كساد يعمق جراح اقتصاد غزة المنهك

غزة، ديسمبر 2017، سوق فراس الشعبي، ركود غير مسبوق بالأسواق الغزية يؤشر لانهيار بالقطاعات الاقتصادية.
ركود غير مسبوق في الأسواق الغزية يؤشر على انهيار بالقطاعات الاقتصادية (الجزيرة)
يشتكي عبد القادر أبو شعبان (62 عاماً) الذي يعمل بائعاً للخضار في قطاع غزة منذ 52 عاما؛ قلّة بيع بضاعته بشكل يؤثر على مردوده المالي الوحيد الذي يعيل من خلاله أسرته.
 
يقول أبو شعبان "لم نرَ أسوأ من 2017 من الناحية الاقتصادية.. الزبائن ينظرون إلى البضائع المعروضة في الأسواق دون أن يشتروها لعدم توفر السيولة النقدية لديهم".
 
حال أبو شعبان ينطبق على الكثيرين في القطاع المحاصر، فمنذ ثمانية شهور مضت، تكاد تخلو المحال التجارية في أسواق القطاع من حركة المشترين لبضائع فاضت بها مخازن التجار والموردين.

وتقول لجنة تنسيق البضائع على معبر كرم أبو سالم (المعبر التجاري الوحيد حاليا بين إسرائيل وغزة) إن تراجعا بنسبة 60% طرأ على عدد الشاحنات المحملة بالبضائع الداخلة إلى القطاع لتراجع القوة الشرائية.

حالة الشك وعدم اليقين نتيجة المصالحة الفلسطينية المرتبكة حتى اليوم، دفعت المواطنين لخفض النفقات إلى الحد الأدنى، بينما تتواصل الضربات الإسرائيلية لأهداف في القطاع، ردا على ما يقول جيش الاحتلال إنها صواريخ تطلق من داخل حدود غزة.

ودخل اقتصاد غزة المأزوم عامه الحادي عشر، بينما تتواصل الاتهامات المتبادلة بين الحكومة الفلسطينية وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) بتعطيل بنود المصالحة الموقعة منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

وبحسب أرقام وردت في نداء عاجل وجهه ممثلو القطاع الخاص في غزة للرئيس محمود عباس، سجلت نسبة الفقر في غزة 65%، بينما ارتفعت نسبة انعدام الأمن الغذائي لدى الأسر في القطاع 50% في 2017.

‪بائعة خضار في غزة تشتكي من تراجع حاد للحركة الشرائية منذ أشهر (الجزيرة)‬  بائعة خضار في غزة تشتكي من تراجع حاد للحركة الشرائية منذ أشهر (الجزيرة)
‪بائعة خضار في غزة تشتكي من تراجع حاد للحركة الشرائية منذ أشهر (الجزيرة)‬  بائعة خضار في غزة تشتكي من تراجع حاد للحركة الشرائية منذ أشهر (الجزيرة)

تبعات الانقسام
يقول ماهر الطباع -وهو محلل اقتصادي- إن عقوبات أخيرة فرضتها السلطة الفلسطينية على موظفيها العام الماضي بخصم نسبة من رواتبهم الشهرية، كان لها دور في تراجع الاقتصاد المحلي.

وفي أبريل/نيسان الماضي، قضى أمر رئاسي فلسطيني بخصم 30% من رواتب الموظفين العموميين في قطاع غزة، تبعه تقاعد مبكر لأكثر من سبعة آلاف عنصر أمن، في محاولة للضغط على حماس لحل لجنة شكلتها لإدارة القطاع.

نسب الخصم تعدت 30% ووصلت إلى 50% -وفق الطباع- وتقدر قيمتها الشهرية بنحو عشرين مليون دولار، وفقدت سوق غزة منذ أبريل/نيسان الماضي أكثر من 160 مليون دولار.

ويعتمد اقتصاد غزة وأسواقه بشكل رئيسي على رواتب الموظفين العموميين البالغ عددهم حتى نهاية 2016 نحو 58 ألف موظف مدني وعسكري، يضاف إليهم 40 ألف موظف عينتهم حماس بعد الانقسام عام 2007.

وينتظر هؤلاء الموظفون الـ40 ألفا صرف رواتبهم من جانب الحكومة الفلسطينية منذ توقيع اتفاق المصالحة، لكن الحكومة أكدت مرارا عبر رئيس الوزراء رامي الحمد الله أن استيعابهم في المؤسسات سيكون وفق الحاجة.

وأصدر القطاع الخاص في غزة أول أمس الاثنين بيانا طالب فيه الرئيسين محمود عباس والمصري عبد الفتاح السيسي بفتح معبر رفح وإلغاء الخصومات عن الموظفين، وإلغاء الضرائب والجمارك عن غزة إلى حين تعافي اقتصادها.

كما طالب القطاع الخاص في بيانه سلطة النقد الفلسطينية (المؤسسة القائمة بأعمال البنك المركزي) بإصدار تعليمات للبنوك للتخفيف عن القطاع الخاص.

‪موظفون حكوميون يحتجون على قرار السلطة إحالتهم إلى التقاعد‬ (الجزيرة نت)
‪موظفون حكوميون يحتجون على قرار السلطة إحالتهم إلى التقاعد‬ (الجزيرة نت)

عقوبات أميركية
ويعتمد أكثر من مليون لاجئ فلسطيني في قطاع غزة على المساعدات الإغاثية التي تقدّمها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، وسط تخوفات من انقطاع تلك المساعدات عنهم عقب تهديد واشنطن بوقف تمويلها للوكالة الأممية.

ويعتقد الطباع أن التهديد الأميركي بتقليص دعم واشنطن للأونروا سينعكس سلبا على الوضع الاقتصادي الذي يعاني أصلا من الانهيار.

ويأتي التهديد في ظل أزمة مالية تعاني منها الأونروا تسببت في عجز مالي لخزينتها بلغ مليون دولار، ويُتوقع أن تنخفض الخدمات التي تقدمها الوكالة في قطاع غزة إذا نفّذت واشنطن تهديدها.

ويقول المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان -ومقره جنيف– إن الأوضاع الاقتصادية والإنسانية في قطاع غزة بدأت تنهار.

وأرجع الباحث القانوني في المرصد محمد صيام ذلك الانهيار إلى الحصار الذي تفرضه إسرائيل لأكثر من 11 عاماً على القطاع. ووثّق المرصد -وفق صيام- ازدياد نسبة الفقر بغزة إلى ما يجاوز 65%، وسط ارتفاع نسب البطالة أيضاً.

وتبلغ نسبة البطالة في غزة 45% بحسب الإحصاء الفلسطيني (حكومي)، وترتفع إلى 60% في صفوف الشباب حتى نهاية الربع الثالث 2017.

وبينت أرقام حديثة لسلطة النقد الفلسطينية تراجعا في حجم ودائع الأفراد والشركات في قطاع غزة إلى 1.122 مليار دولار حتى نهاية الربع الثالث لعام 2017.

وكانت قيمة الودائع بلغت 1.137 مليار دولار في الربع الثاني لذات العام، و1.125 مليار في الربع الثالث لعام 2016.

كما انكمشت القروض البنكية للأفراد والشركات في الربع الثالث لعام 2017 إلى 990.4 مليون دولار، وهو أدنى رقم منذ الربع الثالث لعام 2016. وكانت قيمة القروض المصرفية بلغت 993.5 مليون دولار في الربع الثاني لذات العام، و885.8 مليونا في الربع الثالث.

المصدر : وكالة الأناضول