ميادين الثورة في مصر تحتشد "بطوابير البطاطس"
عبد الكريم سليم-القاهرة
أخيراً وجد المصريون البطاطس بعد حرمان، فقد تدخلت الشرطة بمنافذ متنقلة في الشوارع والميادين لتوفيرها بأسعار مخفضة، بعدما ارتفعت إلى 16 جنيها (نحو 0.9 دولار) للكيلو، أي ثلاثة أضعاف ما كانت عليه في الأسابيع الماضية.
واحتشد المصريون خلال اليومين الماضيين أمام المنافذ في الميادين الرئيسية بالقاهرة كميدان التحرير ورمسيس وغيرهما، في طوابير امتدت لعشرات الأمتار حتى فاقت طوابير انتخابات الرئاسة عام 2012.
مشاهد الطوابير أبرزت في أذهان النشطاء مرارة المفارقة، ففي ميادين طالما طالب ثوارها عام 2011 بالعيش الكريم والحرية، باتت اليوم تحتشد بأيد تمتد لتطلب الغذاء.
في الطوابير يحدّث أحد الواقفين رفيقه الذي لا يعرفه بأنه سيشتري ما يكفي لفترة الشتاء، إذ يعتقد أن التدخل البوليسي الحالي بتوفير البطاطس مسكّن قصير الأجل.
يعتقد آخر أن البطاطس المتوافرة هي مما أخذتها الشرطة مؤخراً عنوة من التجار، ليعلق آخر بسخرية المصريين المعروفة قائلا إنه سيطلب من زوجته منذ الآن إعداد "بطاطس مسروقة" بدلا من "بطاطس مسلوقة".
ويقارن أحد الواقفين في الطابور بين مصادرة مخزون البطاطس اليوم ومصادرة السكر من مصانع الحلويات وقت أزمته منذ عامين، وتبين لاحقاً أن التجار ليسوا السبب.
وأعلنت وزارة الداخلية أنها ضبطت 1632 طن بطاطس "احتكرها التجار في الغربية والدقهلية والبحيرة" شمالاً، في حين يسود تخوف من توقعات بارتفاع سعر البطاطس قريباً ليصل إلى 40 جنيهاً.
شماعة للفشل
ويدافع التجار بأن الحكومة تبحث عن "شماعة لفشلها المتكرر في كل الأزمات"، كأزمة ألبان الأطفال والدجاج المجمد، زاعمين أن المخازن التي دوهمت تحوي فقط بذور البطاطس المستوردة، ولا علاقة لذلك بارتفاع أسعارها.
وبحسب تقرير للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، تراجع إنتاج الخضروات عموماً إلى 19.5 مليون طن عام 2016-2017 مقابل 20 مليون طن عام 2015-2016.
وأكدت شعبة الخضروات والفاكهة في اتحاد الغرف التجارية أن منافذ وزارة الداخلية خفّضت أسعار البطاطس في الأسواق لتصل إلى المستهلك بنحو 8 جنيهات للكيلو.
وسجلت الأسعار قرابة 14 جنيها قبل أسبوعين، وتوقعت الشعبة مزيداً من الانخفاض، لكن جولة سريعة في أسواق القاهرة بيّنت أن سعر كيلو البطاطس بلغ عشرة جنيهات، وليس ثمانية.
في المقابل، يتوقع الإعلامي المتخصص بالشأن الزراعي جلال جادو أن تزداد الأسعار بانخفاض نسبة زراعة المحاصيل كثيراً في الإحصاء المقبل، لأن "الفلاح يزرع المحصول فيخسر فيه كثيرا فيتراجع عن زراعته في العام التالي".
تراجع الزراعات
وبلغت مساحة زراعات البطاطس -بحسب إحصائيات وزارة الزراعة- 521 ألفًا و741 فدانًا عام 2016-2017، بينما كانت المساحة المزروعة 376.6 ألف فدان عام 2015-2016.
وتوقف آلاف الفلاحين عن زراعة البطاطس الموسم الحالي لأن تكلفة زراعة الفدان تتجاوز 35 ألف جنيه.
الأزمة "مستمرة ومتصاعدة" كما يقول جادو للجزيرة نت، لا سيما بعد "الإدارة الأمنية للأزمة". وبدلا من الاستيراد من الدول المنتجة للبطاطس لحلها، "استثمر الجيش الأزمة" ليدخل هذا المجال عبر زراعة مساحات هائلة.
غير أن الأمين العام لجمعية منتجي البطاطس أحمد الشربيني، يرى أن دخول القوات المسلحة على خط الأزمة إنقاذ لها، إذ جهزت مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية لزراعة البطاطس.
وتابع الشربيني خلال لقاء له مع إحدى الفضائيات أن "الأراضي التي طرحتها القوات المسلحة حققت إنتاجاً جيداً جداً وتم تصدير كميات كبيرة منه".
ويلخص مستشار وزير التموين الأسبق إسماعيل تركي أزمة البطاطس في ضعف الإنتاج مع زيادة أسعار البدائل الغذائية، وضعف الرقابة الحكومية وفسادها في غالب الأحوال.
ويؤكد تركي للجزيرة نت أن استغلال التجار للأزمة أدى إلى زيادة الطلب بعد رفعهم الأسعار، وجاءت المعالجة الأمنية الخاطئة للأزمة عبر الاستيلاء على المنتج من حائزيه وبيعه بسعر منخفض في منافذ الشرطة وبقية المنافذ الحكومية. واعتبر أن تدخل الجيش بشكل متكرر في الأزمات الاقتصادية أثقل الجيش وأفسد الاقتصاد.