موازنة السودان 2019.. الاحتجاجات مستمرة والطوابير طويلة

أزمة الخبز
طابور أمام أحد المخابز في العاصمة الخرطوم (الجزيرة نت)

أحمد فضل-الخرطوم

المراهنة على صمود موازنة عام 2019 التي أجازها البرلمان السوداني أمس الأحد، تبدو صعبة حتى بين النواب الذين صوتوا لها بـ"نعم"، خاصة في ظل احتجاجات يشهدها الشارع جراء أزمات اقتصادية متلاحقة.

ويخشى السودانيون انتكاسة الموازنة الجديدة وفي البال الموازنة السابقة، التي لم يكد البرلمان يجيزها حتى اشتعلت الأسواق وظلت معدلات التضخم وقيمة العملة الوطنية (الجنيه) تقفز كل في اتجاه.

وحشد حزب المؤتمر الوطني -صاحب الأغلبية الحاكمة- نوابه، وكان لافتا حرص رموزه على حضور جلسة الإجازة مثل نافع علي نافع وعوض الجاز.

بيد أن نوابا من الحزب كان يبدو عليهم الاستياء وهم يوالون الخروج من القاعة لأخذ بعض الراحة من الأرقام التي احتشدت بها أوراق الموازنة، وقال اثنان منهم للجزيرة نت إنهم سيجيزون الموازنة "فقط كالتزام حزبي".

وألقت الاحتجاجات التي تشهدها مدن السودان منذ 12 يوما بظلالها على قبة البرلمان، في حين  حرص رئيس مجلس الوزراء ووزير المالية معتز موسى على تدوين انتقادات كالها العديد من النواب لموازنة عام 2019.

ولم يجد النائب عبد الرحمن فضيل من حركة "الإصلاح الآن" بدا من أن يصف توصيات الموازنة تارة بـ"الحالمة" وأخرى بأنها غطاء قصير إذا ستر الجزء العلوي من الجسم انكشف السفلي منه، ورجح أنها ستكون مثقوبة بحلول الشهر الأول من عام 2019.

أما نافع علي نافع فقد دافع عن الموازنة وهو يجد بعض المبررات للعجز الذي يشوبها، قائلا إن العجز يعود إلى التضخم وغلاء المعيشة، وطلب من البرلمان أن يركز في أولوياته على متابعة الشأن الاقتصادي.

معالجات جزئية
ويبدي رئيس اللجنة الاقتصادية في البرلمان علي محمود تفاؤلا حذرا حيال كون الموازنة ستقدم حلولا للمشكلة الاقتصادية في البلاد.

ويقول محمود للجزيرة نت إن موازنة عام 2019 ستقدم بعض المعالجات لمشكلات سعر الصرف وتوفير السلع مثل القمح والوقود، لكن من المؤكد أن المشكلات برمتها تحتاج إلى زمن.

وبشأن معدلات التضخم، يؤكد رئيس اللجنة الاقتصادية أن موازنة 2019 ستقدم حلولا إلى حد ما للتضخم ليكون في حدود 27%، "لكنها قطعا لم تشر إلى أنها يمكن أن تصل بالتضخم إلى رقم أحادي. أظن أنها ستحقق تعافيا جزئيا"، وفق تعبيره.

ويرى أن الموازنة الجديدة تسعى لوضع معالجات تنهي مظاهر الأزمة المتعلقة بطوابير الوقود والنقود، لكن الجهاز التنفيذي هو المعني بوضع سياسات في هذا الإطار أكثر من الجهاز التشريعي.

‪طوابير الانتظار في المحطات بسبب أزمة الوقود‬ (الجزيرة-أرشيف)
‪طوابير الانتظار في المحطات بسبب أزمة الوقود‬ (الجزيرة-أرشيف)

موازنة الرمادة
لكن العضو أحمد الطيب المكابرابي من مقاعد الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل، قال للجزيرة نت إن ما أجازه البرلمان هو "موازنة عام الرمادة"، قبل أن يحيل الأزمة إلى أسباب سياسية وليست اقتصادية كما تبدو.

