ما أبعاد الحرب الاقتصادية لدول الحصار على قطر؟

لم تكتف دول الحصار الأربع بحملات إعلامية لتشويه صورة قطر وربطها بالإرهاب، بل تجاوزتها إلى إطلاق حرب اقتصادية على الدوحة؛ تهدف إلى إلحاق الضرر ببنيتها الاقتصادية عبر زعزعة العملة المحلية (الريال)، وضرب نظامها المصرفي، وإنهاك القدرة المالية للدولة؛ لتعطيل مسار إنجاز المشاريع الكبرى، والتأثير على الديون السيادية للبلاد.
لكن تلك المحاولات باءت بالفشل -حسب اقتصاديين- في حين استمر الاقتصاد القطري في تحقيق معدلات نمو قوية، وهو ما عكسته العديد من التقارير الدولية المتخصصة والمؤشرات الصادرة عن المؤسسات المالية.
فقد كشفت صحيفة وول ستريت جورنال في تقرير لها عن وجه آخر لحرب دول الحصار على قطر، ووصفته بالتخريب الاقتصادي عبر التلاعب بالعملة المحلية (الريال)، والسعي لفرض نقص حاد في السيولة، ومن ثم التأثير ليس على الدوحة فقط بل على كل من له علاقة بنشاطها.
وتعود بداية قصة الحرب الاقتصادية التي تحدث عنها تقرير وول ستريت جورنال إلى الأسابيع الأولى للأزمة الخليجية في يونيو/حزيران الماضي.

تدمير الاقتصاد
يقول الخبير الاقتصادي والمالي القطري خالد الخاطر إن الحرب الاقتصادية من جانب دول الحصار -وتحديدا الإمارات– ضد قطر كانت نظريا الجبهة الأكثر فاعلية لإلحاق أكبر ضرر ممكن بقطر وتدمير اقتصادها عن بعد، ودون اشتباك وبأقل تكلفة على الطرف الآخر، لكن هذه الحرب فشلت في تحقيق أهدافها.
ويضيف في حديث للجزيرة نت أن الهدف من الخطة الإماراتية كان زعزعة استقرار العملة الوطنية والدفع نحو هروب رؤوس الأموال واستنزاف الاحتياطات السيادية لإنهاك القدرة المالية للدولة والإخلال بالتزاماتها بمشاريع البنى التحتية ومشاريع كأس العالم وتنويع الاقتصاد، بل ربما حتى عدم القدرة على تغطية تكلفة الواردات السلعية لأشهر معدودة.
ليس هذا فحسب -كما يؤكد الخاطر- بل السعي إلى زعزعة الاستقرار الاجتماعي والسياسي، ومن ثم تهديد الأمن القومي.
ويؤكد الخبير في السياسات النقدية أن هذه الحرب فشلت في بلوغ أهدافها سواء في الداخل أو الخارج.
ويقول "داخليا فشلت الخطة الإماراتية في إثارة الهلع، ومن ثم دفع الجمهور للتخلي عن الريال، والضغط على قيمته، وكان أحد أسباب ذلك هو فشل الحملة الإعلامية لدول الحصار بسبب انعدام المصداقية فيها".
ويشير الخاطر إلى أن دول الحصار فشلت أيضا في زعزعة استقرار النظام المصرفي والضغط نحو خروج رؤوس الأموال والودائع، حيث كان لتدخل الحكومة السريع بضخ مليارات الدولارات من الودائع الفضل في تعزيز الثقة والمصداقية في الجهاز المصرفي والمالي.

وعلى عكس ما كانت ترغب فيه دول الحصار، فقد أظهرت بيانات حديثة لمصرف قطر المركزي أن ودائع الأجانب لدى البنوك القطرية ارتفعت في ديسمبر/كانون الأول الماضي للمرة الأولى منذ فرضت السعودية والإمارات والبحرين إلى جانب مصر الحصار على الدوحة، وفق ما أوردته وكالة رويترز.
هكذا زادت ودائع الأجانب بـ2.2 مليار ريال (606 ملايين دولار) مقارنة بنوفمبر/تشرين الثاني الماضي، لتبلغ 137.1 مليار ريال.
وساعد استقرار الاقتصاد القطري منذ بدء الحصار، إلى جانب تدفقات الحكومة نحو البنوك المحلية، على اجتذاب أموال الأجانب رغم أن دول الحصار لجأت إلى سحب ودائعها بصورة شبه كاملة.
تحذيرات
وعلى الصعيد الخارجي، يقول الخاطر إن الريال القطري تعرض في أواخر يونيو/حزيران الماضي لمحاولات منع تداوله في بعض الأسواق الخارجية –بريطانيا على وجه الخصوص- نتيجة تآمر بواسطة شركة وساطة مالية مملوكة للإمارات، كما تعرض للتلاعب في أسواق دول الحصار عبر تداوله بأسعار منخفضة لزعزعة الثقة فيه، لكن ذلك فشل بسبب محدودية عرض الريال بالأسواق الخارجية.
ويلفت الخاطر إلى أن الحرب الاقتصادية امتدت أيضا لتشمل محاولة التأثير على الديون السيادية للبلاد، حيث كانت الخطة تقضي بجمع أكبر قدر ممكن من سندات الدين القطرية بصورة خفية، ليتم تداولها بيعا وشراء بسرعات عالية وأسعار منخفضة بشكل مصطنع بين أطراف معينة ضمن دائرة مغلقة للإيحاء بأن هناك خللا ما يحدث في قطر.
لكن ذلك فشل -وفق الخاطر- لأن السندات السيادية القطرية ذات تصنيف ائتماني عال، وتحتفظ بها بنوك عالمية لمردودها الجيد.

