400 ألف عاطل عن العمل.. الاحتلال والفساد يطيحان بأمل الشباب الفلسطيني

عاطف دغلس- جزء كبير من الشباب لا يجد وظيفة بشهادته الجامعية فيعمل بورش البناء او غيرها من المهن إن أتيح له ذلك- الضفة الغربية- نابلس- الجزيرة نت
جزء كبير من الشباب لا يجد وظيفة بشهادته الجامعية فيعمل بورش البناء أو غيرها(الجزيرة نت)

عاطف دغلس-نابلس

منذ تخرجه قبل سبع سنوات لم يعثر الفلسطيني بشار الدجني (29 عاما) على أية وظيفة أو عمل يناسب تخصصه في هندسة الديكور أو غير ذلك، لينضم لطوابير العاطلين عن العمل من نظرائه الشباب.

لم يترك بشار بابا في سبيل الحصول على عمل إلا وطرقه، لكنه لم يحظ مثل آلاف الخريجين والشباب بأي عمل، كحال أقرب الناس إليه، فأشقاؤه الأربعة تخرجوا من الجامعة وما زالوا بلا عمل منذ سنوات.

وتقترب البطالة بين الفلسطينيين -وفق إحصاءات الجهاز المركزي- من 30%، وسجلت أعلى معدلاتها بالفئة العمرية 20-24 سنة، حيث بلغت 49.6% بالربع الأول 2018.

ويقف الاحتلال بممارساته العدوانية بوجه الاقتصاد الفلسطيني، وبالتالي تكديس آلاف العاطلين عن العمل (400 ألف عاطل) كما تعتبر سياسات السلطة وفسادها سببا آخر بتزايد البطالة، وفق مراقبين.

‪بشار وأشقاؤه يتكدسون بمتجر والده لبيع الأثاث بنابلس هربا من ضغط الحياة‬ بشار وأشقاؤه يتكدسون بمتجر والده لبيع الأثاث بنابلس هربا من ضغط الحياة (الجزيرة)
‪بشار وأشقاؤه يتكدسون بمتجر والده لبيع الأثاث بنابلس هربا من ضغط الحياة‬ بشار وأشقاؤه يتكدسون بمتجر والده لبيع الأثاث بنابلس هربا من ضغط الحياة (الجزيرة)

الهجرة
باستمرار، يبحث الدجني وأشقاؤه عن وظيفة أو عمل لائق، داخل الضفة أو خارجها، فهو -رغم معارضته للهجرة- لن يُضيع أية فرصة، إذ يُدرك أنه بات يُشكل عبئا بإقحام نفسه بالعمل مع والده، لكنه يفعل ذلك "قتلا للفراغ" وفق وصفه.

ومثل بشار يُكافح الصحفي سامر عوَّاد منذ مدة للحصول على وظيفة، وقد أحرز نجاحات متقدمة في اختبارات وظيفية لكن "الواسطة أسبق وأقوى".

يحاول عوَّاد (29 عاما) شغل نفسه بالعمل ولو بشكل متقطع بالأرض وورش البناء، ويقول إن الهجرة صارت ديدنه بعد أن ضاق البلد بشبابه وبقدراتهم أمام المحسوبية.

ولا يجد غير جدار فيسبوك ليُصب جامَّ غضبه على المسؤولين، مثلما فعل زميله سامر خويرة قبل شهر حينما غادر فلسطين باحثا عن عمل، ليؤكد أن الاحتلال "سياسات حزبية مقيتة" تُنفّر الشباب أمثاله من البقاء فيه.

وتجسد واقع التوظيف "البائس" كما يصفه كثيرون في امتحان وظيفي بقطاع التعليم تقدم له أربعون ألف مواطن لأقل من ألف شاغر.

ويصف سمير عبد الله مدير البحوث بمعهد الدراسات الاقتصادية (ماس) الحال باستياء أكبر، في ظل تنوع اعتداءات الاحتلال، ويقول للجزيرة نت إن الاقتصاد الفلسطيني يشهد تراجعا منذ عام 2012.

انتهاكات
وتفرض إسرائيل سيطرتها على موارد ومصادر الاقتصاد الفلسطيني. فعلى الأرض تنصب أكثر من 700 حاجز وعائق بالضفة الغربية تنغص بها حياة المواطنين وتشل حركتهم، إضافة لانتهاكات يومية تتنوع بين الاقتحامات والاعتقالات.

كما لم تلتزم إسرائيل بالاتفاقات السياسية والاقتصادية الموقعة (أوسلو وباريس الاقتصادي).

ويقول مدير معهد البحوث إن إسرائيل استولت على أكثر من 60% من الأرض و85% من المياه، واستثنت القدس والأغوار والبحر الميت من هذه الاتفاقات، لتحرمهم بذلك مواردهم الطبيعية ومصادرهم الإنتاجية.

‪شبان يعملون بالبناء بالضفة‬ شبان يعملون بالبناء بالضفة (الجزيرة)
‪شبان يعملون بالبناء بالضفة‬ شبان يعملون بالبناء بالضفة (الجزيرة)

ويضيف الخبير الاقتصادي أن البحر الميت يمكنه أن يُدرَّ مليار دولار سنويا، وفي الأغوار يُحرم الفلسطيني الأراضي الخصبة والمياه.

كما تحكم إسرائيل سيطرتها على الإيرادات الفلسطينية المتمثلة بعائدات الضرائب الشهرية البالغة نحو 230 مليون دولار شهريا، حيث تقتطع منها نسبة تحصيلها إياها، وأخرى ثمنا للكهرباء والتحويلات الطبية، في حين هناك أكثر من 300 مليون دولار سنويا تجنيها دولة الاحتلال بسبب "التهرب الضريبي" يضيف عبد الله.

ويعيش الفلسطيني بتكلفة المحتل الإسرائيلي، حيث تتشابه الأسعار بين إسرائيلي دخله السنوي يفوق 40 ألف دولار وفلسطيني يقدر دخله بـ 2500 دولار.

وتحول مستوطنات الاحتلال (نحو 280 مستوطنة منتشرة بالضفة والقدس) دون بناء المنشآت الصناعية، فهي تحاصر المدن الفلسطينية وتعزلها وتحولها إلى "جزر" لا تواصل بينها. 

فساد
ولا يخف عبد الله أن من أسباب تزايد البطالة "فساد وتقصير" السلطة في آن معا، وهو ما يتطلب منها التصرف برشد بإدارة المال العام.

ويتفق مجدي أبو زيد عضو الائتلاف الفلسطيني لمكافحة الفساد مع عبد الله، وحيث يعتقد أن غياب التخطيط من جانب الحكومة والجهات المسؤولة بإدارة الأموال والموارد المحدودة ولَّد حالة من الإحباط لدى الشباب.

وحسب أبو زيد فإن 80% من الفلسطينيين -وفق استطلاع أجراه الائتلاف- يعتقدون وجود فساد بالمؤسسات الفلسطينية، وأن هذا الفساد آخذ بالازدياد. كما أن 92% يرون أن من يمارس "الفساد السياسي" هم كبار المسؤولين بالضفة وغزة لا سيما بالوظائف العليا ذات الامتيازات عبر التعيين، وفق تعبيره.

قد لا تبدو هناك انفراجة كلما ضاقت، فحلقات التهجير تُحكم الخناق يوما بعد آخر حول الشباب وتدفعهم لترك البلد، وسط تحذيرات من مستقبل  مجهول بحسب وصف سياسيين واقتصاديين.

المصدر : الجزيرة