"توك توك" في مصر.. نقل الغلابة وأمل العاطلين

محمد سيف الدين-القاهرة
ويطلق على أحمد السعيد هذا الاسم بسبب نجاحه المستمر في الفرار من رجال الأمن والمرور بمنطقة الطالبية بمحافظة الجيزة (غربي العاصمة القاهرة).
السعيد/السلكاوي -كما يحب أن يلقب دائما- واحد من بين من يقودون 231 ألف مركبة "توك توك" غير مرخصة، من إجمالي 450 ألفا في مصر وفق تقديرات حكومية.
بيد أن هناك تقديرات صادرة عن الشعبة العامة للمواد البترولية بالاتحاد العام للغرف التجارية تتحدث عن وجود ما بين مليونين و2.5 مليون مركبة "توك توك" وموتوسيكل.
ويعتبر الـ "توك توك" -عربة صغيرة ذات ثلاثة إطارات- إحدى أهم وسائل المواصلات الداخلية، إلا أن رئيس الوزراء مصطفى مدبولي قرر الشهر الماضي وقف إصدار تراخيصها لفترة مؤقتة (غير محددة) بدعوى الحد من الانتشار غير المنضبط لها.
واستغرب "السلكاوي" -في حديثه للجزيرة نت- من الهجوم الذي يلاقيه سائقو الـ "توك توك" من المسؤولين وخاصة الرئيس عبد الفتاح السيسي.
وقال السيسي -خلال إحدى جلسات منتدى شباب العالم بداية الشهر الماضي إن "الـ توك توك عمل مشكلة كبيرة في بلدنا والناس اللى بتتحرك 100 متر بتركب توك توك والناس مبقتش تمشى".

غضب
وبلهجة يملؤها الغضب، قال الشاب "يعني قعدنا على القهوة مش عاجب. اشتغلنا مش عاجب. لنا الله".
وبالرغم من هجوم الرئيس ووقف التراخيص، فإن إجمالي الدخل من وراء الـ "توك توك" يقدر بنحو بثلاثين مليار جنيه (1.67 مليار دولار) وفق تصريحات سابقة لنائب رئيس البورصة محسن عادل في وقت تقدر الحكومة خسارتها من عدم ترخصيه بنحو 7 إلى 11 مليار جنيه.
"السلكاوي" لم يمانع من ترخيص الـ "توك توك" الخاص به، ولكنه طالب بتسهيل الإجراءات وتخفيض الرسوم المفروضة عليهم.
انتشار الـ "توك توك" لم يقتصر على القرى والمناطق الشعبية بل امتد للمدن الراقية مما آثار استياء أغلب المواطنين، كما الحال بمدينة 6 أكتوبر (غرب القاهرة) ولم تنجح القرارات الصادرة بمنع سيره بالمدينة، وكان آخرها في يونيو/حزيران الماضي.
ويرى اللواء سعيد طعيمة رئيس لجنة النقل السابق بمجلس النواب والبرلماني الحالي أن ظاهرة الـ "توك توك" تهدم مصر من ناحية الأخلاقيات، وأضاف خلال مداخلة هاتفية مع إحدى القنوات الفضائية الخاصة أنه "لا يمثل باب رزق على الإطلاق، فهو يهدم ولا يبني".
وفي المقابل، رفض سالم الغرباوي سائق "توك توك" بمدينة 6 أكتوبر تلك الدعوات، مؤكدا أنه أصبح "وسيلة رزق وأكل عيش لمئات الآلاف من الأسر وشباب العاطلين".
ووصل عدد العاطلين عن العمل 2.9 مليون مواطن من إجمالي قوة العمل البالغة 29.215 مليونا. وسجلت نسبة الشباب (15-29 عاما) أكثر من 78%، من إجمالي قوة العمل بالربع الثالث من 2018، وفق تقديرات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء (حكومي) الشهر الماضي.
سداد المتطلبات
ويشير غرباوي (طالب جامعي بإحدى المعاهد الخاصة) في حديثه للجزيرة نت إلى أن الـ "توك توك" أصبح مصدرا رئيسيا لأسرته بعد وفاته والده، حيث يعمل هو وأخوه عليه طوال اليوم لسداد متطلباتهم.
ويوضح أنه يعمل في كثير من الأوقات أكثر 12 ساعة يوميا، قائلا "أحاول أن أعمل أكبر عدد ممكن من المشاوير لتغطية المصاريف وأطلع المكسب بتاعي وأصرف على دراستي والبيت".
واللافت انتشار قيادة هذه المركبة بين صغار السن، كما هو حال مسعد الشافعي الطالب بالصف الثاني الثانوي الذي تسلم "توك توك" منذ سنة تقريبا من مالكه واتفقا على عدة بنود منها حصوله على ثلث الإيراد اليومي.
واعترف الشافعي في حديثه للجزيرة نت بلجوئه في بعض الأوقات بالسير بسرعة عالية بل وعكس خطير السير أحيانا لإنجاز مسافة أسرع في وقت أقل من أجل الحصول على قدر كبير من المشاوير اليومية التي سيحصل على ثلث عائدها.

وعلى الرغم من معارضته لوجود الـ "توك توك" وخاصة المدن، فإن الطالب الجامعي حسام شريف قائلا "للضرورة أحكام".
وطالب شريف -الذي يضطر لامتهان قيادة الـ "توك توك" أغلب الأوقات- الدولة بفرض سيطرتها على سائقي هذه المركبة وخاصة الأطفال.
مظاهر سلبية
وأبدت أم رامي (ربة منزل بالخمسينات من العمر) بعض التحفظات على سلوك سائقي الـ "توك توك" قائلة "للأسف الشديد هناك مشكلة كبيرة في سلوك بعضهم، فقد أصبح عاديا أن أركب مع أحدهم فيقوم بمعاكسة بنت في الشارع أو أن يكون صوت جهاز تشغيل الأغاني عاليا جدا وصاخبا".
هذه ليست التجاوزات الوحيدة، حيث رصد مراسل الجزيرة نت خلال جولته بعض المظاهر السلبية، منها الوقف بشكل عشوائي بالشوارع الرئيسية، مما يؤدي لحالة زحام شديد، وتعطل حركة المرور، فضلا عن تسارع سائقي الـ "توك توك" نحو المارة للفوز بزبون.
وفي المقابل، يرى الخبير المروري رأفت البشبيشي أن مصر لديها فرصة عظيمة لتوفر فرص عمل عديدة للشباب، من خلال استخدام الـ "توك توك" في المناطق السياحية ليصبح مصدرا للعملة الصعبة والأجنبية.
واستشهد الخبير المروري في حديثه للجزيرة نت بتجربة "توك توك الجونة".
وفي منتجع الجونة السياحي الذي يقع بمدينة الغردقة المطلة على ساحل البحر الأحمر، أصبح الـ "توك توك" وسيلة نقل مميزة، حيث يمتلك السائق رخصة قيادة خاصة كالسيارة الملاكي، ويخضع لعملية رقابة شديدة.