وحذر الخاطر من أن شهادات إيداع البنوك القطرية تعد هدفا للحرب الاقتصادية، وقال إن أبو ظبي لن تألو جهدا في إيذاء قطر اقتصاديا متى وجدت ثغرة.
ودعا إلى اتخاذ الحيطة والحذر، واعتبر أن الهدف من إطالة أمد الحصار هو استمرار الضغط على الاقتصاد، وعلى سعر الصرف والجهاز المصرفي، واستنزاف الاحتياطات الأجنبية وإنهاك قطر ماليا.
تحقيقات
ولم تقف الدوحة مكتوفة الأيدي حيال هذه الحرب الاقتصادية؛ فقد أعلن مصرف قطر المركزي في ديسمبر/كانون الأول الماضي أنه بدأ تحقيقا قانونيا في محاولات الإضرار بالاقتصاد القطري عن طريق التلاعب في أسواق العملة والأوراق المالية والمشتقات.
وأكد أنه "سيتخذ جميع الخطوات لتحديد هوية كل شخص ضالع في محاولات التلاعب، أو حاول الضلوع في هذا السلوك المنافي للقانون ومحاسبته، كما أكد أنه سيعمل على ضمان أن يظل القطاع المالي والاقتصادي قويا ومستقرا، رغم ظروف الحصار.
ويبدو أن محاولات الإضرار بالاقتصاد القطري ستستمر، لكن تأثيرها سيظل محدودا جدا ما دامت قطر قادرة على دعم الريال القطري عن طريق احتياطاتها الأجنبية، وما دامت الدوحة قادرة على الإيفاء بالتزاماتها المالية الخارجية، كما يؤكد ذلك المحلل الاقتصادي نضال الخولي.
ويقول الخولي في حديث للجزيرة نت إن قطر أظهرت منذ الوهلة الأولى صمودا قويا في مواجهة الحرب الاقتصادية بما تتمتع به من احتياطات كبيرة بجانب ارتفاع أسعار الطاقة في الأسواق العالمية.
ويضيف أن كل محاولات الإضرار بالاقتصاد القطري كلفت -وما تزال تكلف- دول الحصار مليارات الدولارات دون أن يكون لها تأثير واضح، و"في مقابل خسارات كبيرة لا نجد سوى ضجيج ضعيف".
ويؤكد خولي أن قطر لم تقف عند حد حماية عملتها المحلية ودعم نظامها المصرفي، بل استمرت في توسيع استثماراتها بالخارج، وهو ما أعطى مؤشرات قوية للمستثمرين بالخارج تجاه قوة الاقتصاد المحلي.
ويقول "من سوء حظ بعض الجهات أن ارتفاع أسعار الطاقة ساعد قطر في الحصول على عوائد مالية أكبر"، وعبر عن اعتقاده بأن من يحاول تكرار محاولات الإضرار بالاقتصاد القطري سيتعرض لخسارة كبيرة دون أن يحصل على مقابل.

مؤشرات قوية
ومن المؤشرات التي أظهرت صلابة النظام المصرفي القطري في مواجهة هذه الحرب الاقتصادية أن حجم الأصول في البنوك المحلية ارتفع بنسبة سنوية بلغت 7.2% لتصل إلى 1.363 تريليون ريال (374 مليار دولار) بنهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي.
وتشير بيانات بورصة قطر هي الأخرى إلى أن أرباح البنوك القطرية التي أعلنت نتائجها المالية حتى الآن زادت بنسبة 6.14% بنهاية العام 2017 مقارنة بالعام الذي سبقه.
ومن المؤشرات الدالة أيضا على استمرار قوة الاقتصاد القطري -رغم محاولات دول الحصار الإضرار به- ما أعلنته صحيفة ديلي ميل البريطانية نقلا عن تقرير أعدته مؤسسة الأبحاث المستقلة "كابيتال إيكونوميكس" -ومقرها في لندن– من أن الاقتصاد القطري نما بقوة مسجلا نحو 2% في الربع الثالث من العام الماضي مقارنة بـ0.3% في الربع الذي سبقه.
التقرير البريطاني أكد أن ارتفاع ودائع الأجانب لدى البنوك القطرية يعكس الثقة في الوضع الاقتصادي المحلي، في وقت أشار فيه إلى أن القطاعات الاقتصادية البعيدة عن النفط والغاز حافظت على نمو بنسبة 3.2%، رغم أنه كان يفترض أن تكون أكثر عرضة للتأثر بالحصار.