وتستهدف موازنة 2019 بلوغ الناتج المحلي الإجمالي نسبة 5.1%، ومعدل التضخم حوالي 27% مقارنة مع 63% في نهاية عام 2018.

ويشترط الأكاديمي والمستشار المالي طه حسين عدة محددات حتى لا يتكرر سيناريو موازنة العام الحالي التي لم تلق رضا من المراقبين لأنها أجيزت بسعر صرف للدولار بسبعة جنيهات، لكنه ارتفع لاحقا إلى 47.5 جنيها بالسعر الرسمي وفق آلية صناع السوق، فضلا عن سعر السوق الموازي وهو نحو 62 جنيها للدولار الواحد.

ويقول للجزيرة نت إنه لا بد من توفر مطلوبات مثل تعزيز آليات الدفع الإلكتروني وفرض رقابة لصيقة على بنود الموازنة، لأنه لأول مرة تكون هناك موازنة برامج تراعي الأولويات.

ويرى طه حسين أن نصَّ الموازنة على استعادة استقرار سعر الصرف وخفض معدل التضخم إلى 27% سيكون غير ممكن، ما لم تكن هناك سياسة واضحة لبنك السودان المركزي متوافقة مع وزارة المالية.

صمود الجنيه؟
ويستبعد طه حسين صمود سعر صرف الجنيه ما لم يتم ابتداع أدوات لإعادة 50% من الكتلة النقدية للجهاز المصرفي، مشيرا إلى أن الاستقرار الحالي مؤقت بسبب الاحتجاجات والقبضة الأمنية التي تسببت في الإحجام عن التداول بسوق العملة الموازي.

ويذهب إلى ضرورة وقف طباعة العملة، حيث زاد البنك المركزي طباعتها في عامي 2017 و2018 بنسبة 19%، وهو ما يعادل 17 مليار جنيه.

وفي مقابل ذلك يمتدح طباعة فئات أكبر (100 و200 و500 جنيه) شريطة منح مهلة تكون فيها فئة الخمسين جنيها القديمة غير مبرئة للذمة -لأن 60% منها خارج البنوك- وحصر التداول على النسخة الجديدة منها.

كما يرى طه حسن أنه لا بد من وقف خدمات تحويلات الرصيد التي تستهلك 15.4 مليار جنيه، أي 19% من الكتلة النقدية، فضلا عن إعادة الثقة للجهاز المصرفي وفك حظر تمويل السيارات والعقارات.

مطالب
لكن الشباب الذي يعمل على تنظيم الاحتجاجات لا يبدو مكترثا بالموازنة ولا أرقامها. فيقول الوليد بكري خرسهن -وهو ناشط في الاحتجاجات بضاحية الثورة في أم درمان- "إن السودانيين يطالبون النظام بالرحيل هو وموازنته".

ويؤكد خرسهن للجزيرة نت أن الموازنة -بغض النظر عما فيها- لن تحقق شيئا، ويضيف "لقد أجازوا عشرات الموازنات المالية وكانت غالب إيراداتها تذهب للأجهزة القمعية والقوات النظامية. شقيقي ربيع الآن معتقل من قبل هذه القوات التي نصرف عليها من أموالنا".

والمؤكد أن البرلمان أجاز الموازنة الجديدة، لكن المؤكد أيضا أن الحماسة كانت تنقص الصحفيين وهم يغطون الجلسات المتلاحقة لإجازتها، إذ لا يجدون إجابات قاطعة من النواب عما إذا كانت الموازنة ستنهي في 2019 طوابير النقود والوقود والخبز التي أرهقت السودانيين.

وتتبدى التحفظات على الموازنة من خلال رفض نواب كتلة التغيير وحركة "الإصلاح الآن" التصويت لصالحها، وامتناع نواب حزب المؤتمر الشعبي عن التصويت أيضا.

المصدر : الجزيرة