسوم على العمال الأجانب وفق ما يسمى بالمقابل المالي المنصوص عليه في برنامج تحقيق التوازن المالي.
ينطلق البرنامج من ضرورة تشجيع العمالة السعودية بدلا من العمالة الأجنبية نظرا لاستفحال البطالة بين صفوف السعوديين، لذلك تفرض الدولة على مؤسسات القطاع الخاص رسوما على العمال الأجانب لديها.
وأصبحت الرسوم على النحو التالي -حالة ارتفاع عدد العمال الأجانب مقارنة بعدد العمال السعوديين- أربعمائة ريال شهريا عن كل وافد ومئتي ريال عن كل مرافق له اعتباراً من مطلع العام الحالي.
وسترتفع في العام القادم إلى ستمئة ريال عن الوافد وثلاثمئة ريال عن كل مرافق له.
وستصل في العام 2020 إلى ثمانمئة ريال عن الوافد وأربعمة ريال عن كل مرافق له.
الرسوم على الوافدين تفرض على الوجود الآدمي ولا علاقة لها بالمقدرة المالية. وهي بهذا الشكل ضريبة بدائية على الرؤوس. بل إنها غرامة تحت عنوان الرسوم، تفرضها السعودية لسهولة تطبيقها من الناحية الإدارية إذ لا تتطلب آليات معقدة، بل يكفي الوجود الآدمي لربطها.
كما أن مساهمتها مهمة في تمويل الإنفاق العام، إذ قدرت بمبلغ 24 مليار ريال في العام الجاري أي تغطي 12.3% من عجز الميزانية. وسترتفع لتبلغ 65 مليار ريال عام 2020، وهي بذلك أكبر ضريبة في السعودية.

تسعى هذه الرسوم إذن إلى الحصول على المزيد من الإيرادات لمواجهة عجز الميزانية. لكن هذا الهدف يقود إلى ارتفاع الأعباء المالية للشركات التي تشغل الأجانب أي جميع شركات القطاع الخاص السعودي.
وكلما زادت الرسوم ارتفعت الأعباء فتنخفض الأرباح ويتضرر المواطنون. كما تقف زيادة الرسوم حجرة عثرة أمام طموحات الشباب السعودي في خلق مشاريع صناعية وتجارية جديدة نظرا لدورها في تصاعد كلفة الإنتاج.
وستقود هذه الرسوم إلى أسوء النتائج التجارية وأخطرها وهي إفلاس عدد كبير من هذه الشركات، فيزداد تضرر المواطنين.
وقدمت غرف تجارية وصناعية عديدة بيانات للوزارات المعنية كوزارة العمل تشير إلى أن 40% من الشركات السعودية سوف تعلن إفلاسها قريبا بسبب هذه الرسوم. ويترتب على ذلك استفحال البطالة بين السعوديين، في حين يفترض أن يحدث العكس تماماً.
ومن زاوية أخرى سيصبح الوافدون أمام الوضع التالي:
الخيار الأول، ترحيل مرافقيهم إلى بلدانهم الأصلية بغية التخفيف من وطأة تلك الرسوم، عندئذ يهبط الاستهلاك في المملكة وما يترتب عليه من تداعيات اقتصادية وضريبية سلبية. كما سيقود هذا الوضع إلى زيادة التحويلات المالية للعمال الأجانب إلى ذويهم، فيتضرر ميزان المدفوعات، بمعنى أن السياسة المالية السليمة تستوجب منح مساعدات للمرافقين وليس فرض رسوم عليهم.
الخيار الثاني، عودة الوافدين ومرافقيهم إلى بلدانهم وتتمخض عنه نتائج عدة من بينها خلوّ عدد كبير من الشقق السكنية. إنها أزمة عقارية تلوح في الأفق وتتجلى في هبوط سريع للقيم العقارية، فتتضرر جميع فئات المجتمع السعودي.
على خلاف التنظيم الحديث للضرائب، تعتمد السعودية على الجنسية في ربط ضرائبها المباشرة. فهي تفرض ضريبة الدخل والأرباح على الأجانب المقيمين وعلى الشركات المملوكة لغير السعوديين المسجلة في المملكة، ولا يخضع لها السعوديون إطلاقا. كما لا تفرق هذه الضريبة بين الأفراد والشركات في أسعارها |
مما لاشك فيه أن التداعيات السلبية لزيادة الرسوم تتناسب طرديا مع عدد العمال الأجانب العاملين في الشركة. فكلما زاد عددهم تفاقمت المشاكل، أي أن الشركات التي تشغل عددا قليلاً من الوافدين مقارنة بعدد السعوديين سوف تستطيع إلى حد ما امتصاص زيادة الرسوم، ولكن سوف لن تقودها هذه الزيادة إلى استبدال العمالة الأجنبية بعمالة محلية إلا إذا وافق السعوديون على تغيير نمط معيشتهم بالموافقة على العمل بأجر منخفض.
وسوف لن تسهم زيادة الرسوم على الوافدين في تحقيق رؤية السعودية 2030 لأنها تخلق مشاكل اقتصادية خطيرة لشركات القطاع الخاص وتزيد معدل البطال، كما ستؤثر تأثيراً كبيراً على حصيلة الضرائب الأخرى المطبقة، وبالتالي تهبط الإيرادات العامة فيزداد العجز المالي.
ضريبة الدخل جائرة
على خلاف التنظيم الحديث للضرائب، تعتمد السعودية على الجنسية في ربط ضرائبها المباشرة. فهي تفرض ضريبة الدخل والأرباح على الأجانب المقيمين وعلى الشركات المملوكة لغير السعوديين المسجلة في المملكة. ولا يخضع لها السعوديون إطلاقا. كما لا تفرق هذه الضريبة بين الأفراد والشركات في أسعارها.
الجميع يدفع 20%، ولا توجد إعفاءات للحد الأدنى من الدخل الضروري للمعيشة، ولا تعتد الضريبة السعودية بالأعباء العائلية، فالأعزب كالمتزوج، ويستوي من له ومن ليس له أطفال.
من الناحية المالية قدرت حصيلة هذه الضريبة بمبلغ 15 مليار ريال عام 2018 أي 1.9% من الإيرادات العامة و10.5% من الحصيلة الكلية للضرائب.
ويتوقع السعوديون ارتفاعا سنويا بمبلغ مليار ريال، لكن صحة هذا التقدير غير أكيدة نتيجة الرسوم المفروضة على الوافدين، إذ إن تناقص عددهم سيفضي بالضرورة إلى تقلص وعاء هذه الضريبة وبالتالي إلى هبوط حصيلتها.
إيراد الزكاة
وهي الضريبة المباشرة الوحيدة المفروضة على السعوديين. لا تسري على الأجانب باستثناء رعايا دول مجلس التعاون الخليجي المقيمين في المملكة. وهكذا لا تعتمد الزكاة السعودية على الدين، بل على الجنسية، وهذا يتناقض مع أحكامها الشرعية المعروفة، إذ لا يخضع المسلمون الأجانب غير الخليجيين للزكاة بل لضريبة الدخل.
ونلاحظ أن الأجنبي يتحمل ضريبة سنوية على دخله معدلها 1239 ريالا، في حين يدفع السعودي زكاة معدلها السنوي 833 ريالا فقط.
وينجم الإيراد الضعيف للزكاة بالدرجة الأولى عن التهرب، وهي ظاهرة مستشرية في السعودية، يفضي هذا الوضع إلى التأثير سلبا على دور الدولة في إعانة الأسر الفقيرة المستفيدة من حصيلة الزكاة.
وستتأثر الزكاة سلبا بالانعكاسات الاقتصادية للرسوم على الوافدين، لأن هبوط أرباح الشركات وإفلاسها وانخفاض الأنشطة العقارية أمور ستقود إلى تقهقر إيراد الزكاة.
تعاني السياسة الضريبية السعودية من أزمة حقيقية تتجلى في تركيزها على الجانب المالي دون مراعاة الاعتبارات الاجتماعية والاقتصادية، الأمر الذي يؤثر تأثيرا سلبياً على مستوى المعيشة والاستثمارات والتشغيل |
ضريبة القيمة المضافة
بالنظر لهبوط أسعار النفط الذي انعكس مباشرة على الإيرادات العامة، قرر قادة دول مجلس التعاون عام 2015 إنشاء ضريبة القيمة المضافة. وجرى التوافق على تطبيقها مطلع عام 2018، ورحب صندوق النقد الدولي بهذه المبادرة وقدم دعمه الفني لتسهيل تنفيذها.
بيد أن أسعار النفط شهدت في المدة الأخيرة تحسنا واضحا، الأمر الذي أدى إلى زيادة الإيرادات العامة لجميع دول المجلس، لذلك فضلت الكويت تأجيل تطبيقها.
لكن ارتفاع الإنفاق العام خاصة العسكري في السعودية لم يقد إلى نتائج مالية إيجابية، فلا تزال الميزانية العامة في حالة عجز، لذلك قررت المملكة تنفيذ الضريبة في موعدها المقرر.
في العام الجاري قدرت حصيلتها بمبلغ 23 مليار ريال أي ما يعادل 16.2% من الإيرادات الضريبية، وسترتفع بسرعة فائقة لتصل -حسب توقعات صندوق النقد الدولي- إلى ثلث الإيرادات الضريبية عام 2020.
بيد أن الأزمة التي ستخلقها زيادة الرسوم على الوافدين ستؤثر مباشرة على حصيلة هذه الضريبة، لأن هبوط أنشطة الشركات وانخفاض استهلاك السلع والخدمات نتيجة عودة الأجانب إلى بلدانهم وهبوط القيم العقارية المضافة، كلها مؤشرات تدل بوضوح على تراجع حصيلة ضريبة القيمة المضافة.
أما من حيث علاقة هذه الضريبة بالتضخم، فنلاحظ أن سعرها معتدل (5%) وبالتالي لا يجوز أن نبالغ في تداعياتها السلبية. لكن الضرائب الجديدة في جميع أنحاء العالم تبدأ بأسعار منخفضة، ثم ترتفع تدريجيا حسب حالة الميزانية العامة. والتضخم حتى وإن كان طفيفا يمثل عبئا ثقيلاً في الاقتصاد السعودي الراكد.
كما لا يتوقف الأمر عند هذه الضريبة، بل يشمل كذلك الضريبة الانتقائية ورفع الدعم الحكومي عن بعض السلع والخدمات. أضف إلى ذلك تطبيق جميع هذه الإجراءات خلال مدة قصيرة جدا لا تتجاوز الستة أشهر. وهنالك إجراءات أخرى قادمة.
تعاني السياسة الضريبية السعودية من أزمة حقيقية تتجلى في تركيزها على الجانب المالي دون مراعاة الاعتبارات الاجتماعية والاقتصادية، الأمر الذي يؤثر تأثيراً سلبياً على مستوى المعيشة والاستثمارات والتشغيل.
——
باحث اقتصادي عراقي